; دارفور والإسلاميون والموارد الطبيعية والصين.. أهدافها «أفريكوم» الأمريكية وفنون الاستعمار المهذب | مجلة المجتمع

العنوان دارفور والإسلاميون والموارد الطبيعية والصين.. أهدافها «أفريكوم» الأمريكية وفنون الاستعمار المهذب

الكاتب محمد جمال عرفة

تاريخ النشر السبت 11-أغسطس-2007

مشاهدات 17

نشر في العدد 1764

نشر في الصفحة 12

السبت 11-أغسطس-2007

  • مجلس المعلومات القومي الأمريكي: واشنطن تعتمد على تأمين ٢٠% من احتياجاتها النفطية من إفريقيا خلال العقد المقبل.. وقد ترتفع النسبة إلى ٢٥% بحلول عام ٢٠١٥م.

  • قبل فبراير ٢٠٠٧م.. كانت شؤون إفريقيا تتوزع عسكرياً في البنتاجون على ثلاث قيادات إقليمية هي: «القيادة الوسطى» و«قيادة المحيط الهادئ» و«قيادة أوروبا».

في فبراير ٢٠٠٧م، أعلن وزير الدفاع الأمريكي «روبرت جيتس» أن الرئيس جورج بوش وافق على خطة اقترحها البنتاجون - وزارة الدفاع - لإنشاء قيادة قتالية جديدة للعمليات في إفريقيا باسم في ادة إفريقيا، تتولى تنسيق العمليات ومجابهة ما سمي «احتمال تحول دول إفريقية لملاذات المنظمات إرهابية» !

وقبل صدور هذا القرار كانت شؤون إفريقيا تتوزع - عسكرياً - في البنتاجون على ثلاث قيادات إقليمية هي: القيادة الوسطى التي تشرف على الشرق الأوسط وتتولى مسؤولية القرن الإفريقي، وقيادة المحيط الهادئ التي تشرف على شؤون مدغشقر، فيما تتولي قيادة أوروبا، مراقبة بقية أنحاء إفريقيا، أي القسم الأكبر من القارة.

بعبارة أخرى كانت القيادات الأمريكية العسكرية المختصة بالدول الإفريقية هي: القيادة المركزية «كينتكوم» التي تتضمن مهامها مصر والسودان وإريتريا وأثيوبيا وجيبوتي والصومال وكينيا وسيشل، ثم القيادة الباسيفيكية «باكوم» ويقع ضمن اختصاصاتها مدغشقر والمحيط الهندي، ثم القيادة الأوروبية «إيوكوم» وهي مسؤولة عن باقي الدول الإفريقية وعددها ٤١ دولة.

ومع أن هذا القرار الغامض بتشكيل قيادة إفريقية عامة للقوات الأمريكية ظل في طي السرية ولم تتسرب عنه معلومات كثيرة، فقد أكد معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الجديد في تقرير صدر في ١٠/٧/٢٠٠٧م أن وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس قام بتعيين قائد خاص لـ: «أفريكوم» خلال يوليو ۲۰۰۷م، وأنها ستصبح جاهزة للعمل بمشاركة ألف جندي أمريكي بحلول سبتمبر ۲۰۰۸م. وستكون مسؤولة عن كل الدول الإفريقية باستثناء مصر.

ويأتي تشكيل «أفريكوم» في وقت تخشي فيه واشنطن انتشار نشاط تنظيم القاعدة في إفريقيا، بالتزامن مع اهتمام أمريكي متزايد بالقارة السمراء على خلفية أنباء عن مخزون كبير من النفط والغاز في إفريقيا، فضلاً عن استعدادات أمريكية للتدخل في السودان ودارفور، تحديداً بصورة عسكرية ضمن الخطط الأمريكية الضرب القوى الإسلامية المحتملة كأعداء. أو التي قد تعرقل السيطرة العسكرية الأمريكية على القارة الإفريقية، والتي تمهد لسيطرة اقتصادية ونفطية.

مصالح اقتصادية

وتشير التوقعات الرسمية في الدوائر السياسية الأمريكية إلى اعتماد واشنطن على حوالي ۲۰ %من احتياجاتها النفطية من إفريقيا خلال العقد المقبل ستوفر دول غرب إفريقيا ۱۵ % منها، ويتوقع مجلس المعلومات القومي الأمريكي أن ترتفع هذه النسبة إلى ٢٥% بحلول عام ٢٠١٥م.

بل إن الإحصاءات الصادرة من الإدارة الأمريكية لشؤون النفط والطاقة تؤكد عمل كافة الترتيبات لرفع نسبة الاستيراد الأمريكي من النفط الإفريقي إلى ٥٠% من مجموع النفط المستورد بحلول العام ٢٠١٥م.

 ولا تقتصر التدخلات هنا على الجانب الاقتصادي، فقد اتهم وزير الداخلية السوداني الزبير بشير طه المخابرات الأمريكية بتسريب أسلحة إلى دارفور والسعي إلى خلخلة التوازن بين المجموعات السكانية في الإقليم. وكشف عن مساومات جرت مع السودان من أجل الاعتراف بـ: إسرائيل، وحرمان الدول الآسيوية من الاستثمار في النفط السوداني في مقابل إنهاء التصعيد، وأنه عندما رفض السودان استمرت الحملات العدائية ضده والأكثر خطورة أن شركة بلاك ووتره الأمريكية الشهيرة التي تقوم بتوريد المرتزقة للعراق ودول عربية أخرى ولها صلات وثيقة مع مسؤولي إدارة الرئيس بوش بدأت تعمل في جنوب السودان باتفاق مع حكومة الجنوب حسبما أكدت صحيفة ( (The Virginian-pilot، كما أن المسؤولين الأمريكان يسعون لوضع أقدامها في دارفور أيضاً .

ولهذا يثير تشكيل «أفريكوم» تساؤلات حول سر هذا التركيز في الاهتمام الأمريكي بإفريقيا؟ وما الدافع وراءه بعد وضع القارة السمراء تحت قيادة عسكرية أمريكية موحدة؟ وما إذا كان هذا يشكل أولوية خاصة لإفريقيا مستقبلاً ؟!

ومع أن الهدف الأمريكي المعلن من تركيز عملياتها العسكرية في إفريقيا هو مواجهة الخطر الأمني المتزايد الذي تشكله الشبكات الإرهابية.. وقول روبرت جيتس إن «أفريكوم» ستجعل القوة العسكرية الأمريكية أكثر فاعلية في ممارسة نشاطاتها عبر القارة الإفريقية فمن الواضح أن الهدف الأمريكي من تشكيل هذه القوة إستراتيجي يستهدف على المدى البعيد تعزيز السيطرة الأمريكية على القارة الإفريقية لأسباب اقتصادية وسياسية وإستراتيجية.

التاريخ العسكري الأمريكي في إفريقيا: وفقا لدراسة معهد واشنطن السياسات الشرق الأدنى الجديد بدأت الأنشطة العسكرية الأمريكية الفعلية في إفريقيا عندما أضيفت العديد من دول شمال إفريقيا إلى القيادة الأوروبية ابوكوم، ومنذ بداية الأربعينيات من القرن الماضي حتى عام ۱۹۷۱م احتفظت الولايات المتحدة بأربعة آلاف عسكري في إحدى القواعد الجوية بالقرب من مدينة طرابلس الليبية، وكذلك في عدة قواعد أخرى أصغر بالمغرب.

وفي عام ١٩٧٥م أنشأت وزارة الخارجية الأمريكية مكتبها في إفريقيا بعد أن قام نائب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بجولة في القارة استمرت ثلاثة أسابيع.

ومع مطلع العقد الأخير من القرن المنصرم تمركز نحو ٢٥ ألفا من القوات الأمريكية في شرق إفريقيا كجزء من قوات الأمم المتحدة التي تقوم بمهام إنسانية في الصومال، إلا أن الهزيمة في الصومال قلصت الوجود العسكري هناك إلى أن بدأ التفكير مجددا في ضرب إسلاميي الصومال عبر إثيوبيا مؤخراً مع تقديم الدعم التسليحي واللوجستي.

ويوجد حالياً ۲۰۰۰ جندي في معسكر «ليمونير» بدولة جيبوتي التي تعد القاعدة الأمريكية الوحيدة في إفريقيا حالياً، يعملون تحت سلطة القوات المشتركة في منطقة القرن الإفريقي، وهي القوات التي أنشأتها القيادة المركزية «كينتكوم» عام ٢٠٠٢م من أجل الحد من النشاطات الإرهابية في شرق إفريقيا، بالإضافة إلى المهام الإنسانية التي تساهم بها هذه القوات فإنها تلعب دوراً أيضا في البحث عن مقاتلي القاعدة في الصومال.

وقد شارك نحو ألف جندي أمريكي في تدريبات عسكرية للتصدي للإرهاب في الصحراء الإفريقية، وهي أضخم عمليات للولايات المتحدة في القارة السمراء منذ الحرب العالمية الثانية، كما خصص الكونجرس مؤخراً مبلغ ٥٠٠ مليون دولار لمكافحة الإرهاب.

وحتى الآن لا يعرف أين سيكون مقر هذه القيادة الإفريقية؟ في ظل تقارير تتحدث عن أن هذه القيادة العسكرية ستعمل بشكل مؤقت من قاعدة شتوتجارت بألمانيا، لحين التوصل لاتفاق مع دولة إفريقيا لاستضافة هذه القيادة.

ويتردد أن طرابلس والجزائر رفضتا المقترحات الأمريكية لاستضافة القيادة الإفريقية، في حين أن المغرب وبتسوانا لديهما استعداد لجعل أراضيهما مقار لهذه القيادة، وربما تكون زيارة مدير المخابرات الأمريكية مايكل هيدين للمغرب مؤخراً مؤشر على النوايا الأمريكية لإقناعها باستضافة «أفريكوم».

كما يتردد أن الجنرال ويليام وارد القائد الحالي للقيادة الأوروبية «إيوكوم» قد يتولى مسؤولية القيادة الأمريكية الجديدة خاصة أنه سبق له العمل في مصر والصومال، وكذلك كمنسق أمني أمريكي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عام٢٠٠٥م.

ويؤكد تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تحت عنوان «أفريكوم».. قيادة عسكرية أمريكية جديدة في إفريقيا سلسلة (بوليسي واتشpolicy watch ) العدد ۱۲۵۹ ۱۰ يوليو ٢٠٠٧م أن إنشاء «أفريكوم» يرجع لأسباب عديدة منها :

١- تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي في الصحراء الإفريقية وهو (ما يعني ضمنا محاربة الصحوة الإسلامية في القاهرة وحصار الدول التي تقود هذا التوجه الإسلامي في إفريقيا خاصة السودان).

٢-تزايد الاعتماد الأمريكيعلى مصادر الطاقة الإفريقية (وهو ما أشرنا إليه بشأن السعي الأمريكي للسيطرة على النفط السوداني ونقط خليج غينيا وهو عبارة عن شريط ساحلي مليء بالنفط بين أنجولا ونيجيريا يثير شهية أمريكا لأن إنتاج المنطقة النفطي يتعدى ٥.٤ مليون برميل يومياً، وهي كمية تزيد على مجمل إنتاج فنزويلا وإيران والمكسيك)!.

3- زيادة الضغوط على قوات «كينتكوم» «و إيوكوم» نتيجة للحرب في العراق وأفغانستان، (ويشار هنا لوجود نقص حاد في مجال التجنيد في أمريكا ورفض المتطوعين للانخراط في القوات بعد الخسائر البشرية الضخمة في العراق وأفغانستان).

4- نمو العلاقات بين الصين والدول الإفريقية، وهو أمر يقلق أمريكا خصوصاً أن الصين تعد الآن ثالث أكبر شريك تجاري مع إفريقيا بعد الولايات المتحدة وفرنسا، كما أنها المستورد الرئيسي للنفط الإفريقي، وهو ما ألمح إليه وزير الداخلية السوداني مؤخراً حيث أشار الطلب أمريكا إخراج شركات النفط الصينية والأسيوية من السودان!

الرابط المختصر :