; حوار أديان أم تعميد للمسلمين؟! | مجلة المجتمع

العنوان حوار أديان أم تعميد للمسلمين؟!

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 20-أبريل-1999

مشاهدات 62

نشر في العدد 1346

نشر في الصفحة 49

الثلاثاء 20-أبريل-1999

الواقع الَّذي لا يستطيع أن يماري فيه أحد عرف الإسلام، أو قرأ التاريخ، أن الإسلام برسالته السمحة أستوعب الأديان، والألوان والعصبيات والقوميات، وقادها بسلاسة وحنكة إلى تحقيق الأمن والاستقرار في الأرض، وكان عنوان ذلك قوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟﴾ (الحجرات ١٣)، وقوله تعالى: ﴿لَاۤ إِكۡرَاهَ فِی ٱلدِّینِۖ قَد تَّبَیَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَیِّۚ﴾ (البقرة ٢٥٦)، وقوله تعالى: ﴿لَّا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَلَمۡ یُخۡرِجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ﴾ (الممتحنة ٨)، وقوله ﷺ: «من أذى نميًا فقد أذاني» وقَدْ عاش كل الديانات والقوميات والعرقيات في ظل الإسلام زمنًا رغدًا.

هذا وقَدْ حاور الإسلام من قديم غير المسلمين بالحسنى حسب منهج واضح مستقيم تسير عليه امة وينفذه مجتمع وتسير به قوافل للدعوة بالحسني والموعظة الحسنة، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿۞ وَلَا تُجَـٰدِلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ﴾ (العنكبوت ٤٦)، وقوله تعالى: ﴿قُلۡ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ تَعَالَوۡا۟ إِلَىٰ كَلِمَةࣲ سَوَاۤءِۭ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقُولُوا۟ ٱشۡهَدُوا۟ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ﴾ (آل عمران ٦٤).  كان المسلمون يطلبون الحوار على أسس التفاهم حول الرسالة والعقيدة وأمور الديانة، وليس على شيء آخر، واما حوار الأديان على أساس التعايش في أمور الدنيا فأظن أنه يجب أن يلتفت إلى عدة أمور منها:

  1. هل المراد من ذلك أن تكون للكنيسة سيطرة دينية تتواكب مع السيطرة السياسية للغرب على الأمة الإسلامية، خاصة أن الكفة بين الطرفين غير متكافئة، لأن الكنائس الغربية في عمومها والفاتيكان بشكل خاص مؤسسة قوية ماديًا، واجتماعيا وسياسيًا وتحظى بالاستقلال عن حكوماتها ولها أهدافها المعلنة وغير المعلنة ولها قوتها في الغرب ولها كذلك تنسيقاتها مع الحكومات ولها أدوارها المساعدة للمد الاستعماري، مثل التبشير الَّذي يكون مقدمة لبسط النفوذ الغربي على تلك البلاد الَّتي وقعت في قبضة هؤلاء، وبالتالي ممكن أن تفتح البلاد الكثيرة أمام الكنيسة المزاولة نشاطها، وبسط نفوذها وضمان عدم التعرض لمبشريها أو التشويش عليهم وتحييد المسلمين بحجة الوفاق والحوار،... إلخ.
  2. ثم على أي شيء يكون هذا الحوار، وهل يمكن أن يكون الحوار حول المعتقدات والديانات، وما حجم التنازلات بين الجانبين، وهل هناك طرف يمكن أن يتنازل عن بعض معتقداته مسلمًا للطرف الآخر؟..
  3. وهل يمكن فصل الحوار عن واقع العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب المسيحي وهي علاقة غير متكافئة في مواجهة غرب متقدم وإمكانات هائلة، ومخططات مدروسة وجاهزة بينما العالم الإسلامي يعاني التبعية والتمزق ونقص الإمكانات المادية والاستراتيجية والكوادر؟
  4. المعروف أن الكنيسة الغربية أباحت الشذوذ والتسيب الجنسي، والخمور، والرقص وما إلى ذلك، والبقية تأتي، فهل هناك توجه ما إلى التفاهم حول تلك الأشياء وهذه التعاليم وغيرها الكثير مما تنازلت عنه الكنيسة، وهل المقصود هو التفاهم حول هذه الأشياء وغيرها، وجعل الإسلام دينًا شخصيًا كهنوتيًا ليس له علاقة بالسياسة والحياة العامة.
  5. هل المقصود إخراج الإسلام من حلبة الصراع مع الفكرة الغربية والغزو الثقافي، أو جره إلى التعايش معها.

والَّذي جرنا إلى هذا الموضوع ودفعنا إلى الكتابة فيه، وجود أول سابقة من نوعها يشهدها تاريخ الأزهر؛ حيث وقع الشيخ فوزي الزفزاف وكيل الأزهر ورئيس اللجنة الدائمة للحوار بين الأديان السماوية بالأزهر مع «الكاردينال اونيزي» رئيس المجلس الاسقفي للحوار بين الأديان بالفاتيكان أول اتفاقية تنظم الحوار الإسلامي - المسيحي وكان الفاتيكان قد طلب في مستهل عام ١٩٩٤م من الأزهر تشكيل لجنة مشتركة للحوار، ويعتبر هذا الطلب من الفاتيكان هو المحرك الرئيس وراء إبرام الاتفاق، وقَدْ هدفت الاتفاقية المعلنة إلى توحيد كلمة المؤمنين بالله على اختلاف دياناتهم المواجهة قوى الإلحاد والاتجاهات الفكرية المعادية السماحة الأديان.

وعلى هذا، فلا بُدَّ أن يشمل الاتفاق اليهود ولهذا ما كانت زيارة الحاخام الإسرائيلي للأزهر وشيخ الأزهر إلا تمهيدًا للتطبيع الديني وتنفيذًا لبنود الاتفاق.

ونحن بدورنا نقول: إننا لا تمانع في أي حوار إذا خلصت النوايا، ووضعت الأسس السليمة ووجد بين المسلمين الوعي بدينهم، ووجدت عندهم استراتيجيات ومخططات وعقليات تستطيع أن تزن الأمور، وأن تعرف المسموح والممنوع، وتدرك دهاليز الثعالب والحيات والثعابين، وأن يستعان بالكفاءات الإسلامية في شتى بقاع العالم الإسلامي، وأن يخصص لذلك فريق عمل ذو كفاءة معينة، وأن ترصد لذلك اعتمادات مالية تعين على ذلك، وألا تتدخل السياسة في هذا الأمر. 

كما لا بُدَّ أن يعمل المسيحيون على تنفيذ هذا الاتفاق على أرض الواقع، وأن يكون لهم دور في تخفيف المعاناة عن المسلمين واستنكار تلك الأمور الوحشية الَّتي يقوم بها المسيحيون لتعميد المسلمين كل يوم بالدم وإقامة المجازر هنا وهناك؛ حيث تتولى المسيحية المتعصبة إقامة الشعائر بنيح المسلمين وانتهاك اعراضهم وإخراجهم من ديارهم يجب أن يكون الرؤساء الكنائس الَّذين يريدون الحوار دور في شجب هذه الكوارث الَّتي يقوم بها بنوهم من المتعصبين يجب أن يعلنوا أن هؤلاء الوحوش ليسوا مسيحيين ولا أصحاب دين وإنما هم مجرمو حرب وقتلة محترفون.

ويجب أن يعلن الحاخام الإسرائيلي استنكاره لاغتصاب الأرض، وقتل الناس، وهدم البيوت وإراقة الدماء يجب الا يكون الاتفاق تخديرًا أو تهميشًا، أو لتمييع الإسلام في نفوس اتباعه وجرهم إلى إخراج القوة الإسلامية من المعركة تحت أي شعار أو اتفاق، يجب أن يحرص المسلمون من مكر الكرادلة الساسة والساسة الكهنة، فقد عودنا هؤلاء وأولئك أن كل خطوة وراها أهداف وكل حركة وراءها مخطط فإذا دخلنا في حوار، فيجب ألا ندخل فيه بالأمر أو ندخل فيه بكوادر من المشايخ الَّذين لا ناقة لهم في فهم المخططات وأساليب الخداع ولا جمل، كما لا يمكن أن ننتظر أن يلعب بالمسلمين وبأزهرهم ويتم تعميدهم في غفلة من الزمان.

وأخيرًا أقول: حذار فإن الذئب لا ينقلب حملًا. وقَدْ كانت الصلبان والقساوسة هم الصف الأوَّلُ في الحروب الصليبية، فهل تغيرت الطباع، أو تغير الزمان أم ماذا؟

وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها

مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ

 وَإِذا رَجَوتَ المُستَحيل فَإِنَّما

تَبني الرَجاءَ عَلى شَفيرٍ هارِ

 

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 113

78

الثلاثاء 15-أغسطس-1972

حوار مع أسرة مسلمة

نشر في العدد 231

44

الثلاثاء 07-يناير-1975

مستعمرات تكره الحرية!