العنوان خواطر حول الحب والمحبة
الكاتب إيمان عامر
تاريخ النشر الثلاثاء 15-سبتمبر-1998
مشاهدات 18
نشر في العدد 1317
نشر في الصفحة 54
الثلاثاء 15-سبتمبر-1998
كثيرة هي ومتعددة لحظات ومراحل الحب في حياة الإنسان أي إنسان، فمنذ ولادته وبفطرته الإلهية يشب المرء على حب أمه، ثم ما يلبث أن يتعود على أبيه فيحبه، ثم يحب مدرسته ومعلميه وأصحابه، ثم إذا ما تزوج يغرس الله في قلبه حب الزوجة والأولاد.
موجات من الحب الفطري والغريزي الذي لا يملك الإنسان معه حيلة ولا يستطيع أن يدفعه، ووسط هذه الموجات لم يتوقف المرء ليسأل نفسه
للحظة من أولى بحبي؟ هل هؤلاء جميعًا من أب وأم وزوجة وأبناء وأصحاب؟
لم يتوقف ليسأل نفسه من الذي وهبني كل هؤلاء الأحبة؟ ومن الذي غرس في قلبي حبهم؟
من الذي وهبني الزوجة الراحة والسكن والابن فلذة الكبد وثمرة الفؤاد؟ ولماذا؟
وحين تفيق النفس البشرية وتبحث بحق عن الجواب لا تتردد في القول: إنه الله.
وحين يرقى الإنسان وتحلق نفسه في آفاق سامية يسائلها: وهل تحبين الله؟.
ونحن نحاول في هذه التطوافة الوصول إلى حقيقة الحب والمحبة
ونقتطف بعضًا مما جاء في كتاب ابن القيم «تهذيب مدارج السالكين».
ما المحبة؟
يقول ابن القيم في كتابه المحبة فيها يتنافس المتنافسون الصادقون، المحبة قوت القلوب العامرة بالإيمان وغذاء الأرواح، هي ذلك النور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، وضمن الأموات وهي ميزان العبودية فكلما زادت المحبة زادت العبودية، وطلب المحبة يدل على صدق الطالب والرغبة الملحة في الطلب.
والمحبة أصلها العطاء، فمن أحب أعطى الغالي قبل الرخيص، وإذا كان المحب يسعى في طلب رضا محبوبه فهكذا العبد إن ادعى حب خالقه، سعی إلى إرضائه وأداء حقوقه كاملة غير منقوصة، وسعى إلى الخلوة به في أفضل الأوقات، ومناجاته ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (سورة: الذاريات آية: 18) وإن لم يفعل فلم يقم على ادعائه دليل﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (سورة: البقرة آية: 111).
إذا أحب القلب ظهرت عليه علامات المحبة، ومن علاماتها التعلق والميل لله تعالى، وأيضاً أن يوافق القلب ما جاء به الحبيب من أمر ونهي وطلب، وإذا كانت تستكثر القليل من أخطائك، وتستقل الكثير من طاعاتك، وإذا كنت قادراً على أن تهب كلك لمن أحببت، فلا يبقى لك منك إلا ما أعطاك فتأخذه عن طيب خاطر ورضا وشكر، فتلك علامات المحبة، فلينظر أحدنا موقعه من المحبة هل على بابها يقف، أم اجتاز الأعتاب وقارب الولوج؟، أم من الله عليه بقدر أكبر وخصه بنصيب أوفر؟ هل وصل أحدنا إلى مرتبة الرقي والسمو والقول «إنه لم يبق لي شيء سوى محبة الله»..
وإذا تعلقت النفس بخالقها بهذا القدر الكبير، فإن الله سيمن عليها بمحبته ومحبة جبريل والملائكة والناس أجمعين فحين ترتبط القلوب بخالقها، تظهر علاماتها وآثارها.
أدعياء المحبة:
كثير هم المدعون، وإذا ما طولبوا بإبراز الدليل على ادعائهم، انعقدت السنتهم، وقيدت أجسامهم، وفشلت جوارحهم في الإتيان بدليل، اللهم كلمات جوفاء يقدر على الإتيان بها كل دعي ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (سورة: آل عمران آية: ۳۱)، حينئذ تظهر المعادن وتتضح الحقائق ويبين الطيب ويميزه الله من الخبيث، فبالابتلاء يكون الامتحان وبالدليل العملي يكون الجواب، وساعتها يظهر المحبون المخلصون الذين يبذلون أنفسهم وأموالهم كما أمر ربهم ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ ﴾ (سورة: التوبة آية: ۱۱۱).
لدى هؤلاء فقط.. تظهر المحبة في القلوب كشجرة في بستان، تدلت أغصانها، وخصوصًا أنها سقيت بماء الإخلاص، والمتابعة بالتوبة والاستغفار فإنها ولابد ستؤتي أكلها.
وصفة ابن القيم للوصول إلى المحبة:
1- قراءة القرآن بتدبر وفهم.
2- التقرب إلى الله بالنوافل.
3- ذكر الله في كل حال، بالقلب قبل اللسان، فنصيب المحبوب من المحبة على قدر نصيبه من الذكر.
4- إيثار محبة الخالق على محبة من سواه ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (سورة: التوبة آية: 24)
5 - مطالعة القلب لأسماء الله الحسنى وصفاته العظمى، فمن عرف الله بأسمائه أحبه الله.
٦ - مشاهدة إحسان الله لعبده وكثرة نعمه عليه.
7- انكسار العبد وقلبه بين يدي الله وإن كثرت عبادته ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾(سورة: المؤمنون آية: 60).
8- الخلوة لمناجاة الله والتأدب معه.
9 - مجالسة المحبين الصادقين وتعلم أصول المحبة على أيديهم.
۱۰ - البعد عن كل سبب يحول بينالعبد وربه، ومع هذه الوصفة لابد من استعداد روجي وانفتاح عين البصيرة ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (سورة: الحج آية: 46).
وأخيرًا، فإذا من الله على عبد بهذه المنحة، فلابد من أن يبحث عن آخرين نالوا هذه الدرجة، فتتلاقى أرواحهم، وتنسجم نفوسهم الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، وتبقى المحبة شاغلهم في الدنيا فيتحابون في الله وينالون أعظم الدرجات في الآخرة ويكفي أنهم على مقاعد من نور يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء ويناديهم الحق أين المتحابون في وهكذا تتحول محبة العبد لربه من فعل فردي إلى عمل إيجابي يعود نفعه على الناس والمجتمع.
فمن المحبة تسيل أنهار الحب قاطعة أوديةً وسهولاً حتى تصل إلى بقاع الأرض كلها، تحمل نبت الخير والصلاح، وتزيل رواسب الشر من حياتنا.
محبة إيجابية، ليس فيها أنانية، بل تدفع الدعاة إلى الرفق واللين والرحمة
وحب حتى من يخالفونهم، تحمل إليهم الشفقة من عذاب الله ..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل