العنوان حلف الناتو.. استراتيجية صعود خارج القارة الأوروبية
الكاتب محمود الكسواني
تاريخ النشر الثلاثاء 18-يناير-1994
مشاهدات 16
نشر في العدد 1084
نشر في الصفحة 40
الثلاثاء 18-يناير-1994
عززت الحرب البلقانية الراهنة الموقف الأوروبي الذي ينادي بإعادة النظر في الدور الإستراتيجي لحلف الناتو فيما يخص أمن القارة الأوروبية.
فإذا كان الاحتلال السوفيتي لأفغانستان وانهيار إمبراطورية شاه إيران وتوتر الأوضاع في الشارع التركي تعتبر بمثابة حوافز منشطة للغرب نحو تطوير وزيادة قدرات حلف الناتو الدفاعية فإن:
- فشل السوفيت في تحقيق أهدافهم الإستراتيجية من احتلال أفغانستان وانهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو.
- وضمور الخطر الإيراني.
- وترسيخ الدور البوليسي لحكومة تركيا.
- وسياسة الوفاق الدولي.
- وعجز الاقتصاد الأوروبي الغربي عن زيادة ميزانية حلف الناتو.
أصبحت بمثابة حوافز ملحة لإعادة النظر في إستراتيجية الحلف وإعادة صياغة ميثاق جديد للحلف مبنى على أسس جديدة غير التي أنشئ الحلف من أجلها في عام ١٩٤٩م. وخير دليل على ذلك الخلاف الأوروبي الأمريكي حول حل المشكلة البوسنية والذي ظهر خلال اجتماعات حلف الناتو في الآونة الأخيرة.
بطبيعة الحال، هناك بعض المحللين يرون أن الخلافات الأمريكية -الأوروبية حول البوسنة والهرسك لا تعبر عن حقيقة الأمر إلا أن هذا لا يمنع من وجود الخلافات بين الحلفاء.
وأيضًا، فإن مشروع الميثاق الأطلسي الجديد غير معلن ويبدو أن حساسية الميثاق تجاه الشعوب الإسلامية سيحول دون الإعلان عنه، إلا أن استقراء الأحداث والمواقف الصادرة عن أعضاء الحلف يمكن أن يؤدي إلى فهم قريب إلى استراتيجية حلف الناتو فيما يخص الشعوب والبلدان الإسلامية، وخاصة إذا ما تتبعنا الأعمال العسكرية التي نفذتها الدول الغربية خارج نطاق القارة الأوروبية.
إلا أن ما يجدر ذكره أن الدعوة لإعادة النظر في حلف الناتو كانت قد ظهرت قبل سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار حلف وارسو، بل وفي أوج القوة السوفيتية واندفاع مفكريها وساساتها لنشر الاشتراكية والشيوعية في العالم.
فلقد تغيرت النظرة الأوروبية للأمريكيين منذ منتصف الستينات وبالتحديد بعد أن تبين للأوروبيين أن الاجتماع الذي عقد في فيينا بين الرئيسين الأمريكي كنيدي والسوفيتي خرتشوف في عام ١٩٦١م كشف فيما بعد عن اتفاق سري بين الجانبين على اقتسام العالم وإنهاء العداء سرًا وإظهاره خداعًا لباقي دول العالم وخاصة أوروبا والصين.
وهذا ما دفع الرئيس الفرنسي «ديجول» عام ١٩٦٦ إلى القول: «إن الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة في مناطق العالم مثل كوريا وفيتنام وكوبا يمكن أن تتصاعد إلى درجة تسفر عن جحيم لا يُطاق بالنسبة لحلفاء أمريكا الأوروبيين ويمكن أن ينقادوا إليه دون خيار منهم...»
وقد تبنى كثير من الأوروبيين تلك الأفكار وأطلقوا عليها ما عرف بالفكر «الديجولي».
وبالفعل فإن قمة فيينا كشفت عن اتفاقات سرية بين العملاقين، وكانت الحرب الأمريكية الفيتنامية التي اندلعت بعد سنتين من قمة فيينا بين خرتشوف وكنيدي تمثل إحدى أهم نقاط التفاهم بينهما على تهديد الصين الشعبية من فيتنام.
وقد برزت في تلك الفترة أي في منتصف الستينات أسئلة كثيرة من قبل المحللين الأوروبيين أهمها: «هل من المحتمل أن تجر الولايات المتحدة حلفائها الأوروبيين إلى حرب كونية جديدة بسبب نشاطاتها المتزايدة خارج أوروبا...؟
وأخذت أوروبا تفكر بجدية في إيجاد البديل لحلف الناتو يضمن حفظ أمن القارة الأوروبية دون مساعدة أمريكية وكان من أهم تلك البدائل:
- الحياد الأوروبي.
- التقليل من الخطر الشيوعي.
- الدفاع الأوروبي الموحد.
وكان البديل الأخير أول تلك البدائل إلا أن ميلاده تأخر إلى ما بعد انهيار حلف وارسو فعليًا.
ومقارنة ما بين عامي ١٩٤٩ و١٩٧٥م حقق الأوروبيون نوعًا من الاستقرار في قارتهم وأخذوا يعملون على التملص من التزاماتهم نحو شعوب العالم الثالث وخاصة الشرق الأوسط تاركين للولايات المتحدة حرية التصرف في قضية الشرق الأوسط ورأينا كيف وقعت أمريكا في المستنقع اللبناني بعد أن اقتصرت بريطانيا وأمريكا على دعم عملائها هناك دون تدخل عسكري مباشر.. في حين انزلقت قوات المارينز إلى بيروت وخلفت ما يقارب المائتي قتيل في عملية عسكرية واحدة.
ولقد اتخذت ألمانيا الغربية في عام ١٩٧٩م موقفًا متشددًا تجاه القواعد الأمريكية في ألمانيا فيما اعتبر الموقف الألماني آنذاك بأنه انحدار ألماني نحو التخلي عن حلف الناتو... على حد تعبير ألكسندر هيغ حامل حقيبة الخارجية للرئيس الأمريكي الأسبق «ريجان» وهي السنة التي شهدت خلافًا أمريكيًا روسيا حول الاحتلال الروسي لأفغانستان مما هدد الاتفاق السري بين العملاقين فكانت أفغانستان المحك الرئيسي للنوايا بين أمريكا وروسيا، وقد اندفعت أمريكا بقوة وعصبية نحو حلفائها الأوروبيين للتصدي للغزو السوفيتي وحثت حلفاءها على دعم المجاهدين الأفغان بأقصى ما لديهم من قدرات.
أما بريطانيا فيعبر عن موقفها ما كتبه المحلل الإنجليزي «فيليب تاول» في كتابه «الأمن الأوروبي بدون الولايات المتحدة» ونشرته بالعربية المؤسسة العربية للدراسات والنشر يقول: أفاد تحليل الجريدة التايمز اللندنية عام ۱۹۸۳ م أن هناك قلقًا متزايدًا من الهيمنة الأمريكية على الحلف فإن المجموعة الأوروبية في الحلف تطرح أفكارًا حذرة حول إمكانية بناء واجهة شرقية ومتماسكة للحلف... وأن الشعور السائد في أوروبا أن أمريكا تدافع عن أوروبا كما لو كانت حصنًا أو قلعة دون اعتبار الملايين البشر الذين يعيشون فيها...
وكانت ألمانيا الغربية تدافع عن موقفها بعدم زيادة حصتها في الميزانية الدفاعية لحلف الناتو بحجج مقنعة تمامًا منها أن تجارتها مع دول أوروبا الشرقية وبالأخص الاتحاد السوفيتي سوف تكون في خطر ومن المعروف في هذا الصدد أنه ما بين عامي ۱٩٧٥- ۱۹۸۰م ووفقًا للإحصائيات السوفيتية أنه زاد حجم التجارة بين الكتلة الشرقية والغرب بمعدل ٥٠٪ وقد سجلت ألمانيا الاتحادية تفوقًا ملحوظًا في تجارتها مع الاتحاد السوفيتي وزاد حجم التبادل التجاري من ۲۸۰۰ مليون رويل عام ١٩٧٥م إلى ٥٨٠٠ رويل عام ١٩٨٠م.
وكان من حجج ألمانيا أيضًا أن هناك قلقًا ألمانيًا على ما يقارب من ثلاثة ملايين مواطن «من أصل ألماني» يعيشون في بولندا كما بررت موقفها الداعي لخفض البرنامج النووي بأن دعاة السلام في ألمانيا قد بدءوا يسخطون على الحكومة الألمانية وحلف الناتو الذين يهددون السلام العالمي.
ومع ذلك وافقت الدول الأوروبية الغربية «على مضض» على زيادة مصاريفها الدفاعية للحلف بعد أن عبر «روجرز» أمين عام الحلف عن قلقه من جراء سلوك الدول الأوروبية إزاء تعزيز القدرات الدفاعية لحلف الناتو.
وما بين الاجتماع الأطلسي عام ١٩٧٩م وبين انهيار الاتحاد السوفياتي كانت المخاطر تلاحق دول حلف الناتو من أفغانستان إلى إیران إلى تركيا فما كان من ألمانيا إلا عدلت عن موقفها ووافقت على زيادة مصاريفها للحلف بمعدل 3٪ من الدخل القومي الألماني ورأينا كيف تسابقت الدول الغربية على إدانة الغزو السوفيتي لأفغانستان ودعم المجاهدين الأفغان من خلال باكستان وغيرها.. ليس حبًا بالشعب الأفغاني المسلم ولكن للمصلحة المتوخاة من هذا الدعم وهي كسر الاتحاد السوفيتي خارج نطاق القارة الأوروبية وبدماء غير أوروبية أو أميريكية.
أما الخطر المتمثل في الشارع التركي فقد قدمت لجنة أمريكية مختصة تألفت من د. ريتشارد غريميت ودألن ديلسون تقريرًا إلى الكونجرس الأمريكي في مطلع الثمانينات جاء فيه «أن الجيش التركي وصل إلى حالة من العجز والضعف قد تعجزه عن مواجهة مسؤولياته ضمن حلف الناتو، وأن الدعم الأمريكي لتركيا لا يمكن اعتباره كافيًا للحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني في ذلك البلد الحليف».
وقد قدم هذا التقرير بالرغم من أن الولايات المتحدة وألمانيا الغربية قد ساهمتا بأموال طائلة قبل التقرير، فقد بدأت الولايات المتحدة بتنفيذ معاهدة دفاعية مشتركة مع تركيا وقعت بين الجانبين بتاريخ 29/ 3/ 1980م وقدمت أمريكا بموجبها إلى تركيا ٢٥٠ مليون دولار أما ألمانيا فقد ساهمت بـ ٥٠٠ مليون دولار أخرى إلى تركيا بالإضافة إلى معدات عسكرية حديثة.
- الدعم المتواصل لتركيا واعتبارها الحاجز الطبيعي بين العرب وأوربا من الشرق حيث تخشى أوروبا أن تقوم نهضة عربية إسلامية جديدة تقلب الموازين، لأجل ذلك لا بد من مساندة فعلية للحكم العلماني التركي في تصديه للنهضة الإسلامية العربية، وقد أشار إلى مثل هذا «هاني الحسن» أحد كبار أعضاء منظمة التحرير وأحد الرافضين لاتفاقية غزة أريحا بين المنظمة وإسرائيل، حين قال مؤخرًا إن اتفاقية غزة أريحا سيكون لها انعكاس خطير على وضعية العرب وسيكونون بين فكي كماشة تركيا وإسرائيل.. إلا أن التحفظ على ما قاله هاني الحسن أن تركيا العلمانية هي الخطر على المنطقة وليس تركيا المسلمين والإسلام، لأن ما يعتقد أن هاني الحسن يعرف أن تركيا الإسلام والخلافة قاومت اليهود قبل دخولهم فلسطين.
- تحديد الدور التركي في الحلف الأطلسي بما لا يخدش المشاعر المسيحية في أوروبا وغيرها، فلا يمكن بأي حال أن يدخل جندي تركي واحد إلى أوروبا من أجل الأتراك البلغار ولا من أجل البوسنيين، وهذا يجب أن يكون مفهومًا لدى المسلمين البوسنيين، فهناك فرق كبير بين جندي تركي له أمجاد في أوروبا وبين أي جندي آخر مصري أو بنغالي موجود في البلقان.
أما العلاقة الأمريكية الأوروبية فيما يخص أمن أوروبا فهي حساسة جدًا ولقد حاولت الولايات المتحدة خلال اجتماعات الحلف في أثينا وبروكسل حول البوسنة والهرسك أن تقنع الأوروبيين في عملية عسكرية في البوسنة والهرسك إلا أن الأوروبيين تمكنوا من تهميش أمريكا واقتصروا على المساعدات الإنسانية بمظلة عسكرية أمريكية، مما دفع الرئيس الأمريكي كلينتون إلى القول.. أن الأوروبيين يعتبرون المشكلة البوسنية أمرًا خاصًا بهم وهو قرار نابع من التصميم الأوروبي على مشروع الوحدة الأوروبية التي تأبى بنودها طلب العون من الأمريكيين.
ويمكن رسم تصور مستقبلي للدور الأمريكي المرتقب في أوروبا من خلال التقارب الأمريكي الياباني من الناحية الاقتصادية وكذلك العمل على تأجيج الحرب البوسنية مما يدفع أوروبا مرة أخرى لطلب المساعدة الأمريكية كما حدث في السابق عندما دخلت الولايات المتحدة الحربين الأولى والثانية كمنقذ لأوروبا والأوروبيين.
إن واشنطن كما هو معروف كانت قد أعلنت الحرب عام ١٩١٧ وعام ١٩٤١ وذلك بعد مدة طويلة من اندلاع الحروب في أوروبا. وعندما دخلت أمريكا كان دخولها لإنهاء الحرب وحسم النتائج وبقوة عسكرية فاجأت العالم بأسره لأن السياسة الأمريكية تمامًا كما هي في الأفلام الأمريكية كلها مفاجآت..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلخارطة طريق جديدة في ليبيا وتغيُّر السياسة الأمريكية تجاهها
نشر في العدد 2110
32
الثلاثاء 01-أغسطس-2017
السفير إبراهيم يسري وكيل وزارة الخارجية المصرية الأسبق لـ«المجتمع»: مشروع «كيري لافروف» لتقسيم المنطقة بديلاً عن «سايكس بيكو»
نشر في العدد 2110
27
الثلاثاء 01-أغسطس-2017