; اليوم: القضاء الإداري يقرر مدى دستورية المحاكم العسكرية | مجلة المجتمع

العنوان اليوم: القضاء الإداري يقرر مدى دستورية المحاكم العسكرية

الكاتب بدر محمد بدر

تاريخ النشر الثلاثاء 28-نوفمبر-1995

مشاهدات 6

نشر في العدد 1177

نشر في الصفحة 41

الثلاثاء 28-نوفمبر-1995

خبراء السياسة والقانون يتطلعون لإنهاء هذه الصفحة السوداء من تاريخ مصر

يتابع كثير من المراقبين باهتمام كبير ما يمكن أن يسفر عنه حكم محكمة القضاء الإداري المقرر صدوره اليوم الثلاثاء «28/ 11» حول مدى دستورية الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية رقم ٢٥ لسنة ١٩٦٦م، والتي تقضي بأن «لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يحيل إلى القضاء العسكري أي من الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر»، وبالتالي إمكانية الحكم ببطلان قرار رئيس الجمهورية بإحالة قضيتي «الإخوان المسلمين» الأولى والثانية إلى القضاء العسكري، وإهدار شرعية إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية مستقبلًا، وإغلاق هذه الصفحة المأساوية من تاريخ القضاء المصري.

وقد تقدمت هيئة الدفاع الموكلة عن قيادات الإخوان في القضيتين «۸٢ متهمًا» بطلب إلى الدستورية العليا بعد التصريح لها بذلك من محكمة القضاء الإداري في جلستها التاريخية «٧/ ١١» للنظر في دستورية هذه الفقرة، حيث من المقرر أن يصدر حكم المحكمة الدستورية أول أمس الأحد «26/ 11». وقد أكدت هيئة الدفاع أن إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية يتعارض مع ١٣ مادة من مواد الدستور المصري المعمول به حاليًا، وبالتالي تزداد ترجيحات خبراء القانون بالحكم بعدم دستورية هذه الفقرة من قانون الأحكام العسكرية.

وقد حظيت المحاكم العسكرية بانتقادات شديدة ولاذعة من كافة القوى السياسية والوطنية، ورجال القانون، خصوصًا في أعقاب إحالة قيادات «الإخوان المسلمين» إليها، دون أي اتهام بممارسة العنف أو بالدعوة أو التحريض عليه، ويعود التاريخ الحديث لإحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية إلى ديسمبر عام ١٩٩٢م عندما أصدر الرئيس حسني مبارك قرارًا جمهوريًّا بإحالة قضيتي «العائدون من أفغانستان» «٢٦ متهمًا»، و«حزب الله» «۲۲ متهمًا»، وجميعهم من المدنيين إلى القضاء العسكري، وطعنت هيئة الدفاع عن المتهمين على القرار أمام محكمة القضاء الإداري التي أصدرت حكمها بوقف تنفيذ القرار الجمهوري، لكن الحكومة سارعت بتقديم طعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا وطلبت التفسير من المحكمة الدستورية، وصدر حكم الإدارية العليا بأحقية الرئيس في إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري، ورأت المحكمة الدستورية أن القرار صدر بشكل لا يتعارض مع الدستور.

عدم شرعية المحاكم العسكرية

منذ ذلك التاريخ وحتى الآن توسعت الحكومة في إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، حيث أحال رئيس الجمهورية حتى الآن ۲۱ قضية شملت ٥٦٥ متهمًا، صدر الحكم بإعدام ٦٤ منهم، وهو عدد ضخم جدًّا بالقياس إلى تاريخ القضاء المصري، مما أثار انزعاج كافة منظمات حقوق الإنسان، ودفعها إلى تشديد الضغوط على السلطات المصرية لحملها على وقف هذه الانتهاكات التي لا تتفق مع المواثيق والأعراف الدولية.

ويمكن تلخيص رأي خبراء القانون في عدم شرعية إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية في ثلاث نقاط رئيسية:

أولًا: أنها تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام ١٩٤٨م والذي نص في مادته العاشرة على أن «لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة، نظرًا عادلًا علنيًّا للفصل في حقوقه والتزاماته وأية اتهامات جنائية توجه إليه». كما أوصى مؤتمر العدالة الجنائية وحماية حقوق الإنسان الذي عقد في إيطاليا عام ۱۹۸۵م، بضرورة «إلغاء المحاكم الاستثنائية، وتقرير حق المواطن في الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي»، ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري ليست قضاءهم الطبيعي.

ثانيًا: أن المحاكم العسكرية تتعارض مع الدستور المصري الذي نص في المادة ٦٨ على أن «التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، وأن من حق كل مواطن الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي»، وكفل الدستور استقلال القضاء، حيث نصت المادة ١٦٦ على أن «القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو شئون العدالة»، وهذا يتعارض مع القضاء العسكري الذي يخضع قضاته للعزل والنقل... إلخ.

ثالثًا: أن قانون الأحكام رقم ٢٥ لسنة ١٩٦٦ غير دستوري لأربعة أسباب رئيسية:

1- الإخلال بوحدة القضاء.

2- افتقاد القضاء العسكري لمقومات القضاء الطبيعي.

3- إهدار الضمانات القانونية للمتهمين الخاضعين لأحكامه.

4- الإخلال بقواعد تحديد وتنازع الاختصاص بين جهات القضاء.

وتظل المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية هي أخطر النصوص الاستثنائية، حيث تبيح نظر جميع الجرائم التي يختص بها القضاء العادي بالنسبة لكافة المواطنين، سواء عسكريين أو مدنيين في حالة الحرب أو في حالة السلم، ويزيد عليها أنه ما دامت حالة الطوارئ قائمة، يجوز لرئيس الجمهورية أن يحيل إلى القضاء العسكري أية جريمة من جرائم القانون العام، سواء كانت تمس أمن الدولة أو كانت بعيدة عن المساس به.

انتهاكات قانونية

أما أهم المؤاخذات والانتهاكات القانونية للمحاكم العسكرية فيمكن تلخيصها في خمس نقاط رئيسية:

1- إهدار مبدأ العلانية: ومن أمثلة ذلك قضية سيدي براني، وقضية تنظيم المحمودية، حيث جرت وقائع المحاكمة في سرية استجابة لطلب النيابة العسكرية.

2- إهدار حق الدفاع: فرغم ضخامة أوراق القضايا وفداحة الاتهامات التي وجهت للمتهمين وكثرة عددهم، وضخامة العقوبات المطلوبة بحقهم، إلا أن حق المحامين في الحصول على الوقت الكافي للاطلاع وإعداد دفاعهم كان مستحيلًا، واشتكى المحامون من عجزهم عن مجاراة الأحكام العسكرية في سرعتها في الفصل في الدعاوى.

٣- عدم التفات القضاة العسكريين للدفوع الخاصة ببطلان الاعترافات الصادرة بالإكراه والتعذيب، رغم مناظرة النيابة لبعض آثار التعذيب على أجساد بعضهم أثناء التحقيق معهم.

4- إفراط المحاكم العسكرية في إصدار عقوبة الإعدام، رغم خلو بعض القضايا من أي اتهامات تبرر اللجوء إلى هذه العقوبة، بالإضافة إلى مسارعة السلطات في تنفيذ أحكام الإعدام، في الوقت الذي لم يتم فيه الإفراج عن أي من المتهمين الذين حصلوا على البراءة «وعددهم أقل من الذين صدر الحكم بإعدامهم».

5- أن القانون رقم ٢٥ لسنة ٦٦ يخلو من أية ضمانة لاستقلال القضاء أو حيدته أو ضمانات توفير العدالة المنصفة للمتهمين المدنيين الذين يحاكمون وفقًا لمواده، وهو ما ظهر واضحًا في قضية الإخوان الأولى والثانية.

وبالرغم من أن قضية الإخوان الأولى تم حجزها للحكم بعد ٥٨ يومًا و١٢ جلسة فقط، إلا أنها أطول محاكمة عسكرية للمدنيين، فمحاولة اغتيال صفوت الشريف استغرقت المحاكمة ١٩ يومًا، وأحداث زينهم ٢٠ يومًا، وتنظيم الغردقة ٢٣ يومًا، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ ٣٠ يومًا.. فهل نطوي محكمة القضاء الإداري اليوم هذه الصفحة السوداء في تاريخ القضاء المصري وتاريخ مصر كلها؟!

الرابط المختصر :