العنوان العنصرية في السياسة الخارجية الأمريكية وآثارها على العالم الثالث
الكاتب عبدالوارث سعيد
تاريخ النشر الأحد 31-مايو-1992
مشاهدات 713
نشر في العدد 1003
نشر في الصفحة 32

الأحد 31-مايو-1992
* دراسة
للعالم الأمريكي هوارد ج. وياردا
(1985)
هذه
الدراسة الاستطلاعية تتناول موضوعات في غاية الأهمية لمستقبل البشرية، خاصة في ضوء
السعي الحثيث نحو استكمال الهيمنة الأمريكية على مقدرات العالم فيما يسمى بالنظام
الجديد.
تنطلق
الدراسة من أن منبع مصائب السياسة الأمريكية الخارجية في دول العالم الثالث هو
العنصرية الحضارية المتجذرة بعمق في النظام التعليمي والتي تنعكس خاصة في العلوم
الاجتماعية المتعلقة بالتطور وبقضايا الاقتصاد والديموقراطية وحقوق الإنسان، وهذه
العنصرية الحضارية تجعل الباحثين وصانعي السياسة في أمريكا غير قادرين على فهم
العالم الثالث كما يجب أن يصر الفريقان «العلماء والسياسيون» على النظر إليه من
منظور التجربة الغربية الأمريكية وحدها، زاعمين أن ما نجح عندهم لابد من أن ينجح
عند غيرهم، ولكن النتيجة العملية أن تلك البرامج تبوء بالفشل لأنها بنيت على
تصورات خاطئة فلا يمكن أن تنسجم ولا تثمر في بيئات أخرى مغايرة في مثلها وقيمها
ومعاييرها للمعطيات اليونانية- الرومانية، أو اليهودية- النصرانية.
يورد
الكاتب تحليلات رائعة لمباني المناهج التعليمية المبنية على هذه النظرة العنصرية
ليكشف من وراء ذلك سر تجذر هذه النظرة عند من تربوا على هذه المناهج.
ففي
مجال العلوم السياسية ونظرياتها وتاريخها يقرر أنها قائمة علي التحيز المطلق
المنظورات الغربية، فهي تبدأ بسقراط فأفلاطون فأرسطو ثم تمر بفترة الدولة
الرومانية، وتذكر الإسهامات النصرانية الكاثوليكية الأوغسطينية والتكوينية، ثم
يأتي ميكيافيللي محتلًا موقعًا بارزًا، يليه «هويز» وهو علماني آخر في مجال
السياسة، ومن عصر التنور (ق۱۸) يركز
على أفكار التقدم والعقلانية والحكومة الشعبية والعلمانية، ثم ينتقل الدرس إلى
روسو وفولتير والثورة الفرنسية ولهيوم وينتام وسميث وريكاردو ومل ثم الليبرالية
والنفعية البريطانية ومثالية «كانت» وأخيرًا ماركس، فإن نكروا بدائل لهذا الخط فلا
يذكرون سوى المذهبات الغربية التي ظهرت في مطلع القرن العشرين كالاشتراكية
بألوانها والليبرالية والفاشية وكأنه لا توجد بدائل معاصرة سواها.
وهذه
التصورات التي تعلمها أجيال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من طلاب الجامعة في
الغرب قد شكلت بقوة مفاهيم الغربيين في مجالات العلوم الاجتماعية وتصوراتهم عن
العالم وسياستهم المنبثقة منها.
هذه
البرامج الدراسية منطبقة على الغرب من بدايتها إلى نهايتها وعلى بيئاته فكرًا
وتجارب يقع التركيز، وأن تجد في هذه المقررات ذكرًا للأفكار والمؤسسات والتصورات
الطاوية أو الكونفوشيوسية أو اللونية أو الهندوكية أو الإسلامية أو الإفريقية، بل
لا تجد مجرد ذكر لها أو إشارة إلى وجودها، والنتيجة أن اعتقدنا- نحن الغربيين- أن
التطور لا محالة يعني التغريب، وأن أمم العالم الثالث كي تتطور وتدخل مجرى التاريخ-
تذكر أن هيجل وماركس كليهما يزعمان في حمق وعنصرية أن الأمم غير الغربية لا تاريخ لها أو
أنها محبوسة فيما قبل التاريخ- يجب عليها أولًا أن تقهر مؤسساتها التقليدية
الأصيلة وأن تنسلخ من معتقداتها وثقافاتها التاريخية عندئذ تصبح هذه الأشياء
المهملة شيئًا يقبله العقل. (ص١٤).
(ما
بين القوسين عن هيجل وماركس من كلام المؤلف الأمريكي بنصه).
وفي
مجال علم الاجتماع كذلك يتبدى الكثير من أشكال التميز ذاتها.. بل ربما كانت أكثر
خطورة، ويذكر نظريات أمثال دوركايم ولفيبر ممن جعلوا من التجربة الغربية في
المجالات الاجتماعية ظاهرة عالمية تنتج في كل مجتمع ما أنتجته في عالم الغرب، وهذا
ما أكدت التجارب الفعلية عدم صحته، وخطورة الأمر هنا أن مقولات التطور من منظور
التجربة الغربية المتميزة كانت الأساس المشترك لآلاف من رسائل الدكتوراه في علوم
الإنسان والاقتصاد وعلم السياسة والاجتماع، أخذت تلك النظرية وطبقتها على عدد كبير
من مختلف الدول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط كما أنها كانت
أساسًا لبرامج المساعدات الخارجية الأمريكية، مرتبة عليها نتائج محددة في مجال
تشكيل تلك المجتمعات سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وعسكريًّا بما يتفق وما
تطمح إليه الولايات المتحدة وما تتطلبه مصالحها. وإن تعميم حالة واحدة على كل
العالم أمر غير مألوف بين العلماء الاجتماعيين، لكنه كان مقبولًا على نطاق واسع في
حالة مقولات التنمية المذكورة وكانت النتائج بالنسبة للدول النامية غير موفقة في
الأغلب وقد بدأنا مؤخرًا ندفع تكاليف قصر النظر هذا. (ص ٢٥).
«أما
الاقتصاد السياسي کمجال علمي، فتبرز بوضوح شديد دعاواه في العالمية كما حدث في علم
الاجتماع، وهنا تكمن واحدة من أكبر مشكلات العالم».
وكلا
الخطين الرئيسيين في الفكر الاقتصادي الخط الماركسي وغير الماركسي، مؤسس على
التجربة الأوروبية الغربية، وليس لأي منهما في أصله أي نفع في التعامل مع واقع
العالم غير الأوروبي- الأمريكي. (ص ٢٥).
ويبلور
الباحث النتائج الضارة لهذه التحيزات الغربية على المستويات السياسية والاجتماعية
والاقتصادية، قائلًا:
«إن
عنصريتنا لم تؤد فقط إلى سوء فهم مستمر، بل أدت أيضًا إلى آثار عملية عميقة وسلبية
غالبًا، في هذه الأمم» (ص ٢٩).
ومن أبرز هذه الآثار الضارة ما يأتي:
1- إهدار
أموال وجهود هائلة في برامج مختلفة وجهت وأديرت بشكل سيئ.
2- انطلاقًا
من ثقتنا بالتحديث وقناعتنا بسمو تجربتنا، رفضنا وانتقصنا عددًا كبيرًا من
المعتقدات والممارسات والمؤسسات في العالم الثالث، ووصمناها بأنها تقليدية وبدائية.
3- قصور
مخيف في فهمنا لحقيقة آليات التغير والاستمرار في هذه الأمم نتيجة ما تتميز به
نماذجنا وتصوراتنا من ضيق وعنصرية.
4- الإجراءات
المبنية على هذه السياسة أدت إلى عكس النتائج المرجوة، وإلى نتائج لم تكن متوقعة،
وإلى كوارث خالصة.
5- ساعدنا،
باسم العصرية والتقدم على نسف عدد كبير من المؤسسات الحيوية جدًّا، تقليدية أو
انتقالية، وبذلك ساهمنا في انهيار كثير من البلدان النامية وتمزيقها وزعزعة
استقرارها، وهو ما زعمنا أننا نسعى إلى تجنبه، وبهذه النتيجة الأخيرة تركنا الكثير
من الدول النامية دون مؤسساتها الأصلية التقليدية التي كان يمكن أن تعينها على
تجاوز مرحلة الانتقال المؤلمة نحو العصرية ودون مؤسسات جديدة حيوية يمكن أن تعمل
بكفاءة في التربة الوطنية». (ص ۳۳).
وتتعالى
أصوات كثيرة تتساءل عن سر فشل الولايات المتحدة في فهم التغيرات العميقة والثورية
والمعادية لها والتي تجتاح العالم النامي. ولماذا كانت استجابة سياستنا لهذه
التغيرات ولا تزال غير مكافأة.. يجيب الكاتب:
«المشكلة
أننا لا نفهم ولا نريد أن نفهم الحركات التي تعمل في اتجاه مضاد للتصور الغربي عن
التغير» (ص ٣٤).
* يقول العالم
الأمريكي هوارد: إن الغرب والنموذج الغربي للتنمية الذي ارتبط بقوة بتقدمه
السابق يبدو أنه ينهار في مجالات عديدة |
وينهي
الباحث دراسته الاستطلاعية بفصل «نحو نظرية للنمو غير عنصرية تصورات بديلة من
العالم الثالث» (ص ٤١-٦٧)، وفيه يشير إلى تنامي الانتقادات الموجهة من العالم
الثالث إلى نموذج التنمية الغربي ووصفه بأنه غير ملائم، ولو جزئيًّا لظروفه
وأوضاعه، وأن هذه الانتقادات لم تعد محدودة بمفهوم أو قطر معين، كما لم تعد مجرد
نقد سلبي. بل صارت مصحوبة بالتأكيد والإصرار على مناهج أخرى بديلة. (ص43).
ويختم
الباحث دراسته بقوله:
«إن
الغرب والنموذج الغربي للتنمية الذي ارتبط بقوة بتقدمه السابق، يبدو أنه ينهار في
مجالات عديدة» (ص ٥٩).
إن هذا
النوع من الفكر المنصف والموضوعي حتى لو انبثق من الحرص على المصالح القومية للدول
الغربية، جدير بأن يدرس وينشر ليكون نواة لوضع أفضل في العلاقات بين دول العالم،
وضع يسمح لكل أمة، بل يشجعها على أن تصمم وتنفذ برامج التنمية في مجتمعها على أسس
نابعة من تاريخها ومعتقداتها ومثلها وقيمها، ثم تتفاعل كل تلك التجارب على قدم
المساواة وينتقي كل مجتمع من إيجابياتها ما يتواءم مع ظروفه، في مثل هذا الوضع
الخالي من العنصرية والقهر ينمو الخير وينحسر الشر وترتقي البشرية في تعاون بناء.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلبمناسبة انعقاد مؤتمر عدم الانحياز في كولومبو.. الشعوب الإسلامية ووحدة العالم الثالث
نشر في العدد 313
15
الثلاثاء 17-أغسطس-1976


المعادلة الاستعمارية في العالم الثالث المسلمون هم المستهدفون
نشر في العدد 701
19
الثلاثاء 22-يناير-1985
