; دراسات في السيرة.. العالم قبل البعثة النبوية | مجلة المجتمع

العنوان دراسات في السيرة.. العالم قبل البعثة النبوية

الكاتب محمد النايف

تاريخ النشر الثلاثاء 28-مايو-1974

مشاهدات 15

نشر في العدد 202

نشر في الصفحة 40

الثلاثاء 28-مايو-1974

دراسات في السيرة.. العالم قبل البعثة النبوية يكتبها: محمد النايف البشرية من لدن آدم عليه السلام حتى بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم، كانت تموج بالفتن، وتضطرب بها السبل، وما إن انتصف القرن السادس الميلادي حتى كانت شقاوة الجاهلية تلف العالم بأسره وتسقيه كؤوس التخلف والوثنية. كان أثر الأنبياء- عليهم السلام- في أقوامهم كان كرؤيا جميلة في نوم طال أمده، أو کومضة برق في ليل دامس ظلامه... تعود البشرية القهقرى بعد وفاة النبي وكأنها لم تر نوراً قط. قبيل بعثة رسول الله؛ صلى الله عليه وسلم، كانت مشاعل التوحيد قد أطفئت، وانزوى الحنفيون إلى الكهوف وقمم الجبال، حتى لا تمتد إليهم أيدي الطواغيت. المعتقدات في القرن السادس الميلادي: الرومان والمسيحية: كان الرومان يحتلون أغلب بلاد العالم.. أوروبا وبلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا، هذا من حيث الامتداد أما من حيث المعتقد.. فلقد استغل قسطنطين النصرانية، واتخذ منها ذريعة لبسط نفوذه وجبروته، وفي عهده أصبحت النصرانية مزيجاً من خرافات اليونان ووثنية الرومان والأفلاطونية المصرية ومسحة من دين التوحيد البسيط مع شيء من الرهبانية. (۱) وكان الصراع لا ينقطع بين الرومان أنفسهم حول تعدد مذاهبهم واعتقاداتهم، وبين الرومان والدول التي استعمروها.. وبلغ الفساد منتهاه: انحطت القيم الأخلاقية، وفرضوا الضرائب الباهظة، وانتشرت الرشوة وتفشى الظلم، وكثر استعباد الناس للناس، وبلغ بهم الحد: أن السادة يلتقون ليشاهدوا مصارعة العبيد وقد يقتل أحدهم الآخر والملأ يقهقهون وهم يرون نزيف الدماء ومصرع الأحياء... وكان الرومان يأكلون ما لذ وطاب من الأطعمة ثم يتقيأون ليعودوا إلى الطعام مرة أخرى ويتمتعوا بلذته ومضغه. الفرس: كان الفرس يحكمون معظم المشرق وينافسون الرومان زعامة العالم، ولم يكونوا أحسن منهم اعتقاداً وأخلاقاً.. فالرومان أصحاب کتاب وإن كانوا قد ضلوا وانحرفوا بينما الفرس من عبدة النار.. فمن أخلاقهم أن يزدجرد الثاني الذي حكم في أواسط القرن الخامس الميلادي؛ تزوج ابنته ثم قتلها، وإن بهرام جوبين الذي تملك في القرن السادس كان متزوجاً بأخته. (۲) ثم كانت دعوة «مزدك» عام ٤٨٧م قال الشهرستاني: «أحل النساء وأباح الأموال وجعل الناس شركة فيها كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ» وحظيت هذه الدعوة بموافقة الشبان والأغنياء والمترفين، وغرقت البلاد ببحر من الفوضى والإباحية وتبنى «قباذ» هذه الدعوة. قال الطبري: «افترض السفلة ذلك واغتنموا وكاتفوا مزدك وأصحابه وشايعوهم فابتلي الناس بهم وقوي أمرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله لا يستطيع الامتناع منهم، وحملوا قباذ على تزيين، وتوعدوه بخلعه، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى صاروا لا يعرف الرجل ولده ولا المولود أباه ولا يملك شيئا مما يتسع به» (١٠) وكان الفرس يعتقدون أن ملوكهم ليسوا كالبشر، إنما يجري في عروقهم دم إلهي، فالحكم عندهم مقصور على أسر معينة لا يتجاوزها، وإن عدم الرجل في هذه الأسر فيولون النساء.. ومن هنا سرى هذا الاعتقاد عند الفرق الباطنية في الإسلام فيما بعد. وكان هناك تمايز واضح في الطبقات، وعبادة للنار بعدما فقدوا جوهر الاعتقاد عند زرادشت، فالنار مقدسة لا يجوز اتخاذها وسيلة للرزق، والنار لا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر؛ وهذا ما جعل الفرس أمة متأخرة منحلة، ناهيكم عن اعتقادهم القومي بأنهم خير الأجناس ولهم فضل على سائر البشر وأن الناس لا يستحقون إلا أن يكونوا عبيداً لهم. الهند والصين: المعتقدات في الهند والصين امتداد لمعتقدات الفرس والرومان.. مع اختلاف الأسماء وقد تتشابه أحياناً.. ففي الصين معتقدات «كونفوشيوس» والبوذية، وفي الهند البوذية والبرهمية(٤)، وطبقة البراهمة لهم حقوق في مجتمعاتهم تضعهم في مصاف الآلهة. وداخل إمبراطورية الرومان كان يعيش اليهود، بأخلاقهم المعروفة، يمكرون بغيرهم وينكمشون على أنفسهم، وينظرون للناس. نظرة ازدراء واحتقار. مما جعل الرومان يوقعون بهم جزاء بما اقترفت أيديهم.. وكان الصراع بين اليهود والنصارى لا يخبو لهيبه. البلاد العربية: ورث العرب الحنيفية- ملة إبراهيم الخليل عليه السلام- فكانوا موحدين مؤمنين فترة من الزمن حتى طال عليهم العهد فقست قلوبهم وعبدوا الأصنام وأشركوا بالله، عندما استورد لهم عمرو بن لحي الخزاعي صنمًا من بلاد الشام اسمه «هبل» جاء به إلى مكة ونصبه فيها وأمر الناس بعبادته، ثم انتشرت بعدئذ عبادة الأصنام في الجزيرة وروى ابن جرير عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون: «يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعه بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلاً أشبه برجل منك به ولا به منك، «فقال أكثم: أتخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «إنك مؤمن، وهو كافر، إنه أول من غيّر دين إبراهيم، وبحر البحيرة، وسيب السائبة وحمى الحامي» إسناده حسن (٥) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً: «رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، كان أول من سيب السوائب». واشتهرت العرب فيما بعد بعبادة الأصنام، فصارت في كل بيت ومدينة وقبيلة، روى البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجراً هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجراً، جمعنا حثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به (٦) وقال الكلبي: «كان الرجل إذا سافر فنزل منزلاً أخذ أربعة أحجار، فنظر إلى أحسنها فاتخذه رباً، وجعل ثلاث أسافي لقدره، وإذا ارتحل تركه». (۳) بقي نفر قليل على الحنيفية كان منهم ورقة بن نوفل وقس بن ساعدة الإيادي، وكان اليهود والنصارى يعايشون العرب في جزيرتهم لكنهم مشركون ضالون لم يستفد العرب منهم شيئاً والعرب في بلاد الشام معظمهم نصارى وفي العراق كانوا متأثرين بمعتقدات الفرس فهم على دين ملوكهم. الحالة السياسية عند العرب: البلاد العربية المهمة كانت مستعمرة للفرس والرومان فالرومان يسيطرون على بلاد الشام ومملكة الغساسنة كانت إسماً بدون مسمى فهم عبيد للرومان مسخرون لخدمتهم في الحرب والسلم، ويدينون بدينهم «النصرانية» ولم يترددوا في الوقوف إلى جانب بني دينهم الرومان ضد العرب المسلمين. والعرب في العراق واليمن يخضعون للفرس.. والمناذرة كانوا كالغساسنة بل كثيراً ما تقع الحرب الضروس بينهما خدمة لأسيادهم من الفرس والرومان. أما العرب في شبه الجزيرة فكانوا يعيشون حياة الفقر والبؤس يتنقلون من مكان لآخر بحثا وراء العشب والكلأ، تقوم لهم دويلات محلية ثم تتلاشى، ولو كان في بلادهم مطمع لما تردد الفرس في اقتحامها والاستئثار بخيراتها. فالحكم للقبيلة، وشيخها لا يرد له طلب، مما جعل القبائل تغزو بعضها البعض: وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلا أخانا ومن الحروب التي وقعت بين القبائل العربية: حرب البسوس بين قبيلتي بكر وتغلب؛ التي دامت أربعين سنة بسبب ناقة، وداحس والغبراء بين عبس وذبيان، وداحس فحل لقيس بن زهير، والغبراء فرس لحمل بن بدر، وأيام الفجّار. فلم يفكر العرب بوحدة تضم شتاتهم ولا دار بخلدهم أن يتحرروا من كابوس الفرس والرومان، ولم يفكر أحد منهم أن يشب عن طوق القبيلة ويفكر برابطة أوسع وأعم منها، وما يوم «ذي قار» إلا حدث طارئ لم يسبقه تخطيط، ولا كتبت له الحياة. الحالة الاجتماعية: علمنا فساد العقيدة عند العرب قبل النبوة، وفساد العقيدة ينعكس على الشؤون السياسية والاجتماعية ويصبح كل شيء فاسداً فالمجتمع الجاهلي كانت عادة شرب الخمر متأصلة فيه يتحدث عنها الشعراء في شعرهم، والتجار في أسفارهم. وتاريخهم طافح بذلك. ومن شعر حاتم الطائي وهو من أجودهم: إذا ما بت أشرب فوق ري لسكر في الشراب فلا رويت ويقول عمرو بن كلثوم: ألا هبي بصحنك، فاصبحينا ولا تبقي خمور إلا ندرينــــا مشعشعة كأن الحصى فيها إذا ما الماء خالطها سخيناً صددت الكأس عنا أم عمرو وكان الكأس مجراها اليمينا وكانوا يلعبون القمار قال قتادة: «كان الرجل في الجاهلية يقامر على أهله وماله فيقعد حزينًا سليبًا ينظر إلى ماله في يد غيره، فكانت تورث بينهم عداوة وبغضًا». (۷) وكانوا يتعاملون بالربا ، وما تفشى الربا في أمة إلا أنذر بزوالها . وسجل القرآن الكريم على العرب في جاهليتهم عادة وأد البنات: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾. (التكوير: ٨-٩). ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾. (الإسراء: ٣١). نعم لقد كان الكثير من العرب يوارون أولادهم في التراب وهم أحياء خشية الفقر أو العار. وكان الزنى متفشياً بينهم قالت عائشة: «إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء، فنكاح منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو بنته فيصدقها ثم ينكحها، والنكاح الآخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: «أرسلي إلى فلان فأستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذى تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة. كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع ممن جاءها، وهن البغايا، كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك». (۸) وكانوا يتفاخرون بالسلب والنهب ويتخذون من الشعر وسيلة للمدح والهجاء، فيذكون به نار العداوة والشحناء بين القبائل، وأحياناً بين أبناء القبيلة الواحدة. هذا الوضع العربي المنهار، بل الوضع العالمي المهترئ وصفه أحد الشعراء بقوله: أتيت والناس فوضى لا تمر بهم إلا على صنم قد هام في صنم فعاهل الروم يطغى في رعيته وعاهل الفرس من كبر أصم عمی (۹) ( 28/1، 2/38، ٣) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ ( ٤ / ١٢٧٠) الملل والنحل ( 5/68) تيسير العزيز الحميه ( ٦) الجامع الصحيح للبخاري وفذ بني حنيفة. (٧) تفسير الطبري للآية «إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء»، نقلاً عن «ماذا خسر العالم» (۸) صحيح البخاري: كتاب النكاح (٩) فقه السيرة: محمد الغزالي (۱۰) تاريخ الطبري

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

حول الدين… و… الدولة

نشر في العدد 34

0

الثلاثاء 03-نوفمبر-1970

الزواج في الإسلام

نشر في العدد 36

25

الثلاثاء 17-نوفمبر-1970