العنوان خطرات ورؤى حول مسيرة رابطة الفن الإسلامي العالمية
الكاتب عبدالعزيز محمد قاسم
تاريخ النشر السبت 03-يونيو-2006
مشاهدات 21
نشر في العدد 1704
نشر في الصفحة 48
السبت 03-يونيو-2006
يصم كثير من الليبراليين، التيار الإسلامي ومنتميه بأنهم يقفون موقفًا سلبيًا من الفنون عمومًا، وألفيت، من خلال احتكاكي ببعض الأدباء والمفكرين والفنانين وقراءاتي لبعض مقالاتهم وكتبهم، نظرتهم تجاه الفكر الإسلامي بأنه ضد الإبداع وحرية التعبير، ولكم أن تتذكروا السجالات الحادة من ستينيات القرن الماضي في صحف مصر والشام حول الفن والتي أستمرت إلى يومنا هذا، فلا تكاد تجد مطبوعة ثقافية أو برنامجا فضائيًا ثقافيًا على امتداد العالم العربي إلا ورأيت تلك السجالات التي تصل حد الانسداد في أغلب حالاتها.
وأخيرًا وليس آخرًا، لكم أن تتذكروا حالة الهلع التي أصابت الأوساط الفنية في العزيزة مصر وقتما أعلنت النتائج الانتخابية فوز الإخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري، والأراجيف التي روجها الأخصام، وقالوا بأن الفن سينحسر ويتضاءل! فضلًا عما حصل في فلسطين وتلك النظرة المستريبة التي سرت في أوساط النخبة والشعب بعد وصول حماس للسلطة والتي سرعان ما أعلنت احترامها للفن والسينما وأبقت على دُورِها.
من الضروري أن نثبت هذا أن تلك «النخبة» الليبرالية تريد الانفتاح اللامحدود للفنون، والحرية لها بلا قيود، ولا شك أن تلك النظرة مخالفة للطبيعة البشرية بالدرجة الأولى، ومخالفة أيضًا للتصور الإسلامي للكون والحياة، وبالطبع تصوره حيال هذه الفنون التي ترعاها وتعطيها حقها، ولكن تضبطها بضوابط كي لا ترتد سلبًا على فطرة الإنسان وعلاقته بربه.
في المقابل لا بد أن نعترف أيضًا بأن التنشئة الإسلامية في المحاضن الدينية، وخصوصًا المحلية منها، لم تول في غالبها جانب الفن اهتماما كبيرًا، بل البعض كان يحتقر الفنون ويعتبرها ملهاة عن ذكر الله وانصرافا إلى مغريات الحياة وفتنتها، وللأسف فإننا تدفع في هذه الأزمنة أكلافًا باهظة بسبب تلك النظرة الفقهية والتربوية الضيقة التي أتاحت لغيرنا التقدم بسنوات ضوئية، وأن يملأوا فضائياتنا فنًا مبتذلًا لا يخاطب إلا الغرائز والشهوات، ولا يقدم إلا الفن الرخيص التافه الذي أفسد الأذواق واماع وحنت أجيال الشباب، ونظرة واحدة لهذه الأجيال في تلكم الحفلات الغنائية تكفينا عن آية كلمات.
وعليه كان لزامًا على الغيورين في هذه الأمة التحرك، وتقديم البدائل الفنية التي تراعي قيمنا ومبادئنا، فكانت رابطة الفن الإسلامي التي انبعثت من أربعة أعوام ونيف الخدمة قضايا الفن الإسلامي، وكان وراءها رجال ترجموا أمال الأمة في فنون أصيلة منبثقة من تصورنا الإسلامي، وأحمد الله على هذا النجاح المطرد، فقد رصد المهتمون خطوات رابطتنا الفنية الثابتة والتصاعدية -علمًا بأنها لم تنطلق انطلاقتها الفعلية إلا قبل عامين فقط- في مسارات واضحة وشرعية، والتي استطاعت السير عبرها نحو تحقيق أهدافها برؤية إسلامية واضحة مستندة إلى فقه وسطي مستنير، فلم تتشدد وتنحاز للخيارات الفقهية الغالية حيال قضايا الفن، وفي المقابل لم تتميع إلى الدرجة التي تفقد فيها روحها الإسلامية المحافظة. وهي برأيي الآن تحتاج منا إلى دعمها بالمال وبالرأي والاقتراحات، زاعمًا أن هذه الرابطة بحاجة ماسة إلى نقد المهتمين والمتخصصين كي تعيد النظر في مسيرتها. وتصحّح أو تعزز بعض الجوانب التي أفلحت فيها أو تلك التي لم يحالفها التوفيق، ولن يتأتى لها هذا إلا بالنقد الجاد والموضوعي وغير المجامل من لدن المتخصصين.
من هذا الباب كانت هذه بعض الخطرات والاقتراحات والرؤى النقدية حيال مسيرة وأداء رابطة الفن الإسلامي العالمية، والذي دفعني إلى تسطيرها حبَ وأمنيات بأن تسدّ الرابطة ثغرة لا تزال تتسع على الأمة، فيما الساحة الإسلامية أشدُ ما تكون احتياجا إلى خدماتها ومساهماتها، أقدم هذه الخواطر كي يفيد منها القيّمون على الرابطة، متمنيًا على أخي د. علي بن حمزة العمري، الأمين العام للرابطة وفريق المستشارين لديه تأملها ودراستها بشكل تفصيلي، ورؤية مدى مواعتها لخطط الرابطة لإدراجها في خططها للسنوات القادمة.
أولًا: رابطة للفن أم للنشيد؟
لوحظ على رابطة الفن الإسلامي خلال السنتين الماضيتين تركيزها الرئيس على من الإنشاد فقط، فمعظم حفلاتها وندواتها وملتقياتها انحصرت في داخل من النشيد فقط، ولم تخرج في رأيي إلى الآن من هذه القوقعة التي حبست نفسها فيها. والساحة الإسلامية تنتظر من الرابطة أن تتوسع وتضم بقية الفنون إليها بشكل تدريجي وعبر مدى زمني مدروس، وأن تأخذ تلك الفنون حقها في المزاحمة والمشاركة، وأطرح هنا بعض الفنون التي ينبغي على رابطتنا العقيدة أن تشملها في خططها القادمة، وهذه الفنون التي أطالب بإدراجها تتمثل في التالي:
1- فن المسرح:
في رأيي أن أول الفنون التي يجب أن تدرجها الرابطة في اهتماماتها هو فن المسرح، والعارفون بتاريخ المسرح يدركون له ذلك الدور الكبير الذي لعبه في حقب زمنية مضت في توجيه الرأي العام وخصوصًا في الدول الغربية وروسيا، بل إن كثيرًا من الأدباء العالميين كتبوا مسرحيات اقتعدت مكانها في التاريخ، وحظيت ولا تزال مثل تلك المسرحيات بالإقبال الشديد عليها.
وأزعم أن التيار المحافظ والإسلامي لديه تجربة واسعة وثرة ومتقدمة في هذا الفن على الأقل في خريطتنا الخليجية، بسبب نشاطات المراكز الصيفية وحفلات الجوالة والمناشط المتعددة للشباب، وهناك ولا شك نماذج موهوبة ومتميزة ستتعملق في هذا الفين إن وجدت الرعاية.
2- الفن التشكيلي
ولهذا الفن مريدوه ومحبوه، وأيضًا يتوافر الموهوبون فيه وخصوصًا من الجانب النسائي بسبب خصوصية المجتمع الخليجي التي ترغم فيه التقاليد الفتاة على المكوث في البيت مما يتيح لها فضول أوقات تستثمره، ومن ضمن ما تستثمره من هذه مجال الهوايات هو الرسم، وإن وجد الآخرون من التيارات الأخرى من يحتضنهم في تلك «الأيتيلات» المتعددة، فإن الواجب على رابطة الفن الإسلامي استيعاب ورعاية الموهوبين في هذا الفن الإنساني العالمي.
3- الخط العربي:
وهو فن أضمحل كثيرًا، وبات موهوبوه ورواده من القلة التي يمكن عدّهم على مستوى العالم العربي، بعد أن كانوا في قرون مضت يتوافرون بشكل كبير، ولعل الحاسوبات الحديثة التي استعاضت الأجيال الجديدة بها وأغنتهم عن الكتابة اليدوية، سبب قوي في تراجع هذا الفن وجاذبيته، إلا أن لهذا الفن التراثي العريق محبيه الذين ينتظرون من رابطتنا إيلاء اهتمامها بها.
4- فن الكاركاتير:
وهو فن قائم بذاته، وأدرك بعض الحساسية الفقهية في هذا الموضوع، ولكن أزمة الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول ﷺ لربما كشفت لنا تأثير هذا الفن، ومدى شعبيته، متمنيًا على الرابطة إدراجه ضمن خططها.
5- السينما:
وهو على العكس من المسرح تقريبًا فليست لنا أعمال سينمائية متميزة، وهي صناعة باهظة التكاليف، وتجابه للأسف الشديد بكثير من النفور والنظرة السلبية من لدن المحافظين، ولكن يجب على رابطة الفن الإسلامي إدراجها ضمن خططها على الأقل لتغطية جوانيه النظرية، والتأسيس لوعي إسلامي بالتوجه في استثمار هذا الفن الشديد التأثير في الجماهير والرأي العام في أي بلد لخدمة قضايا الأمة والدعوة بطرق احترافية ومهنية.
6- التصوير الفوتوغرافي
ولعل المشتغلين في الصحافة يدركون ما لهذا الفن من تأثير، إذ ربما كانت صورة واحدة معبرة أفضل من ألف تحقيق، وهناك جائزة عالمية لأفضل صورة على مستوى العالم كله.
ثانيًا: المرجعية الشرعية
تحتاج رابطة الفن الإسلامي العالمية إلى مرجعية لها ثقلها الشرعي، فالرابطة مقبلة على مشروعات بها كثير من الجدل الفقهي، واختلاف الآراء، ومن الضروري استحداث هيئة شرعية تراعي في اختيار أعضائها التنوع المذهبي والفقهي والجغرافيا الإسلامية، هذه الهيئة إن أصدرت رأيًا فقهيًا فسيكون له بالتأكيد قيمته العلمية، كما أن الرابطة عليها أن تخضع آراءها وفتاواها للرأي الشرعي الصحيح، فهي رابطة اتخذت شعار الإسلام منهجًا، وأنت كي تقدم فنًا ملتزمًا بالضوابط الشرعية، وقد طرحت نفسها للأمة بديلًا أصيلًا للفن الهابط والرخيص.
ثالثًا: اقتراحات ورؤى
لعلي أطرح بعض الاقتراحات هنا لتحسين الأداء وتطوير العمل، متمنيًا على الإخوة في مجلس رابطة الفن الإسلامي تأملها، والعمل على إقرارها إن رأوا ملاءمتها:
- مراكز الموهوبين في العواصم العربية.
في تصوري، بأن على الرابطة الفتية افتتاح مراكز للموهوبين في بعض العواصم العربية والمدن المهمة، لاحتضان الموهوبين الذين سيكونون دعامات رئيسة في بث الحراك الحقيقي والنتاج المحترف لكل فنون الرابطة.
- والتفكير بتكوين شبكة كبيرة من المراكز التي تتبع الرابطة أو تلك المتعاونة معها يجب أن يبدأ من الآن، ومن الضروري وضع خطة استراتيجية ذات مدى زمني مدروسة، لأن هذه المراكز يمكن لها أن تحتضن الموهوبين في مجالات الفنون التي ذكرنا، وتوفر لهم دورات وتصقل مواهبهم وتأخذ بأيديهم الطريق الإبداع.
وهذا دور رئيس منوط بالرابطة، فليس عليها أن تباشر العمل وتنتج بل يمكن أن يقتصر دورها للأخذ بيد الموهوب إلى مراكز الإنتاج المختلفة.
- التوثيق التاريخي:
ولأن تجربتنا مقارنة بغيرنا قصيرة نوعًا ما، وأسماء الأعلام والشخصيات التي خدمت الفن الإسلامي لا تزال متوافرة، وبالإمكان رصدها قبل أن تتسع، فأنا أتمنى على الرابطة تكليف باحثين متخصصين بكتابة توثيق تاريخي لنشأة الفنون وتطورها، وكتابة سيرة وتاريخ أولئك الأعلام الذين ساهموا بنصيب في خدمة الإسلام عبر إبداعهم في هذه الفنون التي تخصصوا فيها، ورصد تجاربهم وأهم ما أنجزوه، فذلك حق لهم علينا.
- فضائية الفن الإسلامي:
لا أدرى عن إمكانيات الرابطة المادية، ولكنني أكيد بأن تكاليف إنشاء فضائية خاصة بها هو رقم مقدور عليه، ويبقى المعول على المواد المنتجة، ولعلني أزعم هنا بأن انفتاح الرابطة على كل الفنون التي أسلفنا سيعطيها زخمًا قويًا ووفورات كبيرة تغطي ساعات البث الفضائية، هذه القناة الفضائية، قدر لا بد منه وهدف استراتيجي لا بد على العمل عليه من الآن ليرى النور في أسرع فرصة.
- تنويع مصادر الدخل:
ونحن نطالب بهذا التوسع الأنشطة الرابطة، فمن الضروري التنادي من قبل المفكرين والكتاب والإعلاميين بدعوة رجال الأعمال والتجار الكبار لدعم هذه الرابطة التي سينعكس نجاحها على أجيالنا المسلمة التي أختر متهم هذه القنوات التغريبية من كل حدب وصوب، وأماتت فيهم روح التدين والانتماء للهوية.