; حكم الإسلام في إحياء الآثار | مجلة المجتمع

العنوان حكم الإسلام في إحياء الآثار

الكاتب الشيخ عبد العزيز بن باز

تاريخ النشر الثلاثاء 10-أغسطس-1982

مشاهدات 18

نشر في العدد 582

نشر في الصفحة 42

الثلاثاء 10-أغسطس-1982

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد:

  • فقد نشرت بعض الصحف مقالات حول إحياء الآثار والاهتمام بها لبعض الكتاب ومنهم الأستاذ صالح محمد جمال وقد رد عليه سماحة العلامة الشيخ عب الله بن محمد بن حميد فأجاد وأفاد وأحسن أجزل الله مثوبته. ولكن الأستاذ أنور أبا الجدايل هداه الله وألهمه رشده لم يقتنع بهذا الرد أو لم يطلع عليه فكتب مقالًا في الموضوع نشرته جريدة المدينة بعددها الصادر رقم ‎٥٤٤٨‏ وتاريخ ٢٢/٤/١٤٠٢هـ‏ بعنوان «طريق الهجرتين» قال فيه «والكلمة المنشورة بجريدة المدينة بالعدد ‎٥٢٣‏ وتاريخه 7/4/١٤٠٢هـ للأستاذ البحاثة عبد القدوس الأنصاري عطفًا على ما قام به الأديب الباحث الأستاذ عبد العزيز الرفاعي من تحقيق للمواقع التي نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق الذي سلكه في هجرته من مكة إلى المدينة المنورة تدفعنا إلى استنهاض همة المسئولين إلى وضع شواخص تدل عليها كمثل خيمتين أدنى ما تكونان إلى خيمتي أم معبد مع ما يلائم بقية المواقع من ذلك. بعد اتخاذ الحيطة اللازمة لمنع أي تجاوز يعطيها صفة التقديس أو التبرك أو الانحراف عن مقتضيات الشرع. لأن المقصود هو إيقاف الطلبة والدارسين. ومن يشاء من السائحين على ما يريدونه من التعرف على هذا الطريق ومواقعه هذه لمعرفة ما عاناه الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلته السرية المتكتمة هذه من متاعب وذلك لمجرد أخذ العبرة وحمل النفوس على تحمل مشاق الدعوة إلى الله تأسيًا بما تحمله في ذلك عليه السلام.
  • على أن تعمل لها طرق فرعية معبدة تخرج من الطريق العام وتقام بها نزل واستراحات للسائحين وأن يعني أيضًا بتسهيل الصعود إلى أماكن تواجده صلى الله عليه وسلم بدءًا بغاري حراء ثم ثور. والكراع حيث تعقبه سراقة بن مالك حتى الوصول إلى قباء ما سبق ذلك من مواقع في مكة المكرمة كدار الأرقم بن الأرقم والشعب الذي قوطع هو وأهله فيه وطريق دخوله في فتح مكة ثم نزوله بالأبطح وكذا في الحديبية وحنين وبدر. وكذلك مواقعه في المدينة المنورة. ومواقع غزواته. وتواجده في أريافها ثم طريقه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وإلى تبوك. وتواجده فيهما لإعطاء المزيد من الإحاطة والإلمام بجهاده الفذ في نشر الدعوة الإسلامية والعمل على التأسي به في ذلك» ١.هـ.
  • كما دعا الدكتور فاروق أخضر في مقاله المنشور في جريدة الجزيرة بعددها رقم ‎٣٢٥٤‏ ‏وتاريخ 12/١/١٤٠٢هـ‏ إلى تطوير الأماكن الأثرية في المملكة لزيارتها من قبل المسلمين بصفة مستمرة. لضمان الدخل بزعمه بعد نفاد البترول ومما استدل به «إن السياحة الدينية المسيحية في الفاتيكان تعتبر أحد الدخول الرئيسية للاقتصاد الإيطالي. وأن إسرائيل قد قامت ببيع زجاجات فارغة على اليهود في أمريكا على اعتبار أن هذه الزجاجات مليئة بهواء القدس» كما أشار إلى أنها ستؤدي من الفوائد أيضًا «في تثبيت العلم بالإسلام عند الأطفال المسلمين.. إلخ» ونظرًا لما يؤدي إليه إحياء الآثار المتعلقة بالدين من مخاطر تمس العقيدة أحببت إيضاح الحق وتأييد ما كتبه أهل العلم في ذلك والتعاون معهم على البر والتقوى والنصح لله ولعباده وكشف الشبهة وإيضاح للحجة فأقول:
  • إن العناية بالآثار على الوجه الذي ذكر يؤدي إلى الشرك بالله جل وعلا لأن النفوس ضعيفة ومجبولة على التعلق بما تظن أنه يفيدها. والشرك بالله أنواعه كثيرة غالب الناس لا يدركها. والذي يقف عند هذه الآثار سواء كانت حقيقة أو مزعومة بلا حجة يتضح له كيف يتمسح الجهلة بترابها وما فيها من أشجار أو أحجار ويصلي عندها ويدعو من نسبت إليه ظنًا منهم أن ذلك قربة إلى الله سبحانه أو لحصول الشفاعة. وكشف الكربة ويعين على هذا كثرة دعاة الضلال الذين تربت الوثنية في نفوسهم والذين يستغلون مثل هذه الأثار لتضليل الناس وتزيين زيارتها لهم حتى يحصل بسبب ذلك على بعض الكسب المادي وليس هناك غالبًا من يخبر زوارها بأن المقصود العبرة فقط بل الغالب العكس.
  • ويشاهد العاقل ذلك واضحًا في بعض البلاد التي بليت بالتعلق بالأضرحة وأصبحوا يعبدونها من دون الله ويطوفون بها كما يطاف بالكعبة باسم أن أهلها أولياء فكيف إذا قبل لهم أن هذه آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما أن الشيطان لا يفتر في تحين الأوقات المناسبة لإضلال الناس قال الله تعالى عن الشيطان أنه قال: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (ص: 82،83) وقال أيضًا سبحانه عن عدو الله الشيطان ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ  ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ (الأعراف: 16،17) وقد أغوى آدم فأخرجه من الجنة مع أن الله سبحانه وتعالى حذره منه وبين له أنه عدوه.
  • ومن ذلك قصة بني إسرائيل مع السامري حينما وضع لهم من حيلهم عجلًا ليعبدوه من دون الله فزين لهم الشيطان عبادته مع ظهور بطلانها وثبت في جامع الترمذي وغيره بإسناد صحيح عن أبي وافد الليثي رضي الله عنه قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال صلى الله عليه وسلم: الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلاهًا كما لهم آلهة لتركبن سنن من كان قبلكم». شبه قولهم اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط بقول بني إسرائيل اجعل لنا إلاهًا كما لهم آلهة. فدل ذلك على أن الاعتبار بالمعاني والمقاصد لا بمجرد الألفاظ ولعظم جريمة الشرك وخطره في إحباط العمل نرى الخليل عليه السلام يدعو الله له ولبنيه السلامة منه. قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ﴾ (إبراهيم: 35،36). فإذا خافه الأنبياء والرسل وهم أشرف الخلق وأعلمهم بالله وأتقاهم له فغيرهم أولى وأحرى بأن يخاف عليه ذلك ويجب تحذيره منه كما يجب سد الذرائع الموصلة إليه.
  • ‎ومهما عمل أهل الحق من احتياط أو تحفظ فلن يحول ذلك بين الجهال وبين المفاسد ‏المترتبة على تعظيم الآثار لأن الناس يختلفون من حيث الفهم والتأثر والبحث عن الحق اختلافًا كثيرًا ولذلك عبد قوم نوح عليه السلام: ودًا، وسواعًا، ويغوث، ويعوق، ونسرًا. مع أن الأصل في تصويرهم هو التذكير بأعمالهم الصالحة للناس والاقتداء بهم لا للغلو فيهم وعبادتهم من دون الله ولكن الشيطان أنسى من جاء بعد -من صورهم هذا القصد وزين لهم عبادتهم من دون الله وكان ذلك هو سبب الشرك في بني آدم- روى ذلك البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ (نوح: 23).
  • ‎قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت».
  • ‏أما التمثيل بما فعله اليهود والنصارى فإن الله جل وعلا أمر بالتعوذ من طريقهم لأنه طريق ضلال وهلاك ولا يجوز التشبه بهم في أعمالهم المخالفة لشرعنا وهم معروفون بالضلال واتباع الهوى: والتحريف لما جاء به أنبياؤهم فلهذا ولغيره من أعمالهم الضالة نهينا عن التشبه بهم وسلوك طريقهم. والحاصل أن المفاسد التي ستنشأ عن الاعتناء بالآثار وإحيائها محققة ولا يحصى كميتها وأنواعها وغاياتها إلا الله سبحانه فوجب منع إحيائها وسد الذرائع إلى ذلك ومعلوم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم هم أعلم الناس بدين الله وأحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأكملهم نصحًا لله ولعباده ولم يحيوا هذه الآثار ولم يعظموها ولم يدعوا إلى إحيائها بل لما رأى عمر رضي الله عنه بعض الناس يذهب إلى الشجرة التي بويع النبي صلى الله عليه وسلم تحتها أمر بقطعها خوفًا على الناس من الغلو فيها والشرك بها. فشكر له المسلمون ذلك وعدوه من مناقبه رضي الله عنه. 
  • ولو كان إحياؤها أو زيارتها أمرًا مشروعًا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وبعد الهجرة أو أمر بذلك أو فعله أصحابه أو أرشدوا إليه وسبق أنهم أعلم الناس بشريعة الله وأحبهم لرسوله صلى الله عليه وسلم. وأنصحهم لله ولعباده ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم ولا عنهم أنهم زاروا غار حراء حين كانوا بمكة أو غار ثور ولم يفعلوا ذلك أيضًا حين عمرة القضاء ولا عام الفتح ولا في حجة الوداع ولم يعرجوا على موضع خيمتي أم معبد ولا محل ‏شجرة البيعة فعلم أن زيارتها وتمهيد الطرق إليها أمر مبتدع لا أصل له في شرع الله، وهو من أعظم الوسائل إلى الشرك الأكبر ولما كان البناء على القبور واتخاذ مساجد عليها من أعظم رسائل الشرك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعن اليهود والنصارى على اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد وأخبر عمن يفعل ذلك أنهم شرار الخلق وقال فيما ثبت عنه في صحيح مسلم رحمه الله عن جندب بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون من قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك». وفي صحيح مسلم أيضًا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه. وأن يبنى عليه» زاد الترمذي بإسناد صحيح ولن يكتب عليه والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
  • وقد دلت الشريعة الإسلامية الكاملة على وجوب سد الذرائع القولية والفعلية واحتج العلماء على ذلك بأدلة لا تحصى كثيرة وذكر منها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه الموقعين تسعة وتسعين دليلًا كلها تدل على وجوب سد الذرائع المقضية إلى الشرك والمعاصي وذكر منها قول الله تعالى ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ﴾ (الأنعام: 108). وقوله صلى الله عليه وسلم «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصم حتى تغرب الشمس» سدًا لذريعة عبادة الشمس من دون الله. ومنعًا للتشبه بمن فعل ذلك. كما ذكر منها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك ونهى عن تجصيص القبور وتشريفها واتخاذها مساجد وعن الصلاة إليها وعندها وعن إيقاد المصابيح عليها وأمر بتسويتها ونهى عن اتخاذها عيدًا ومن شد الرحال إليها لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانًا والإشراك بها وحرم ذلك على من قصده ومن لم يقصده بل قصد خلافه سدًا للذريعة.
  • فالواجب على علماء المسلمين وعلى ولاة أمرهم أن يسلكوا مسلك نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في هذا الباب وغيره وأن ينهوا عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين وأن يفقههم في الدين وأن يوفق علماءهم وولاة أمرهم لما فيه صلاحهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة وأن يوفق قادة المسلمين لتحكيم شريعة الله والحكم بها في كل شئونهم.
الرابط المختصر :