; حول كتاب «في خطى محمد» | مجلة المجتمع

العنوان حول كتاب «في خطى محمد»

الكاتب أحمد عبد الله حميد

تاريخ النشر الثلاثاء 29-أغسطس-1972

مشاهدات 14

نشر في العدد 115

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 29-أغسطس-1972

مكة المكرمة: رئاسة الإشراف
الديني على الحرم الشريف
 حضرة الأخ المكرم مشاري البداح رئيس تحرير مجلة المجتمع حفظه الله ووفقه لخدمة الإسلام والمسلمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يصلكم خطابي بعنوان «حول كتاب في خطى محمد» آمل من فضيلتكم نشره على صفحات مجلة «المجتمع» الغراء، أدام الله بقاءها لخدمة الإسلام والمسلمين والدفاع عنه، إنه سميع مجيب.
قرأت في مجلة المجتمع عدد 109 في الصفحة الثانية زاوية بعنوان مسيحي يدعو المسيحيين للإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام، ومضمونها الثناء على كتاب في خطى محمد للكاتب المسيحي نصري سلهب والواقع أن هذا الكتاب تبشيري محض يهدف الى التبشير بالدين المسيحي تحت ستار الدفاع عن الإسلام، وقد ضمّن المؤلف كتابه في بعض صفحاته تبجيلاً وتعظيمًا للإسلام ولمحمد عليه الصلاة والسلام، أما الصفحات الأخرى فإنها تزخر بأكاذيب وافتراءات على الله وعلى المسلمين يرمي منها إلى التوفيق بين الإسلام والمسيحية، وأنه لا فرق بينهما، وقد قلب الحقائق رأسًا على عقب، وسمّى الحق باطلاً والباطل حقًّا ليصل الى هدفه الذي من أجله ألّف كتابه ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ﴾ (التوبة: 32). 
وسأذكر هنا شيئًا قليلاً مما في كتابه من الدسائس ضد الإسلام والمسلمين تنبيهًا على خطر هذا الكتاب:
ففي صفحة 371 يحاول هذا المبشر أن يطبق ما يعتقده المسيحيون في عيسى على محمد صلى الله عليه وسلم؛ فالمسيحيون يقولون بحلول اللاهوت في الناسوت، أي أن الله قد حلّ في عيسى عليه السلام، فيحاول أن يطبق هذا على الرسول صلى الله عليه وسلم فيزعم أن الله سبحانه قد حلّ في جسم محمد عليه الصلاة والسلام -تعالى الله- حيث يقول ما نصه فالله ملأ عقل محمد وقلبه ملأ خاطره ملأ كيانه هو جل جلاله في عروقه دم يسري وفي صدره أنفاس تجري هو نسمة الحياة استحالت في عينيه بريقًا يشع وذابت على لسانه أنشودة تسبح وتستغفر.
وأيضا في صفحة 263 يقول ما نصه:
لقد ملأ الله خاطر محمد وعقله وقلبه بل كل كيانه لكأنه يجري في عروقه غذاء لنفسه وروحه خالد لا يفنى ولا ينضب.. لم يمجد الله بشر كما مجده هذا العربي الصحيح ولم يذب بشر في عبادة الله كما جرى لابن الصحراء هذا، الذي فتّش عن مبدع الأكوان وخالقها فوجده في قلبه فجعله يطل من قلبه على شفتيه أجمل أنشودة وعتها أذن إنسان.
وفي صفحات 306، 307، 308 ما مضمونها أن المسلمين حينما قاتلوا فارس والروم وغيرهم لم يكن قصدهم نشر الإسلام وإعلاء كلمة الله ونشر دينه، وإنما هدفهم المغانم والثروات حيث كانت بلاد العراق خصبة مليئة بالخيرات، هذا هو الذي دفعهم إلى اقتحام فارس وإعلان الجهاد عليها.
ثم يعلل المؤلف لهذا بأن الشعوب منذ أقدم العصور رأت نفسها مدفوعة بدافع طبيعي إلى هجرة المناطق الجرداء إلى المناطق الغنية، وأن الهجرات الكبرى في التاريخ إنما هي من المناطق الخالية من المياه الى المناطق الخصبة فيريد أن يجعل جهاد الصحابة والتابعين من جنس هذه الهجرات.
ثم يقول في صفحة 309 «وهكذا بوسعنا أن نقول إن القومية العربية هي التي انتصرت على بيزنطة وفارس».
وفي صفحة 207 يتكلم عن حروب الخلفاء الراشدين وجهادهم مع أعداء الإسلام فيقول إن جهادهم إنما هو فقط تفريغ لقوة زخرت بها دولة المسلمين، ولما كانت هذه الدولة فتية كثرت انتصاراتها، ثم يفتري على الخلفاء بأن حروبهم للروم والفرس وغيرهم لم تكن لنشر الإسلام وإنما هي خلافات سياسية أدت الى نشوب الحرب بينهم، ثم يقول إن انتصار الخلفاء الراشدين عليهم إنما هو صدفة - مثل الرومان واليونان والبيزنطيين فهؤلاء حاربوا فانتصروا وأسسوا إمبراطوريات كما فعل الخلفاء، وهذا نص كلامه «وإذا كان الخلفاء الراشدون ومن بعدهم آخرون، قد خاضوا حروبا وأخضعوا أُممًا وشعوبًا، فإنما كانت حروبًا أملتها اعتبارات سياسية لا دينية، وبتعبير آخر أن تلك الحروب لم تكن الغاية منها فرض الدين الإسلامي على الشعوب المهزومة، بل كانت وليدة قوة زخرت بها الدولة الفتية فتجلّت في معارك وانتصارات، تمامًّا كما فعل، من قبل، اليونان والرومان والبيزنطيون، والفرس لقد حارب هؤلاء فانتصروا وأنشئوا إمبراطوريات مترامية الأطراف فلِمَ لا يحق للعرب المسلمين أن يحذو حذو هؤلاء؟ - أهـ - 
وفي صفحة 312 يقول هذا الكاتب إن المسلم لو صلى صلاة المسيحيين لصحّت صلاته ثم يعلل لهذا بأن القصد منها جميعا إرضاء لله تعالى.
فيقول ما نصه «أسائل نفسي والقارئ معا . لو صلّى عمر - يقصد عمر بن الخطاب حينما ذهب لاستلام بيت المقدس - صلاة البطريرك وصلّى البطريرك صلاة عمر أفما كان الاثنان قد أرضيا الله في ملكوته؟ وهل الصلاتان، نصًّا وروحًا غير نهدة مخلوق إلى خالقه التماسًا وتضرعًا، هل هما غير إقرار علني بحقارة الإنسان وضعفه أمام عظمة الله وجبروته وهل هما غير رجاء رحمة الله وعطفه؟ هل هما غير فعل إيمان بالله الواحد واليوم الآخر؟» - اهـ -
فمن خلال هذه الأسطر يتضح لنا هدفه ألا وهو التبشير بالمسيحية ومحاولة التوفيق بينها وبين الإسلام.
وفي صفحة 327 يستشهد بكلام كاتب مسيحي على أن المسلمين أحسنوا معاملة المسيحيين حينما فتحوا بلادهم - وهذا حق - وإنما الكذب والافتراء أنه زعم أن المسلمين كانوا يزوجون النصارى بناتهم المسلمات وأنهم يشتركون مع المسيحيين في إقامة أعيادهم، وأنهم كانوا يتخذون المبنى الواحد كنيسة ومسجدًا حيث يقول نقلا عن الكاتب المسيحي ما نصه.
وكان المسيحيون والمسلمون يتزاوجون فيما بينهم بكامل حريتهم ويشتركون من حين الى حين في الاحتفال بأحد الأعياد المسيحية أو الإسلامية المقدسة ويستخدمون المبنى الواحد كنيسة ومسجدًا.
لقد كذب هذا الكاتب وافترى على المسلمين، فما كان المسلمون ليزوجوا بناتهم المسلمات من النصارى والإسلام قد منعه منعًا باتًّا، وما كان المسلمون ليحضروا أعياد المسيحيين فضلا عن المشاركة وقد نص كثير من علماء الإسلام على تحريم حضور المسلم أعياد النصارى أو اليهود، فكيف يدّعي هذا الكاتب أن المسلمين كانوا يشاركون في الأعياد المسيحية.
وما كان المسلمون ليسمحوا بجعل المسجد كنيسة مطلقًا ما هذا إلا تبديل للحقائق لتوافق هدفهم ومقصدهم.
وفي الجملة فهذا الكتاب في رأيي تشويه للإسلام والمسلمين وتشويه لجهاد الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، ولم أرد على جميع أخطائه ودسائسه .
والله أسأل أن يعز دينه وينصر جنده، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.

الرابط المختصر :