العنوان حقائق في وثائق: قبل خمسين عامًا.. أمريكا المتورطة في أفغانستان
الكاتب أحمد إبراهيم خضر
تاريخ النشر الثلاثاء 06-ديسمبر-1988
مشاهدات 24
نشر في العدد 894
نشر في الصفحة 27
الثلاثاء 06-ديسمبر-1988
هناك دليل يرجع تاريخه إلى قرن ونصف من الزمان، يشهد بهذا التعاون الأمريكي البريطاني سواء على المستوى السياسي العسكري أو المستوى الكنسي لتنصير المسلمين في أفغانستان.
كانت «لوريانا» وهي المحطة الشمالية الغربية لشركة الهند الشرقية التي كانت تمتلكها بريطانيا- تضم معسكرات الجيش البريطاني وعملاءه السياسيين، وكان يستقر فيها في نفس الوقت لاجئون من الملوك والأمراء، مثل: زمان شاه، والشاه شذا الملك.
كان منطقيًا –كما يقول هوبري- إن تفكر الإرساليات التنصيرية في أفغانستان كأرض مسلمة يجب أن تفتح فورًا لتنصير المسلمين بها، وسنحت الظروف لهذه الإرساليات لتحقيق ما تصبو إليه حينما شكلت الحكومة البريطانية في الهند في عام ۱۸۳۷ بالاتفاق مع الهنود السيخ حملة لغزو أفغانستان، تعيد فيها الشاه شذا الملك إلى العرش فأرسل الأمريكيون البروتستانت أحد رجالهم لتوزيع بعض الكتيبات النصرانية على مسلمي أفغانستان، وأمدته بعدة نسخ من الإنجيل باللغة الفارسية التي كانت لغة البلاط في ذلك الوقت، إلا أن الأفغان قد قبضوا على هذا المبعوث، وطردوه خارج البلاد، وسحبوا منه الأناجيل التي قدم بها.
وإثر هذه الواقعة اقترح «الميجور كوران» قائد الجيش الإنجليزي على الإرساليات الأمريكية أن تؤسس إرسالية لها في أفغانستان بعد أن غزا الإنجليز البنجاب، واحتلوا بيشاور، وقدم الميجور کوران خمسة آلاف جنيه إسترليني مساهمة في مواجهة النفقات الداخلية للإرسالية، وبعد عدة مراسلات مع المكتب الأمريكي للإرساليات في نيويورك وافق المكتب على إنشاء أول إرسالية أمريكية بروتستانتية في أفغانستان.
ويرتبط تاريخ هذه الإرسالية بعالم نصراني بارز (كان يهوديًا في الأصل) اسمه «ايذبدور لوقتتال» وهو أستاذ في اللغات الأوروبية القديمة والعبرية، ويعرف العربية والكلدانية، نظمت له الإرسالية برنامجًا لدراسة اللغة الفارسية والأردية في روالبندي، ثم استقر في بيشاور ليتعلم لغة الباشتو العامية حتى يأتي الوقت الذي يغادرها فيه إلى أفغانستان.
وفي نفس الفترة التي كانت تخطط فيها الإرسالية الأمريكية لبدء عملها في أفغانستان كانت هناك إرسالية إنجليزية تقوم بمحاولات تنصيرية للمسلمين في بيشاور تمهيدًا لدخول أفغانستان أيضًا تحت رئاسة «الكولونيل مارتن» كتب «مارتن» إلى «لوفنثال» يدعوه للتعاون معه ومواصلة الجهود في سبيل الهدف المشترك، ورغم الخلاف بين الكنيستين فقد تعاونا سريًا وبصورة خاصة في ترجمة الإنجيل.
كان «دكتور ليدن» أستاذ اللغات الهندوسية في كلية «فورت وليام» بكلكتا قد ترجم بعضًا من أجزاء الإنجيل إلى لغة الباشتو، وانتهى في عام ۱۸۱۱ من ترجمة معظم الأناجيل، إلا أن جهده قد توقف بوفاته، ثم اضطلعت الإرسالية المعمدانية في سيرامبور بهذه المهمة من بعده، وطبعت من الترجمة ألف نسخة، وصل معظمها إلى الأفغان عبر القوافل التجارية، كما وزعت الإرسالية الأمريكية في لوريانا بعضًا منها، ووجدت عدة نسخ من هذه الترجمة في المكتبات الأوروبية، إلا أن معظم الإرساليات المسيحية في بيشاور قد أقرت بسوء الترجمة والأخطاء الفادحة فيها، وفي عام ۱۸۲۲ طبعت إرساليات سیرامبور الأسفار الخمسة للعهد القديم بلغة الباشتو، كما أصدرت في عام ١٨٢٢ طبعة من ألف نسخة لكل سفر، إلا أنه لم يظهر هناك أي أثر لهذه النسخ باستثناء تلك التي وجدت طريقها للمكتبات الأوروبية.
فكرت الإرساليات بعد ذلك في جدوى طبع الإنجيل مرة أخرى بلغة الباشتو، خاصة وأن بعضًا منها رأى أن طبع الإنجيل بالفارسية يمكن أن يخدم المتعلمون من الأفغان، ودرس «لوفنثال» هذا الأمر، ثم فأجأ الإرساليات بأنه قد عثر على مؤلفات وترجمات عديدة بلغة الباشتو العامية لمؤلفين من العرب والفرس.
تقدم «لوفنثال» يطلب للإرسالية الأمريكية طالبًا السماح له بدخول أفغانستان، لكن طلبه قد رفض؛ فتفرع لتعلم الباشتو حتى أجادها، وترجم العهد الجديد إليها، ثم قام يحاول تنصير المسلمين في بيشاور والقرى المجاورة لها، ودرس بعد ذلك المشاكل التي تواجه من يعملون على تنصير المسلمين، وكتب تقريرًا عن هذا الموضوع دعاهم فيه إلى تجديد أسلوب العمل باستخدام الغناء والنشر والشعر حتى يردده العامة من الكبار والصغار في الطرق والشوارع.
والنصارى مقتنعون بأن تنصير المسلمين من عمل الرب، وأنه هو الذي يعين لهم الرجال، ويهبهم بالقدرات والإمكانيات، ورغم بطلان عقيدتهم فهم يتحملون من أجلها الصعاب أيًا كانت حتى لو اقتضى الأمر حمل البندقية في وجه هذا المسلم الذي يرفض التنصير؛ ذلك لأنه في نظرهم (متعصب ومتعطش للدماء).
كتب «لوفنثال» محددًا مواصفات هؤلاء الذين تقع على عاتقهم مهمة تنصير المسلمين فيقول: يجب على هؤلاء الذين يقومون بهذه المهمة أن يكونوا أقوياء بدنيًا، قادرين على الوقوف في الشمس الحارقة، ومتعرضين لريح السموم الخانقة ولموجات البرد القارصة، وأن يكونوا قادرين على السير يوميًا مسافة من خمسة وعشرين إلى ثلاثين ميلًا، سواء على أقدامهم أو فوق ظهور الجمال، متحملين صعوبة الطريق وندرة المياه، يجب أن يكونوا قادرين على التعامل مع تقلبات المناخ، ولا يحميهم غير أسقف خيامهم، يجب عليهم أن ينسوا رفاهية المدنية المسيحية، وألا يشعر الأفغان بأنهم يتعاملون مع من هم غريبون عنهم في عاداتهم واستخداماتهم، يجب أن تكون لديهم بعض المعلومات الطبية، وبعضًا من الإمدادات الطبية التي تستخدم في العلاج الشائع، يجب أن يعتمد الواحد منهم في إعداد طعامه على مهارته الرياضية، ويجب أن يحمل كل واحد منهم بندقية، إن الأفغاني يحترم الرجل المسلح أكثر من احترامه لغيره، يجب أن يكون لديهم الإرادة القوية للجود بأرواحهم إذا ما رحلت القوات البريطانية حتى يتمكنوا من مواجهة المتعصبين وعطشى الدماء».
في ٢٧ إبريل عام ١٨٦٤ عانى «لوفنثال» من آلام مبرحة، حاول أن يخفف منها بالتجول في حديقة منزله، فأصابته رصاصة قتلته على الفور، قالت الإرسالية إن حارسه الأفغاني أطلقها عليه بطريق الخطأ، وبعد هذا الحادث قررت الإرسالية الأمريكية أن توقف عملها في أفغانستان، وتركت المهمة للكنيسة الإنجليزية.
أفغانستان نظيرة لسويسرا:
لم ينس النصارى هذه الجملة الشهيرة التي قالها «ميرك» في حديثه أمام أحد الهيئات التنصيرية لوسط آسيا منذ حوالي سبعة عقود من الزمان «إن أفغانستان تناظر سويسرا سياسيًا وجغرافيًا» ولهذا طوق النصارى حدود أفغانستان مع الهند وإيران، وكشفوا أعمالهم التنصيرية عبر حدودها الغربية والشرقية والجنوبية.
على الحدود الغربية بدأ النصارى أعمالهم في عام ١٩١١ تحت رئاسة دكتور «إيسلتاين» الذي كان يتبع الكنيسة الأمريكية البروتستانتية التي كان مقر إرساليتها في (مشهد)، وأسسوا مستشفى بها في عام ١٩١٥، واقتصر العمل فيها في بداية الأمر على ثلاثة من رجال الدين، وامرأتين لمهام التنصير، وطبيبين، وثلاث ممرضات، وكانت جمعية الإنجيل البريطانية قد مكنت من تنصير أحد المسلمين الذي أصبح فيما وقع بعد واحدًا من أعضاء الكنيسة في (مشهد). ومع أعياد رأس السنة في عام ١٩٢٠ كانوا قد عمدوا خمسة عشر مسلمًا آخرين، وبعد أن نظموا هذه الكنيسة جيدًا ودعموها بنادي ومكتبة ومركز اجتماعي نصروا واحدًا وأربعين مسلمًا، ستة وعشرون منهم من (مشهد)، والآخرون من (نیسابور) و(رافر كاله) و(سايستان). وكانوا يقومون بوعظهم الكنسي في حجرة انتظار المستشفى في يوم الأحد، ويعقدون لقاء أسبوعيًا واحدًا للرجال، وثانيًا للنساء، وثالثًا للعاملين النصارى في المستشفى، كما كانوا يقومون بصلاة يومية في أجنحة المستشفى، وفي صالة العيادة الخارجية.
وعبر النصارى الأميال الخمسمائة للحدود الأفغانية الغربية من (مشهد) إلى (سايستان) في الجنوب وشمالًا حتى حدود تركستان، ويقول «سیرل شامبرز» (إن للعمل الطبي شعبية كبيرة عند كل الطبقات، ويصلح كغطاء واق لعملنا التنصيري). كان الأفغان يترددون على المستشفى يوميًا وخاصة من منطقة (حيرات) لإجراء عمليات جراحية، ولا سيما عمليات العيون والفتاق، هذا وقد صاحب التقدم في العمل الطبي تقدمًا آخر موازيًا له في العمل التنصيري، وتقول إحصائيات المستشفى أنه تردد عليها في عام ١٩٢٣ (369) مريضًا في العيادات المتخصصة، و(١٧,٠٧٦) في العيادة الخارجية، وأجريت (۹۹۷) عملية جراحية بالمستشفى.
وفي مايو ويونيو من عام ١٩٢٤ قامت الإرسالية بأول حملة تنصيرية لها في أفغانستان، كانت تعد لها منذ زمن بعيد، وحصل د. هوفمان وزوجته ومسز دونالدسون على تصريح من الحكومة المركزية في أفغانستان لزيارة مدينة (حيرات)، وهناك استقبلهم أحد الوزراء مندوبًا عن الأمير أمان الله خان بحفاوة بالغة، وسلمهم مفتاح المدينة، وسمح لهم بممارسة العمل الطبي، وأعطاهم الحرية في اتخاذ ما يرونه لازمًا لنجاح مهمتهم بما في ذلك زيارة المدارس والأسواق وحتى الأماكن التاريخية.
يقول «شامبرز» (كان الهدف الأساسي من زيارة (حيرات) أن نكسب الأصدقاء، وأن نحطم تعصب المسلمين) وهذا كثفت الإرسالية من العمل الطبي، وأجرت العديد من العمليات، وخاصة تلك التي يتوقع لها الشفاء السريع، وحظيت هذه الجهود بتقدير الناس في (حيرات) الذين عبروا عن امتنانهم بالاستعداد لدفع قيمة بعض الخدمات، ودعوتهم لأعضاء الإرسالية للحضور إلى (حيرات) مرة أخرى، أما الوزير نفسه فقد أعطاهم خطابًا رسميًا يعبر فيه عن تقديره وامتنانه لزيارتهم، وتأكيده على ترحيبه بهم عند عودتهم مرة أخرى.
هذا وقد رفع الحاضرون في الاجتماع السنوي لإرسالية كنيسة شرق إيران في عام ١٩٢٤ شعارًا كان يراودهم كأمل منذ زمن بعيد، وهو (يجب أن تنتقل رسالتنا عبر خراسان وحتی أفغانستان).
وعلى الحدود الشرقية والجنوبية كانت هناك محطات محدودة للإرساليات تمركزت في مواقع إستراتيجية على مداخل الممرات، شبهها «شامبرز» بأحد قنوات نهر البنجاب التي تروي وتخصب الأرض الضحلة الضائعة على جانبيه الشارة إلى أهميتها في عملية التنصير.
كان النصارى يعلمون أن الأفغان الذين يودون تنصيرهم أكثر قربًا من عرب الصحراء عنهم لساكني المدن في سهول الهند، ولهذا كانوا يقولون (لقد استمرت جهودنا مع الأفغان ثمانين سنة عبر جنودنا النصارى ورجالات دولتنا من مدنيين أو منصرين)، وقد سعى ضباط معسكر كابول في عام ١٩٣٩ لتأسيس إرسالية كنسية في قندهار وكابول ترسل منها طبعات الإنجيل إلى أفغانستان.
بدأ العمل التنصيري في منطقة –كويتا– في نفس الوقت الذي بدأ فيه العمل الطبي، وذلك في عام ١٨٨٦ تحت إشراف د. ساتون وجورج شيرت، وفي عام ١٩٠٠م غادر ساتون –كويتا- وحل محله د. هولاند الذي كان قد عمل لفترة ستة أسابيع في مستشفى شيكاربور التي زارها «ماتشيت» لأول مرة في عام ١٨٥٤، وكتب في سجلاتها (أن كلمة الله يجب أن تنتشر حتى بين أشد الجهلة والمتعصبين من المسلمين في هذه المناطق).
وفي عام ١٩٠٠م دفع أحد الأثرياء تكاليف علاج الفقراء من مرضى العيون في مستشفى الإرسالية التي قدم إليها المرضى الذين يبحثون عن العلاج حتى من الشاطئ العربي، وتبين الإحصائيات أنه قد أجريت في هذه المستشفى (١٦٦) عملية جراحية، وتردد عليها في عياداتها المتخصصة (٧٦٧) مريضًا، وباعت المستشفى في عام ١٩٢٣ ألفًا وثلاثمائة نسخة من الإنجيل، بواقع مريض واحد كان يشتري الإنجيل من كل سبعة مرضى.
أما في -دیرا إسماعيل خان– فقد بدأ العمل بها في عام ۱۸٨١ برئاسة القس «فالبي فرنش» الذي أسس كلية –سان جون– في «اجرا» وفي عام ١٨٦٨ تأسست محطة طبية في الطريق المؤدي إلى دير إسماعيل خان ويقول «شامبرز» معلقًا على أهم الأعمال التي قام بها النصارى مع التجار الرحالة من جبال خراسان عبر ممرات الحدود الشمالية الغربية (إن عملنا مع هؤلاء التجار من أهم وأكثر الأعمال خصوبة، وأنه على الرغم من أن البدو الشماليين لا يسافرون مع هذه القبائل، فإنهم يتواجدون على الطريق من شهر أکتوبر من كابول إلى بيشاور كل عام، ويتراوح عددهم من خمسين إلى ستين ألفًا، ومعهم ثمانون ألف جمل يستقرون بها في دير إسماعيل خان، ويبقى النساء في المعسكرات، في حين يذهب الرجال للتجارة وذلك حتى شهر مارس، وهي فرصة ثمينة وإن كانت عارضة لعملنا التنصيري اضطلع بها د. شيربيرن ومس ديفيد سون).
أما (بانو) فقد كانت تحت النفوذ المسيحي منذ عام ١٨٤٨، وفي حين بنيت فيها المدارس والكنائس منذ زمن بعيد فإن العمل الطبي بدأ بها في عام ١٨٩٢، وتضم المدرسة التي أسست بها خمسمائة تلميذ. وفي (كوراك) أشرف على العمل الطبي لفترة ثلاثين سنة طبيب أفغاني يدعى (جيهان خان» وتقول التقارير (إن المرتدين من المسلمين في هذه المنطقة قليلون للغاية).
بدأ النصارى عملهم الطبي مع النساء في عام ١٨٨٤ تحت رئاسة «الاميتشون» التي عاشت اثنين وعشرين عامًا في بيشاور، وأنشأت عائلة الليدي لورانس أول امرأة إنجليزية تعيش في المدينة في عام ١٨٩٦ جناحًا لتوليد النساء في المستشفى التي خصصت لهن أساسًا في عام ١٨٩٥م.
كما بدأ النصارى برنامجهم لتعليم الفتيات في عام ١٨٦٣، وأسسوا في هذه الفترة ثلاث مدارس تضم مائتي تلميذة.
أما عن الإرسالية الطبية في بيشاور فقد أنشئت في عام ۱۸۹۷م، ويقول «شامبرز» عنها (يزيد عدد المرضى الذين يقدمون للعلاج في صباح واحد عن مائة وخمسين، ووصل العدد الكلي الذي تردد على المستشفى إلى تسعة عشر ألفًا، وتضم العيادات بالداخل مائة وأربعين سريرًا عولج فيها (۱۳۸۲) مريضًا).
(كان المرضى يأتون من القبائل القريبة من وادي بيشاور، وكان غيرهم يأتي من مسافات بعيدة من أفغانستان ووسط آسيا، وكان يقدم إليهم الوعظ الكنسي؛ حيث لم تكن أتيحت أمامهم فرصة الاستماع له من قبل، إن منطقة الحدود مغلقة تمامًا على الجهود التنصيرية، لكن تأثير المستشفى قد توسع وامتد وشمل أماكن بعيدة).
وهناك شخصيتان يكن لهما النصارى تقديرًا عظيمًا، هما: «لوكاس جوزيف» وابنه الدكتور «بول»، ويعتبرون «لوكاس جوزيف» هو يوسف الثاني لجرأته وشجاعته ونجاحه في اكتساب ثقة الأمير شير علي خان، والتي تمكن بها من إشرافه على خزانة الحكومة دون أن يتخلى عن نصرانيته أو يخجل من اسمه المسيحي، كان «لوكاس» كما يقول «شامبرز» ابنا لأبوين أرمنيين من كابول تعلم في بيشاور، ورجع إلى كابول في عام ١٨٦٩، وخدم الأمير عشر سنوات، ولم يكن الأمير يثق في أحد قدر ثقته في «لوكاس» الذي عهد إليه فيما بعد الإشراف على مصنع البارود، ثم على خزينة الحكومة، ثم عينه حاكمًا لجلال آباد، وقد تمكن «لوكاس» من تنصير بعض المسلمين في بلاط الأمير، لكن أمره قد اكتشف فطرده الأمير مع الأرمن الآخرين وابنه «بول» الصغير الذي أصبح فيما بعد جراحًا في مستشفى الإرسالية.
تبين لنا هذه السطور أن أفغانستان كانت محط أعين النصارى منذ زمن بعيد، وكان مدخلهم إليها العمل الطبي على الحدود الذي امتزج مع العمل التنصيري، واستخدم كوسيلة لتحقيق الأخير وكغطاء واق له، لم يترك النصارى مكانًا يقيم فيه المسلمون، أو يرتحلون إليه، إلا وسعوا إليهم وقد أجادوا استخدام وسيلة الخدمات الطبية إلى درجة دفعت بالسذج من المسؤولين أن يقدموا إليهم التسهيلات والإمكانيات التي ساعدتهم على إلحاق الضرر بالمسلمين تحت شعار علاجهم، ولقد بلغت بهم الجرأة في عام ١٨٦٨ إلى أن يعهدوا إلى الطبيب «ويليامز» لمقابلة الوزير الأفغاني وكبار رجالاته، ويقدموا إليهم ما أسموه (بعضًا من التنوير الخاص بالديانة النصرانية).
لقد نجح النصارى في التسلل إلى الملوك والأمراء والتقرب إليهم حتى حازوا على ثقتهم، وعهدوا إليهم بالخطير من أمور الدولة، وكلما نجحوا في إخفاء حقيقة نواياهم ولم يكتشفوا قالوا «إنها عناية الرب»، أما إذا اكتشفوا فإن الأوان يكون قد فات.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل