العنوان خيال وأحلام وأماني ولكن...!!
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1994
مشاهدات 13
نشر في العدد 1106
نشر في الصفحة 37
الثلاثاء 05-يوليو-1994
كم تنفع المنى إذا صاحبها عمل وواكبها جهد وسايرها كفاح، وكم يثمر الخيال إذا خالطه عزم، وداعبه جلاد وراده إقدام، وكم يجدي الأمل إذا حمله عزم، ورفعه حزم وصدقه رجال، وكم تفلح الرجال إذا كان لها قلوب وعندها بصائر، وكم تنهض الأمم وتعز إذا حماها أبطال وواكبها جند ورفعتها سواعد، وكم تسود المبادئ إذا وعتها أفهام وأسرجتها بصائر وأذاعتها حكمة، وصاحبها صبر، وجلاد، ومصابرة ورباط حتى تعمل السنن عملها، وتفعل الأيام فعلها، والعاقبة للمجاهدين العاملين.
نبي البر بينه سبيلًا *** وسن خلاله وهدى الشعابا
وعلمنا بناء المجد حتى *** أخذنا إمرة الأرض اغتصابًا
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال *** إذا الإقدام كان لهم ركابا
هذه سنة الحياة التي نسيناها ودستور النجاح الذي تخلينا عنه وجعلناه وراءنا ظهريًا، بل وأصبحت الحياة كأنها ملعبة والدنيا كأنها ملهاة، وصارت الأعمال الجادة تكاليف مملة والأفعال المنتجة أعباء ممجوجة، والطرق المستقيمة تبعات مجنونة وإرهاصات مرذولة، والتفكير المتزن نوعًا من التخلف والتحجر، والطهر النقي شيئًا من التراث البائد والمنقرض، كل ذلك أورثت عكسيات محسوبة في ميزان التقدم والريادة وفي ميدان العزة والشرف الشخصي والقومي، فأصبحت بذلك أحلامنا أحلام يقظة فارغة، وآمالنا آمالًا عجافًا لا تسمن ولا تغني من جوع، وصار خيالنا دخاني النزعة سرابي الرؤية يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، وما كان هذا طبعنا أو شريعتنا أو تراثنا أو ديننا، وما أروع قول الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه حيث قال:
بقدر الكد تكتب المعالي *** ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن رام العلا من غير كد *** أضاع العمر في طلب المحال
تروم المجد ثم تنام ليلًا *** يغوص البحر من طلب اللآلي
فهل ترى معي أن أمتنا تكد وتسهر، وتجد وتتعب، وتكدح بقدر الكد تكتسب وتكافح وتنصب وتعرق، وتجاهد وتجيش لتسير في طريق مجد أو تخطو في درب تقدم، أم أنها تشغل نفسها في إهلاك نفسها قد يكون بالكسل وقد يكون بالتسيب، وقد يكون باللهو وقد يكون بالخيانة، وقد يكون بإهلاك العناصر الفاعلة فيها والناشطة في مجتمعاتها، وقد يكون بالمؤامرات والكراهية والأحقاد والدسائس، وقد يكون وقد يكون بما لا يحصى من الأسباب والأمراض التي قد لا تخطر على بال، ولكننا لعبقريتنا الكبيرة وفكرنا النابه قد جعلناه حقيقة معاشة وسجلنا براعة اختراعها بأسمائنا، وليتنا نشعر ولو للحظات بما نحن فيه وما وصلنا إليه، بل إنك تحس وعلى أعلى المستويات بتهميش وتسطيح للأمور بل بمدح وإشادة، وبتوفيق وتسديد لما نحن فيه وما صرنا إليه، فنحن قد أنتجنا وأنتجنا وفعلنا وفعلنا وهل نحن حقيقة فعلنا، وهل غيرنا لم يفعل؟، ثم تشعر وعلى مستوى العامة بأمر خطير يقلب الدونية إلى ريادة بغير حق ويبدل التأخر إلى براعة بغير جدارة، فتجد العامي يخترع لنفسه بطولة وهمية وعبقرية خيالية بقدرته الخارقة على فعل المستحيل فيقول مثلا: «نحن الذين خرمنا التعريفة»، و«دهنا الهوى دوكو»، و«حلبنا النملة» إلى آخر هذه الأقاويل المضحكة وتحتار في تشخيص هذا الداء الوبيل وهذه الطبيعة الفارغة، فتقول: هل هو خلل في معرفة بدهيات السن الحياتية، في أن الأعمال لها نتائجها إن خيرًا فخير وإن شرا فشر؟ أم إنه خلل في التربية التي ساقته إلى اللهو ولم تقده إلى المجد والعمل المفيد، أم هو خلل في المثل والريادة التي مزقته بين كلمات براقة وأفعال تسود لها الصحائف ويخجل لها الجبين، أم هو خلل في كل ذلك؟
والحقيقة التي لا تقبل الجدل والبرهان الذي لا يحتمل المناقشة أن الإنسان المسلم تاه في الحياة من يوم أن ترك دينه وتخلف في المجتمعات يوم أن نسى رسالته، وضل في الدنيا ووهن واستعبد وأستبيح وانتهكت حرماته يوم أن فقد هويته وتخلى عن مشروعه الحضاري وتعاليمه الباعثة، فهل كانت تداس حرمات المسلمين وإسلامهم يفرض عليهم أن يكونوا أمام أعدائهم أقوياء أعزة؟ ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (سورة الأنفال: 60).
وهل كان المسلمون يرضون بالقول المعسول بدلًا عن العمل والجهد المأمول ورسالتهم تنهاهم عن الكلام الأجوف؟ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (سورة الصف: 2-3)، وهل كانوا يخافون نزالًا أو يداهنون أو ينافقون قويًا أو يرهبون مغتصبًا ضنا بالحياة وبخلاً بالنفس والنفيس؟ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وهل كانوا يسأمون الخسف أو الظلم والطغيان والاستضعاف، وتعاليمه تعد ذلك ظلمًا يوجب النار؟ ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فأولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً﴾ (النساء: 97)، وهل كان هذا الواقع الأليم سيكون؟ فالسيف في كف الطغاة مخضب بدم مراق، ويقابلون إذا مشوا فينا بمعسول العناق، أما الصحافة فالذي تكتبه مسموم المذاق، أنا يا أخي في لجة التضليل أحيا.. والنفاق، في موكب الزور المهين أسير مشدود الوثاق.. فهل يكون الإسلام هو حلمنا وأملنا ومنهجنا لنسعد ونعرف الوجهة؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل