; حيث تكون العدالة.. يكون الأمن | مجلة المجتمع

العنوان حيث تكون العدالة.. يكون الأمن

الكاتب طارق الحمود

تاريخ النشر الأحد 05-يناير-1992

مشاهدات 20

نشر في العدد 983

نشر في الصفحة 9

الأحد 05-يناير-1992

ربما ليس في العالم اليوم شعب رأى بأم عينيه مآل الظلم وعاقبة الظالمين مثل الشعب الكويتي الذي ذاق الظلم فنونًا وألوانًا صباحًا ومساءً طيلة سبعة شهور من الاحتلال على أيدي سواقط البشر من النظام العراقي الساقط هو الآخر لا محالة بإذن الله. وجرس كلمتي العدل والظلم هو جرس خاص يرن في أذن كل كويتي دعا ربه إبان المحنة ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ﴾ فجاء الجواب سريعًا ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ﴾ فإذا بالأرض تمور تحت أرجل الغادرين، وإذا بهم بعد التجبر والعتوّ أذلاء مخذولين منكوسي الرؤوس، أو صرعى مدحورين، وسنة الله تجري وفق نواميسها، فالعدل منتصر وإن طال الزمان والظلم منكسر وإن تلبث حينًا. ونعتقد بأن هذه الحقيقة ينبغي أن نتعامل معها كشعار للدولة الناهضة من بين ركام الخرائب التي خلفها النظام العراقي، فنحن في الكويت الأجدر والأولى في أن نرعى عهد الله معنا في أن تلتزم العدل في أمورنا، وأن نحذر الظلم في كل شيء.

إجراءات الأمن.. وعدالة التنفيذ

جاءت القوانين الكويتية ذات الطابع الأمني والتي تعنى بقضايا الإقامة والجوازات والإجراءات الجنائية، لتؤكد- كل على حدة- على حقوق الأفراد وحرمة أشخاصهم ومساكنهم ورسائلهم، واشترطت لأحوال معينة كالاستيقاف والتفتيش عدة شرائط حتى لا يساء استخدام وتطبيق هذه القوانين بطريقة تمس حقوق الأفراد وحرياتهم.

غير أن الأيام الماضية التي أجرت فيها وزارة الداخلية مجموعة من الإجراءات الأمنية، قد أبانت كمًّا من التجاوزات التي تجعلنا نخاف من وقوعنا في الظلم بعد أن كنا مظلومين والعياذ بالله.

القانون وحماية الحقوق

إذا راجعنا مجموعة من القوانين التي تمس المواضيع الأمنية، نجد أن هناك رغبة جادة لدى مشرع تلك القوانين في حماية حقوق وحريات الأفراد، وسنستذكر بعضًا من هذه النصوص، فالمادة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية تقول: «لا يجوز توقيع عقوبة جزائية إلا بعد محاكمة تجري وفقًا للقواعد والإجراءات بعد محاكمة عادلة». كما قد حظر هذا القانون على جهات الضبط أو المحققين استعمال القوة والضرب لحمل المتهم على الاعتراف حتى تبقى الإجراءات القانونية في إطار العدالة.

وإذا كان القانون قد أعطى للشرطة حق استيقاف أي شخص أو طلب بيانات عن اسمه وشخصيته واصطحابه إلى مركز الشرطة إذا رفض تقديم هذه البيانات، فإن ذلك مشترط بأن تكون هناك قرائن جدية على ارتكابه لما يخالف القانون، كما أن عملية الاستيقاف والتحقق من الشخصية ينبغي أن تتم في إطار من احترام الآخرين وعدم الحط من قدرهم أو استفزازهم، كما قد وقع -وللأسف- من قلة غير مسؤولة من منسوبي وزارة الداخلية في الأيام القليلة الماضية.

احترام الآداب الشرعية

بل إن القانون وضع في اعتباره وهو يفوض رجال الشرطة بعض الصلاحيات في ملاحقة الجريمة، ألا يتعدى الأمر إلى مخالفة بعض القواعد الشرعية، فينص في إحدى مواده على مراعاة وجود المحجبات في المساكن وإعطائهن حق الاحتجاب أو مغادرة المكان ومنحهن التسهيلات اللازمة، ما لم يكن ذلك ضارًّا بالتفتيش المطلوب إجراؤه. ونحن إذ نوصي رجال الداخلية بضرورة مراعاة الآداب الشرعية في التعامل مع النساء، فإن ذلك علاوة على كونه احترامًا لمبدأ شرعي إسلامي فهو أيضًا احترام لنصوص القانون الذي يقع عليهم عبء تطبيقه وحسن تنفيذه.

حيث تكون العدالة.. يكمن الأمن

ربما تكون وزارة الداخلية ألصق منا بواقع الأمن في البلد، فان ذلك يجعلها أيضًا أكثر قدرة على تلمس آثار تجاوز القوانين من قبل بعض أفرادها على السكان سواء المواطنين منهم أو المقيمين. ذلك أن مجاوزة القانون والتعدي على حقوق وحريات أو حرمات أفراد المجتمع، سيوجد في النهاية فئة تشعر بالظلم والغبن، وتظل تفكر بالانتقام ممن تسبب بظلمها، ويكون بذلك تجاوز القانون سببًا في عدم استقرار المجتمع، وعدم استتباب الأمن في ربوعه.

وإذا كان التاريخ قد حفظ لنا قولة رسول کسرى فارس للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما رأه نائمًا تحت ظل شجرة فقال: «عدلت فأمنت فنمت يا عمر»، فإن هذه العبارة هي قاعدة أثبتتها التجارب والأيام، أن الأمن مرتبط بالعدل يدور معه حيث دار، فلا أمن في مكان لا تجد فيه العدالة موقعًا، ولابد لنا أن نضع نصب أعيننا كدولة وأفراد مصير الاحتلال العراقي الظالم، ومآل جنود البغي والعدوان من زبانيته، ونجعل العدل عنوانًا ومنهجًا نتعامل فيه من أعلى مسؤول في الدولة إلى أصغر فرد في المجتمع.

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 730

44

الثلاثاء 20-أغسطس-1985

نشر في العدد 1713

18

السبت 05-أغسطس-2006

نشر في العدد 2054

21

السبت 25-مايو-2013