; خوف على الدعوة باتزان | مجلة المجتمع

العنوان خوف على الدعوة باتزان

الكاتب جاسم المسلم

تاريخ النشر الثلاثاء 09-سبتمبر-1980

مشاهدات 15

نشر في العدد 496

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 09-سبتمبر-1980

الملتقي التربوي

 أخي في الله أضع بين يديك بعض التوجيهات التربوية من سورة طه، السورة المكية التي تدور حول أصول الدين من التوحيد، والرسالة، والبعث، وفيها تظهر شخصية الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في شد أزره، وتقوية روحه حتى لا يتأثر بما يلقى إليه من الكيد والعناد، ولإرشاده إلى وظيفته وحدود تكليفه، فمهمته التبليغ والتذكير والانذار والتبشير، وقد جاء في هذه السورة الكريمة بعض قصص الأنبياء تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتطمينًا له، فذكر الله تعالى فيها قصة موسى وهارون مع فرعون الطاغية مفصلة مطولة- كلها تنطق بالدروس والعبر للدعاة- وذكر تعالى في السورة موقف المناجاة بين موسى وربه وموقف النقاش والجدال بين موسى وفرعون. 

ومواقف كثيرة في السورة.. ونحن هنا لا نفسر السورة ولكن نقف عند بعض الآيات لنتأمل ما تحمل من توجيهات تربوية نستفيد منها في طريق الدعوة... ﴿ٱذهَب إِلَىٰ فِرۡعَونَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدرِي وَيسر لِيٓ أَمۡرِي وَٱحلُل عُقدَة مِّن لِّسَانِي يَفقَهُواْ قَوۡلِي وَٱجعَل لِّي وَزِيرا مِّن أهلِي هَٰرُونَ أَخِي ٱشدد بِهِۦٓ أزرِي﴾ (سورة طه: 24:31).

إنه الاحتمال الأول، يضعه موسى أمام الدعاة، خاصة إذا كان المدعو.. من أولئك المتجبرين.. أن يضيق صدر الداعي فلا يستطيع تبليغ الدعوة على الوجه المطلوب... كما قال في سورة الشعراء. ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ﴾ (سورة الشعراء:13) إن موسى عليه السلام لا يضع هذا الاحتمال تعجلاً منه ولا هروبًا من هذا التكليف ولكنه يعرف من هو فرعون، فقد ربي في قصره. وشهد طغيانه وجبروته. وشاهد ما يصبه على قومه من عذاب ونكال..  

ولذلك تجد من الاحتمالات التي وضعها والتي تدل على حرصه على استمرار الدعوة. ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ﴾ (سورة الشعراء:14). «يقول سيد رحمه الله: فهو الاحتياط للدعوة لا للداعية الاحتياط من أن يحتبس لسانه في الأولى وهو في موقف المنافحة عن رسالة ربه وبيانها، فتبدو الدعوة ضعيفة قاصرة والاحتياط «الاحتمال» من أن يقتلوه في الثانية فتتوقف دعوة ربه التي كلف أداءها وهو على إبلاغها حريص. وهذا هو الذي يليق بموسى- عليه السلام- الذي صنعه الله على عينه، واصطنعه لنفسه».

‏لنرجع أخي الحبيب الى سورة طه.. متتبعين سياق الآيات إلى قوله تعالى:﴿ٱذۡهَبۡ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـَٔايَٰتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكۡرِي ٱذۡهَبَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفۡرُطَ عَلَيۡنَآ أَوۡ أَن يَطۡغَىٰ قَالَ لَا تَخَافَآۖ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ﴾ (سورة طه: 42:46).

إنه الاحتمال الثاني ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ﴾ (سورة طه:45)

ولقد اجتمع موسى وهارون عليهما السلام إذن بعد انصراف موسى من موقف المناجاة بجانب الطور وأوحى الله إلي هارون بمشاركة أخيه في دعوة فرعون. ثم ها هما يضعان الاحتمال الثاني ويتوجهان إلى ربهما بمخاوفهما ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ﴾ (سورة طه:45) والفرط هو التسرع بالأذى للوهلة الأولى، والطغيان أشمل من الأذى وفرعون الجبار يومئذ لا يتحرج من أحدهما أو كليهما. هنا يجيئهما الرد الحاسم الذي لا خوف بعده، ولا خشية معه: ﴿قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ﴾ (سورة طه:46)..انني معكما... إنه القوي الجبار الكبير المتعال. إنه الله القاهر فوق عباده. إنه موجدالأكوان والحيوان والأفراد والأشياء بقوله كن ولا زيادة ...إنه معهما وكان هذا الإجمالي يكفي، ولكنه يزيدهما طمأنينة ولمسا بالحس للمعونة‏ (أسمع وأرى) فما يكون فرعون وما يملك وما يصنع حين يفرط أو يطغى؟ والله معهما يسمع ويرى(1)؟إذن فالله شرح صدر موسى بأخيه وهون عليهما خوفهما من فرعون وهو معهما أينما كانا، لذلك نجد موسي عليه السلام وقومه أمام البحر ليس معهم سفين ولا هم يملكون خوضه وما هم بمسلحين. وقد قاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم ولا يرحمونهم وقالت دلائل الحال كلها لا مفر والبحر أمامهم، والعدو خلفهم.﴿فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ قَالَ كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ﴾ (سورة الشعراء: 62:61) لقد بلغ ‎الكرب مداه، وإن هي إلا دقائق تمر ثم يهجم الموت ولا مناص ولا معين؟ ولكن موسى الذي تلقى الوحي من ربه، لا يشك لحظة وملء قلبه الثقة بربه، واليقين بعونه، والتأكد من النجاة وإن كان لا يدري كيف تكون فهي لا بد كائنة والله هو الذي يوجهه ويرعاه قال: ﴿قَالَ كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ﴾ (سورة الشعراء: 62) بهذا الجزم والتأكيد واليقين -وكذلك ليكون الدعاء- وفي اللحظة الأخيرة ينبثق الشعاع المنير في ليل اليأس والكرب، وينفتح طريق النجاة من حيث لا يحتسبون(2).   1- إيجاز البيان في سور القرآن – محمد على الصابوني ص 83 بتصرف. 2- الظلال في مجلد 5 ص 2590 – الشروق1- الظلال في مجلد 5 ص 2590 الشروق 1- الظلال مجلد 4 ص 2336 – 2337 – بتصرف. الشروق 2- الظلال مجلد 5/2598 – 2599 بتصرف. الشروق 

إشارات ضوئية

الإشارة الأولى

الجرأة في الفتوى:

إن الدعاة إلى الله تبارك وتعالى في إصدارهم للفتوى يمثلون ذلك الإنسان الذي يوقع عن الرب تبارك وتعالى لذلك فحقيق بهم أن يعدوا لذلك عدته، وأن يعلموا قدر المقام الذي أقيموا فيه ولا يكن في صدورهم حرج من قول الحق والصدع به... فإن الله ناصرهم وهاديهم.. والجرأة في إصدار الفتوى دون تحرج وتأكد، مخالف لتحذير الله تبارك وتعالى وهدئ نبيه وأصحابه رضوان الله عليهم.. فها هو الرب جل شأنه يعدد في زمرة ما يعدد التي حرمها في سورة الأعراف فيقول سبحانه ﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة - 169) لذلك كان الصحابة في هذه المسألة ورعين أشد الورع كما يصفهم قول البراء: «لقد رأيت ثلاثمائة من أصحاب بدر ما فيهم من أحد ألا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتيا»٠

‏ويستطيع الأخ أن يتلافى هذه الحفرة بأن يعلم بأن قوله- لا أدري- ليس فيها عيب فقد قالها رسول الهدى والعلم محمد صلى الله عليه وسلم وقالها مبلغ العلم والنور جبريل عليه السلام كما ورد في الحديث الذي يرويه الحاكم بإسناد حسن عند الاستفسار عن شر البقاع وخير البقاع.. كما أن مالكًا شيخ دار الهجرة سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين لا أدري. وأيضًا فإن إجابتك في ما لا تعلم دليل على جهلك.

الإشارة الأولى 

الجرأة على الفتوى: 

إن الدعاة إلى الله تبارك وتعالى في إصدارهم للفتوى يمثلون ذلك الإنسان الذي يوقع عن الرب تبارك وتعالى لذلك فحقيق بهم أن يعدوا لذلك عدته وأن يعلموا

قدر المقام الذي أقيموا فيه ولا يكن في صدورهم حرج من قول الحق والصدع به ... فان الله ناصرهم وهاديهم .. والجرأة في اصدار الفتوى دون تحرج وتأكد مخالف لتحذير الله تبارك وتعالى وهدى نبيه وأصحابه رضوان الله عليهم .. فها هو الرب جل شأنه يعدد في زمرة ما يعدد في الأمور التي حرمها في سورة الأعراف فيقول سبحانه:  (وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (الأعراف: 169) المسألة ورعين اشد لذلك كان الصحابة في هذه المسألة ورعين أشد الورع كما يصفهم قول البراء: «لقد رأيت ثلاثمائة من أصحاب بدر ما فيهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه

الفتيا».

و يستطيع الأخ أن يتلافى هذه الحفرة بأن يعلم بأن قوله - لا أدري - ليس فيها عيب فقد قالها رسول الهدى والعلم محمد صلى الله عليه وسلم وقالها مبلغ العلم والنور جبريل عليه السلام كما ورد في الحديث الذي يرويه الحاكم بإسناد حسن عند الاستفسار عن شر البقاع وخير البقاع .... كما أن مالكا شيخ دار الهجرة سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين لا أدري وأيضا فإن إجابتك فيما لا تعلم دليل على جهلك.

الإشارة الثانية

قاعدة من قواعد التربية الربانية:

عندما يتعلق الأمر، أو النهي بعادة، أو تقليد، أو بوضع اجتماعي معقد، فإن الإسلام

يتريث به ويأخذ المسألة باليسر والرفق والتدرج، ويهيئ الظروف الواقعية التي تيسر التنفيذ والطاعة.

ولكن عندما يتعلق الأمر بقاعدة من قواعد التصور الإيماني، أي بمسألة اعتقادية

فإن الإسلام يقضي فيها قضاء حاسما منذ اللحظة الأولى، لا تردد فيها ولا تلفت، ولا مجاملة ولا مساومة ولا لقاء في منتصف الطريق لأن المسألة هنا مسألة قاعدة أساسية للتصور، لا يصلح بدونها إيمان ولا يقام إسلام «سيد قطب».

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الأسرة.. العدد 434

نشر في العدد 434

12

الثلاثاء 27-فبراير-1979

الأسرة (العدد: 436)

نشر في العدد 436

15

الثلاثاء 13-مارس-1979