; حول التغيير السياسي المرتقب... عقارب الساعة لن تعود للوراء | مجلة المجتمع

العنوان حول التغيير السياسي المرتقب... عقارب الساعة لن تعود للوراء

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 22-فبراير-1994

مشاهدات 27

نشر في العدد 1089

نشر في الصفحة 5

الثلاثاء 22-فبراير-1994

الأسلوب الصحافي الصاخب الذي طرحت فيه فكرة تشكيل حكومة جديدة في الكويت بعد استقالة الحكومة الحالية أثار ردود أفعال ساخنة في الديوانيات والمنتديات الشعبية الأخرى وأولها مجلس الأمة خصوصًا وأن الإيماءات والتلميحات الحساسة التي حواها الخبر الصحافي واجهتها الرموز القيادية في الدولة بتعليقات غير حاسمة مما أعطى ذلك الخبر مصداقية لا بأس بها في العرف السياسي.

وانقسم الجمهور إزاء هذه المسألة ما بين مؤكد لحقيقتها أو ناف لها على أساس أنها من إشاعات الليالي الرمضانية ووقف فريق في الوسط قائلًا: إن الموضوع هو بالون اختبار أطلق للتعرف على ردود الأفعال الشعبية إزاء مشروع سیاسي غیرمكتمل الملامح قد يقع في المستقبل القريب.

وحتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من هذا الأمرسيضطر معظم المتعاملين السياسيين إلى الافتراض بأن تغييرًا ما سيطرأ على الساحة السياسية وإن اختلفت الآراء في نوع هذا التغيير أو حجمه أو تفاصيله وجوهر النقاش سيتركز هنا حول الحكومة الحالية ومستوى أدائها خلال ١٦ شهرًا من عمرها الفائت إذ إن فكرة التغيير الوزاري تحاول الاستناد إلى انتقادات وملاحظات حول أداء الوزراء الحاليين وإلى علاقة الحكومة المثقلة بستة وزراء منتخبين بمجلس الأمة وهى علاقة يشوبها ضعف في التعاون وضمور في الثقة.

فإذا وجد أن الحكومة الحالية لم تؤد دورها كما يجب فإن الحديث عن التغيير سيكون أمرا منطقيًا ومقبولاً، وإن وجد أنها قامت بالدور على نحو مناسب كان الواجب في تثبيتها والدفاععنها، وإن كان نوع من القصور والضعف أصاب الوزارة الحالية فإنه من المفترض أن يتم تعضيدها وتوجيهها إلى الطريق الصحيح.

غير أن ما يحدث الآن هو الحديث عن التغيير بدون إيرادمبررات وأسباب منطقية وواضحة وبدون محاولة الوقوف على تقييم صحيح ونهائي لتجربة العمل السياسي الكويتي منذ أکتوبر ۱۹۹۲م، فما يقذفه البعض من أفكار وفلسفات نحو الرأي العام أمر محمول على الإثارة الصحافية والبحث عن الجديد والصاخب أكثر مما هو معروض على التفكير الهادئ والرؤيةالواضحة للأشياء.

ما يعرضه البعض من مبررات للتغيير لا يكاد يصمد أمامالبحث والتدقيق أمام حقائق الواقع، وهى مبررات وأسباببالإضافة إلى كونها غير مقبولة أو مستساغة عند غالبية الجمهور فإنها تعكس طريقة في التفكير هي أقرب إلى أحلام اليقظة لدى أطراف تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتريد أن تتجاوز جسامة وضخامة التطور في الفكر السياسي عند المواطن الكويتي، وتتصور أن كارثة الغزو العراقي لم تحدث في عقل ووجدان هذا المواطن سوى فورة مؤقتة من الغضب والانتقال.

ولا نقول ما سبق كراهة منا للتغيير بل إن التغيير مطلوب على الدوام نحو الأفضل فليس الواقع السياسي الحالي هو أفضل ما نتوقع وليست حكومة ۱۹۹۲م هي غاية منى الشعب الكويتي، لكننا نتنبأ ونتمنى أن لا يقبل هذا الشعب إلا تغييرًافي الاتجاه الصحيح.

وكان البعض في حملة الصخب الصحافي- جعل من حقيقة المشاركة البرلمانية في الحكومة في صورة ستة وزراء منتخبين مكسر العصا في ضعف أداء الحكومة وتذبذب علاقتها مع البرلمان، ولعل من أبلغ وأسرع الردود على هذا الادعاء أن الحكومة منذ يوليو ١٩٨٦م وحتى أغسطس ۱۹۹۰ م خلت تمامًا من أي وزير منتخب فإلى أي شيء انتهت إليه البلاد تحت ظل هذه الحكومة؟

ولعل ذاكرة هذا البعض قصرت عن الانتباه إلى أن وجود ستة وزراء منتخبين في الحكومة الحالية جاء حلا وسطًا في ثنايا المفاوضات التي سبقت تشكيلها في أكتوبر ۱۹۹۲م، ولعل الناقدين للتوسط فى مشاركة النواب في الحكومة يعززون الآن تحركًا مضادًا للمطالبة بمزيد من هذه المشاركة في أي تغيير قادم أو جعل غالبية الوزراء من النواب المنتخبين، وهي حالة سياسية بشر بها دستور البلاد ودعت إليها المذكرة التفسيرية لهذاالدستور.

وإذا انتقدنا المطالبين بالتغيير والمروجين لفكرة التغيير الوزاري على أسس ومبررات واهية فإننا لا نعطي الحكومة الحالية بما فيها الوزراء المنتخبون الحصانة من النقد والمحاسبة.

 فنحن نلاحظ بين الوزراء المعينين من كثرت الملاحظات على أدائه ومن دارت الشبهات حول وزارته ومعاونيه، ونرى بينهم من يتجاهل التزاماته الدستورية تجاه مجلس الأمة ومن يتصرف في اختصاصاته ومسئولياته بعيدًا عن الآراءوالتوجهات الشعبية.

ونلاحظ بين الوزراء المنتخبين من عاث في وزارته تغييرًا وتقليبًا للمواقع الإدارية لتحقيق غايات حزبية وفئوية وشخصية بعد أن كان رفع شعار الإصلاح والتجديد وبشر ناخبيه بالعدل والمساواة.

ولا نعفي مجلس الأمة من النقد والمحاسبة، ولا شك أن بعضًا من ملاحظات المواطنين وانتقادات السياسيين لأداء النواب له جانب من الصحة والمصداقية، فالمجلس رغم وظيفته التشريعية والرقابية قادر على أن يكون فاعلًا أساسيًا في الحالة السياسية العامة التي اعتادت الحكومة على قيادتها وتوجيهها.

ولقد باركنا دائمًا في المجتمع خطوات الإصلاح السياسي التي بدأت مع مجلس سنة ۱۹۹۲م وحكومتها، وعقدنا الأمل في أن يكون الانفتاح بين الحكومة والبرلمان في بداية هذه المرحلة مبشرًا لسنوات جادة من الوفاق الوطني لإصلاح وإعمار البلادبعد كارثة الاحتلال البغيضة، ونحن ندعو جميع الأطراف لدراسة هادئة وحكيمة لفكرة التغيير السياسي وأن لا نخطو في هذا الاتجاه خطوة إلا في ظل وفاق قائم بين السلطة وبين ممثلي الشعب وأن نتحرك فى الاتجاه الصحيح نحو تعزيز التجربة البرلمانية وتطوير المشاركة في الحكومة ونحو تصور أفضل يقدم الكفاءة والأمانة على كافة الاعتبارات التي سادت في الماضي، لأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء...

الرابط المختصر :