العنوان خطوات الرسالة.. بين مكة والمدينة
الكاتب طاهر عبد المجيد
تاريخ النشر الثلاثاء 23-مارس-1971
مشاهدات 30
نشر في العدد 52
نشر في الصفحة 16
الثلاثاء 23-مارس-1971
بقلم: طاهر عبد المجيد
هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة بأمر من ربه سبحانه وتعالى بعد أن أمضى في مكة هو وأصحابه قرابة الثلاثة عشر عامًا يدعو إلى توحيد الله جلت قدرته وإلى إخلاص العبادة لله فأسلم من أسلم وكفر من كفر، إلا أن هذه الأعوام تخللتها مراحل في حمل الدعوة، فبدأ عليه الصلاة والسلام بالدعوة سرًا إلى دين الله فآمنت به زوجه خديجة ومن الصبيان والرجال علي بن أبي طالب وأبو بكر رضي الله عنهم أجمعين، وبدأ عليه السلام يزور الناس في دورهم ويجمعهم في دار الأرقم، ويرسل من يثقفهم بالإسلام في حلقات فيجتمع المسلمون في بيوتهم وفي شعاب الجبال سرًا ويزداد كل يوم إيمانهم وتزداد صلابتهم بعضهم مع بعض كما يقوي فيهم إدراكهم لحقيقة المهمة التي يحملونها فيستعدون للتضحية في سبيلها حتى غرست الدعوة في نفوسهم وسرى الإسلام فيهم سريان الدم في العروق، ولم تستطع الدعوة أن تبقى حبيسة في نفوسهم رغم استخفائهم ورغم سرية تكتلهم فأخذوا يتحدثون إلى من يثقون بهم يأنسون منهم استعدادًا لقبول الدعوة وبهذا أحسن الناس على دعوتهم وعلى وجودهم فاجتازت بذلك الدعوة مرحلة الابتداء وأصبح أن لا بد لها من أن تنطلق وتختلط مع الناس فيحدث النقاش والصدام بين ما كان القوم يحملونه من أفكار وثنية وعبادة غير الله فيحصل أن ينتصر فكر الإسلام على الكفر والفساد لأن العقول مهما تكن مكابرة لا يمكن أن تغلق أمام الفكر الصحيح ولا تستطيع أن ترفضه وإن كانت تهرب منه حتى لا يؤثر عليها.
الانتقال من دور الثقافة إلى التفاعل
وهكذا بدأ دور التفاعل الذي هو المرحلة الثانية من حمل الدعوة والتي سبقت هجرة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم بدأت المرحلة الثانية بالكفاح بين فكر وفكر بين مسلمين وكافرين وكان ذلك منذ أن خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه في ترتيب لم تعهده العرب من قبل وفي كتلة واحدة فطاف بالكعبة وأعلن أمره ومنذ ذلك الحين صار الرسول ينشر الدعوة على الناس كافة جهارًا نهارًا سافرًا متحديًا، وصارت الآيات تنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى التوحيد وإنكار الوثنية والشرك والحملة عليها والنعي على تقليد الآباء والأجداد من غير نظر وكذلك الحملة على الربا وغش الكيل والميزان والفساد في التجارة فأحست قريش بالخطر يقترب منها وبدأت تتخذ الخطوات الجدية للمقاومة بعد أن كانت لا تأبه لمحمد وصحبه، فازداد الأذى والاضطهاد على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه وكان من جراء ذلك، أن سمع كثير بالإسلام فآمن رجال ونساء وصبيان أكثرهم الضعيف والبائس والفقير ومن الأشراف والتجار والزعماء من عرفت نفوسهم الطهر والنزاهة والصدق وارتفعوا عن اللجاج والمكابرة، هؤلاء أسلموا وجههم لله بمجرد أن أدركوا صحة الدعوة وصدق الداعي فكان للدعوة الجماعية أثر نقلها إلى أفق أوسع وإن كان ذلك قد أتى بالمشقة والعذاب على حملتها فذاقوا صنوف العذاب فبدأت بين الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه وبين كفار قريش مرحلة من أشق المراحل ودور من أعنف الأدوار ولئن كان الانتقال من دور الثقافة الذي هو المرحلة الأولى إلى دور التفاعل الذي هو المرحلة الثانية من أدق الأدوار لأنه يحتاج إلى حكمة وصبر ودقة في التصرف فإن دور التفاعل الذي هو المرحلة الثانية من أشق الأدوار لأنه يحتاج إلى صراحة وتحد دون أن يحسب حسابًا للنتائج فتحصل فيه فتنة الكفار للمسلمين عن دينهم وفيه يظهر الإيمان وقوة الاحتمال، وهكذا سار الرسول في هذا الدور وهو والصحابة يتحملون ما تنوء به الجبال الشامخات من ظلم وإرهاق فكان منهم من هاجر إلى الحبشة فرارًا بدينه ومنهم من مات تحت التعذيب ومنهم من احتمل أقسى صنوف العذاب وكانت المدة كافية لأن يتأثر مجتمع مكة بالإسلام، إلا أن الناس بالجزيرة العربية قد سمعوا بالدعوة الإسلامية عن طريق نقل الحجاج الأخبار لهم، إلا أن هؤلاء العرب في الجزيرة كانوا بموقف المتفرج ويبتعدون عن الرسول حتى لا يغضبوا قريشًا، فأشتد ذلك على الرسول وأصحابه وظهر أن الانتقال مما هم فيه أمر لا بد منه كي يحصل تطبيق الإسلام، إلا أن قسوة المجتمع في مكة لا تدل على إمكانية ذلك التطبيق، وازدياد الأذى على المسلمين لا يمكنهم من التفرغ للدعوة وإعراض الناس عن الدعوة يزيدهم حزنًا وألمًا.
ثم جاءت النجدة
كما زادت مساءات قريش للرسول وللمسلمين ولم يبق رجاء في نصرة القبائل إياه بعد أن ردته ثقيف من الطائف بشر جواب وبعد أن ردته كندة وكلب وبنو عامر وبنو حنيفة لما عرض نفسه عليهم في موسم الحج، ولم يبق مطمع في أن يهتدي إلى الإسلام من قريش أحد، ورأى صلى الله عليه وسلم رسالة ربه تقف في دائرة من أتبعه إلى يومئذ وازدادت قريش بالإيذاء والحقد والعزلة والناس يزدادون عنه إعراضًا إلا أنه صلى الله عليه وسلم بالرغم من كل ذلك ظل هو وأصحابه من حوله أشد ما يكون ثقة بنصر الله له وإعلاء دينه على الدين كله، وأخذ ينتظر فرج الله وهو يومئذ في ألم من وقوف دعوته وفي شدة من ضيق قريش ولم يطل به الانتظار حتى أتت تباشير الفوز من المدينة ذلك أن نفرًا من الخزرج خرجوا إلى مكة في موسم الحج فلقيهم الرسول فكلمهم وسألهم عن شأنهم ودعاهم إلى الله فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: «والله إنه للنبي الذي تواعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه» وأجابوا دعوة الرسول وأسلموا وقالوا له: «إنا تركنا قومنا «أي الأوس والخزرج» ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسى أن يجمعهم الله بك وأن يجمعهم عليك فلا رجل أعز منك» وعاد هؤلاء النفر إلى المدينة فذكروا لقومهم إسلامهم فوجدوا قلوبًا منشرحة ونفوسًا متلهفة للدين الجديد، فلم تبق دار من دور الأوس والخزرج جميعًا إلا فيها ذكر محمد عليه السلام.
مرحلة الامتداد
وجاء موسم الحج التالي فحضر اثنا عشر رجلًا من أهل المدينة فالتقوا هم والنبي بالعقبة فبايعوه بيعة العقبة الأولى وحال عودتهم إلى المدينة، فشا الإسلام في دور الأنصار، فأرسلت الأنصار رجلًا إلى الرسول وكتبت كتابًا تقول فيه: ابعث إلينا رجلًا يفقهنا في الدين ويقرئنا القرآن، وكان عليه السلام لا يترك من يدخل في الإسلام دون أن يعني بتعليمه الأحكام وتثقيفه بالإسلام ثقافة صحيحة تمكنه من فهمه وإدراك حقيقته، لأن الثقافة الإسلامية ضرورية لكل مسلم وهي وسيلة لتقوية العقيدة ولفهم رسالة الإسلام وهي الضمانة لدوام العمل بالإسلام، فبعث إليهم رسول الله مصعب بن عمير وكان يأتي الناس في دورهم وقبائلهم يدعوهم إلى الإسلام ويقرأ عليهم القرآن فيسلم الرجل والرجلان حتى ظهر الإسلام وفشا في دور الأنصار وبإسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير أسلم قومهما وقويت شوكة الإسلام بالمدينة.
بين الكم والكيف
أذن مكة وفيها رسول الله وصحبه وأعوامهم كثيرة انقضت جمدت على الكفر ولم تقبل الإسلام كدين ونظام والمدينة وإسلام من فيها على قلة عددهم كفاهم شخصًا واحدًا من أصحاب الرسول وهو مصعب لأن يغير بهم المدينة ويقلب الأفكار والمشاعر الموجودة في مجتمعها مع إن الذين أسلموا في مكة كانوا كثيرين، إلا أن جماهير الناس كانوا منفصلين عنهم إذ لم تؤمن الجماعات ولم يتأثر المجتمع بالأفكار والمشاعر الإسلامية بخلاف المدينة فقد دخلت في الإسلام جماهير الناس وتأثر المجتمع فيها بالإسلام وتأثرت أفكاره وتأثرت مشاعره، وذلك يدل على أن إيمان الأفراد منفصل عن جماهير الناس لا يحدث أثرًا في المجتمع ولا في الجماهير مهما تكن قوة هؤلاء الأفراد وإن العلاقات القائمة بين الناس إذا تأثرت بتأثير الأفكار والمشاعر حدث التحول والانقلاب مهما يكن عدد حاملي الدعوة، لذلك ما لبث مصعب في المدينة مدة قصيرة حتى وجد الإقبال على الدعوة فعمل على دعوة الناس للإسلام وتثقيفهم به فيسر كثيرًا لازدياد عدد المسلمين وازدياد الإسلام بالمدينة حتى إذا أتى موسم الحج عاد إلى مكة وقص على رسول الله عليه السلام خبر المسلمين وقوتهم وأنباء الإسلام وازدیاد انتشاره وصور له المجتمع بالمدينة بأنه أصبح لا يتحدث إلا عن الرسول ولا شيء في أجوائه إلا الإسلام وأن قوة المسلمين ومنعتهم هناك لها من التأثير ما جعل الإسلام هو الذي له الغلبة على كل شيء، فسر النبي صلى الله عليه وسلم لأخبار مصعب كثيرًا وأخذ يفكر في الأمر طويلًا ويقارن بين مجتمع مكة ومجتمع المدينة.
فإن مكة قضى يدعو فيها إلى الله اثني عشر عامًا متتالية لم يأل جهدًا بالدعوة، ولم يترك فرصة إلا بذل فيها كل ما يستطيع من جهد وتحمل جميع صنوف الأذى ومع ذلك فالمجتمع متحجر لا تجد الدعوة إليه سبيلًا نظرًا لما في قلوب أهل مكة من قسوة وما في نفوسهم من غلظة وما في عقولهم من جمود على القديم، وبذلك كان مجتمع مكة قاسيًا ضعيف القابلية للدعوة لما تغلغل في نفوس أهله من وثنية الشرك التي كانت مكة المركز الرئيسي لها، وأما مجتمع المدينة فقد كان مرور سنة على إسلام نفر من الخزرج ثم بيعة اثني عشر رجلًا وجهود مصعب بن عمير مدة سنة أخرى كان ذلك كافيًا لإيجاد الأجواء الإسلامية في المدينة ودخول الناس في دين الله بهذه السرعة المدهشة.
بيعة القتال
وإذا كانت مكة قد وقفت فيها رسالة الإسلام عند حد الذين أسلموا مع ما يلاقي فيها المسلمون من أذى قريش ومساءاتها فإن المدينة قد بدأت فيها رسالة الله تنتشر بهذه السرعة ولا يجد المسلمون أذى اليهود ولا أذى المشركين شيئًا، وذلك مما يمكن الإسلام في النفوس ويفتح الطريق أمام المسلمين ولهذا فقد تبين لرسول الله أن المدينة أصلح من مكة للدعوة إلى الإسلام، وأن مجتمع المدينة فيه قابلية لأن يكون منبثق نور الإسلام أكثر من مكة، ولهذا فكر أن يهاجر إليه وأن يهاجر أصحابه إلى إخوانهم المسلمين ليجدوا عندهم أمنًا وليسلموا من أذى قريش حتى يتفرغوا للدعوة وينتقلوا إلى مرحلتها العملية ألا وهي تطبيق الإسلام، وحمل رسالته بقوة الذرة وسلطانها وكان هذا السبب للهجرة لا غيره، فعمد عليه السلام إلى صحابته وأشار عليهم بالهجرة إلى يثرب بعد أن اطمأن إلى أهلها أثناء قدومهم في موسم الحج وحدوث بيعة العقبة الثانية التي كانت إيذانًا ببدء الهجرة من مكة إلى المدينة لأنها بيعة قتال وحرب، حرب الأحمر والأسود من الناس الذين يقفون في وجه الدعوة الإسلامية وبعد أخذ العهود والمواثيق من أهل المدينة على حماية الرسول صلى الله عليه وسلم وحماية أصحابه والدعوة، بدأ المسلمون يهاجرون فرادی أو نفرًا قليلًا وكانت قريش قد علمت بالبيعة فعمدت إلى رد من تستطيع رده إلى مكة وكانت تحول بين المسلمين والهجرة حتى كانت تحول بين الزوج وزوجه، إلا أن ذلك لم يؤثر على الهجرة فتتابعت هجرة المسلمين إلى المدينة والرسول مقيم في مكة ولا أحد يعرف هل سيبقى الرسول في مكة أم أنه سيهاجر إلى المدينة، ولكن الذي كان يظهر أنه يريد الهجرة إلى المدينة، فقد استأذنه أبو بكر بالهجرة فقال: لا تعجل لعل الله يجعل له صاحبًا، فعرف أبوبكر أنه يريد الهجرة، وكانت قريش تحسب لهجرة الرسول ألف حساب، بعد أن كثر المسلمون هناك كثرة جعلتهم أصحاب اليد العليا في المدينة وجعلتهم مع الذين يهاجرون من مكة قوة كبيرة فإذا لحق بهم النبي وهم في هذه القوة كان في ذلك الويل والدمار لهم.
ولذلك فكروا في منع الرسول من الهجرة إلى المدينة وخافوا في نفس الوقت من بقائه في مكة أن يتعرضوا لأذى المسلمين في المدينة حين تشتد شوكتهم بعد أن صاروا بهذه القوة فيأتون مكة ليدافعوا عن رسول الله الذي آمنوا به، لذلك فكروا في قتله حتى لا يلحق بالمسلمين في المدينة والرسول صلى اللـه عليه وسلم بمكة ينتظر أن يؤذن له في الخروج، ولما رأت قريش هجرة الصحابة وعرفوا أنه أجمع لحربهم اجتمعوا في دار الندوة يتشاورون فيما يصنعون في أمره عليه الصلاة والسلام، فأجمع رأيهم على قتله، وتفرقوا على ذلك، ثم أتى جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره ألا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه وأخبره بمكر القوم فلم يبت في بيته تلك الليلة وأذن الله له بالخروج قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾
(الأنفال: 30) وكان من الذين يعلمون بخروج الرسول مهاجرًا أبو بكر وعلي بن أبي طالب، إذ جهز أبو بكر راحلتين لتقلهما إلى المدينة.
وجعلهما لدليل الطريق، ثم أمر أبو بكر ولده عبد الله بالبقاء بمكة يتتبع أخبار قريش وكذلك أمر رسول الله عليا بالبقاء ليؤدي الودائع وخرج الرسول الأعظم وصاحبه أبو بكر من خوخة بأعلى بيت أبي بكر ليلًا ثم عمدا إلى غار بثور -جبل بأسفل مكة-فدخلاه ومكثا فيه ثلاثة أيام كان خلالها يأتيهما عبد الله ليخبرهما بأنباء مكة ثم تأتيهما أسماء بالطعام، وبعد أن فقدت قريش وجود الرسول بينهم بعثوا في طلبه وجعلوا لمن يدلهم عليه مائة من الإبل، فقام سراقة مالك بن جعشم متقلدًا سيفه راكبًا فرسه وتبع أثر الرسول وصاحبه، وكان الدليل قد حضر إليهما بالراحلتين وسار الجميع تجاه المدينة، فأقبل سراقة على الرسول وصاحبه، إلا أن فرسه تعثرت عدة مرات، وآخرها أن سقط أرضًا وطلب الأمان من الرسول وصاحبه، فسأل الرسول عن طلبه، فأجاب بأني أريد كتابًا يكون آية بيني وبينك، فأمر النبي عليه السلام أبا بكر بالكتابة له على عظم، وعاد إلى قومه مشتتًا طريقهم، حتى لا يتبعوا بمحمد وصاحبه، وسار محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه والدليل معهما حتى وصلا المدينة واستقبله المسلمون هناك، وبوصوله آخى بين الأوس والخزرج والمهاجرين والأنصار، وأقام مسجدًا واتخذ له بيتًا بجوار المسجد وبدأت الآيات تنزل بالتشريع، فشرع الجهاد وأحكام الزكاة والمعاملات والعقوبات، فأقام عليه السلام دولته و طبق كتاب ربه، وقاد المعارك والغزوات، وبذلك تم نصر الله له وأسلمت الجزيرة العربية بأكملها.
طاهر عبد الحميد
تعقيب على مواقف
قرأت في العدد 47 من مجلة المجتمع كلمة بعنوان «موافق» لفتى الخليج وهي حسنة المقصد سامية الهدف إلا أنها لا تخلو من نقاط ضعف أغفلها الكاتب فانسابت من بين سطور مقاله دون أن ينتبه لها وهي كالتالي:
1 – قال الكاتب «تاريخ الفكر الماركسي لم يسبق على أبعد تقدير فترة الحرب العالمية الأولى، أما تاريخ الفكر الإسلامي فيعود تقريبًا لما قبل أربعة عشر قرنًا»
والمقارنة بهذا الشكل لا تصح لأن المقارنة بين شيئين أو أشياء متكافئة فالمدة الزمنية البون فيها شاسع بين ظهور الإسلام في المنطق وبين ظهور الماركسية فيها ومدى تأثير كل منهما في المنطق.
2 – قال الكاتب «نستطيع أن نزعم بأن المفاهيم والمصطلحات والنظم والمناهج التي طرحها الإسلام أعمق جذورًا وأرسخ من كل ما طرحه الفكر الماركسي».
إن التعبير بالزعم –فالزعم هو أخو الكذب كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «بئس مطية القوم زعموا» والله قد حكى عن المكذبين بالبعث بقوله ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾
(التغابن: 7)
فالتعبير إذن بـ «منزعم» أسلوب يفسد المعنى ولا يؤدي إلى ما ذهب إليه الكاتب أمثل هذا يحتاج إلى زعم ولماذا لا نتيقن أن الفكر الإسلامي أعمق جذورًا من الفكر الماركسي، أضف إلى ذلك أن المفاضلة بقوله: «أعمق» و«أرسخ» خاطئة من أساسها لأن المفاضلة نتيجتها إظهار الأمر النسبي بين المتفاضلين فالإسلام في الذروة والماركسية في الحضيض الإسلام طرح الإصلاح، شئون الناس الدنيوية والأخروية بينما لم يطرح الفكر الماركسي في المنطقة إلا فقرًا وهزيمة وتفرقًا بين الإخوة فلا تقع المفاضلة بين الإصلاح والخراب لأن المفاضلة لا تقع بين متضادين فلا نقول الماء أبرد من النار فلا مفاضلة بين دستور سماوي وضعه الله لعباده وارتضاه لإصلاح دينهم ودنياهم وبين مذهب دعا إليه يهودي نجس غرضه بث الحقد بين الأفراد وتفريق الجماعات وإشاعة الفوضى في المجتمع فلا مقارنة بين التبر والتراب.
3 – قال الكاتب «فدرجة التعارف بين جماهير المنطقة والإسلام بلا شك أقوى وأعمق من درجة التعارف بينها وبين الفكر الماركسي» مثل هذا الكلام لا يختلف عليه اثنان ولا يحتاج إلى تأكيد أو تكرار أو ترداد حتى نعيه فهذا مقتضى فيه فالاشتراكية في هذه المنطقة لا صلة لها بشعوب المنطقة من قريب أو بعيد ومع فرضها بالمدفع والدبابة فهي منبوذة من شعوب المنطقة لأنها شيء غريب داخل جسم الأمة العربية وخالف فطرتها.
عبد الله بن سليمان العمران
الطائف
قالوا عن.. البخيل
يقول لي البخيل وقد رآني
أجود ببعض ما ملكت يدايا
ألم تحسب ليوم غد حسابا
ويوم غد محاط بالرزايا
فقلت صدقت واسترعيت سمعا
لو أنك ناصح بشرا سوايا
أتنهاني عن المعروف خوفا
على مال تبدده العطايا
وحولي من ضحايا البؤس ناس
تذوب لفرط شقوقهم حشايا
أكنت تلح في عذلي ولومي
لو أنك بعض هاتيك الضحايا
من يجهد الفكر في تقويم منحرف
أو يتعب النفس في تأديب مجنون
كمن يجرب فعل السيف في حجر
أو يبتغي القوس من عود بلا لين
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل