; الحزب الاشتراكي اليمني من المهد إلى اللحد «٣ من ٥».. معركة المنجل والهلال | مجلة المجتمع

العنوان الحزب الاشتراكي اليمني من المهد إلى اللحد «٣ من ٥».. معركة المنجل والهلال

الكاتب ناصر يحيي

تاريخ النشر الثلاثاء 25-أكتوبر-1994

مشاهدات 47

نشر في العدد 1122

نشر في الصفحة 46

الثلاثاء 25-أكتوبر-1994

 

  • حينما تمكن الشيوعيون من السلطة عام ١٩٦٨ ظهرت صحيفة الحزب بالعنوان الرئيسي يقول «ألا إن هدى لينين هو الهدى».
  • عدد العلماء الذين قتلهم الشيوعيون أو سجنوا أو شردوا يقدر بحوالي ١٥٠ عالمًا معظمهم كانوا قد تجاوزوا الستين عامًا.

كان الاستعمار البريطاني لعدن ومحمياتها ينطبع فى وجدان اليمنيين بصورة جيش صليبي، وظل المواطنون حتى آخر لحظة لعهد استعماري استمر ۱۲۹عامًا، يصفون جنود بريطانيا بأنهم «نصارى» قبل أى شيء آخر وطوال الـ «۱۲۹» عامًا فشلت كل جهود التنصير البريطانية في تحقيق نتيجة ما.. بل إن الشخص الوحيد الذي اعتنق النصرانية-  وهو د. عفارة - كان يجد من يقول عنه إنه فعل ذلك من أجل الأموال فقط!

وعندما بدأ القوميون نضالهم المسلح ضد الوجود البريطاني فى جنوب اليمن، كان البعد الديني واضحًا فى منطلقهم الجهادي، حتى كان العلمانيون فى مستعمرة «عدن» يصفون الثورة المسلحة بأنها حركة دراويش. 

وفى الخطاب الإعلامي للجبهة القومية كان الحديث بارزًا عن الجهاد والإستشهاد ويتصدر كل منشور الآية الدائمة.. ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ (سورة الأحزاب آية 22)... إضافة إلى بسم الله الرحمن الرحيم التى صارت من المحرمات فى عهد سيطرة الشيوعيين!

وعلى صعيد الأفراد، فقد كانوا بشكل عام يحرصون على العبادات وقد كشف بعض المقاتلين في ندوة صحفية قبل سنوات أن منفذي العمليات القتالية ضد جنود الاحتلال.. كانوا يحرصون على أداء ركعتين لله تعالى فى المساجد قبل تنفيذ المهمات وبعدها.

 وفي القوافل الأولى للمقاتلين المنضمين للجبهة القومية. كانت هناك العديد من العناصر التي كان لها ارتباط بالشخصيات الإسلامية المشهورة. وقد روى بعض قدامی المناضلين لكاتب هذه السطور أنهم كانوا يمثلون فصيلًا إسلامًيا داخل الجبهة القومية.. وكانوا يقدمون تقارير دورية عن أعمالهم لبعض العلماء مثل - الشيخ محمد عبد الرب جابر رئيس فرع الإصلاح بعدن حاليًا.

ولعل مما يؤكد تلك المعاني المذكورة السابقة، تلك المكانة الكبيرة التي كان يتبوأها الشيخ محمد بن سالم البيحاني فى قلوب المقاتلين حتى إنه ذهب. وهو الشيخ الأعمى،  إلى مناطق الاقتتال الأهلي عام ١٩٦٧ وأطلق عدة نداءات عبر مكبرات الصوت في المساجد داعيًا المتحاربين إلى حقن الدماء وإيقاف القتال. 

محنة الهلال

وفى المرحلة الأولى من حكم القوميين بعد الحصول على الاستقلال ٦٧ - ١٩٦٩ م.. لم يحدث شيء يوحي بعداء ضد الإسلام والعلماء والدعاة إلى الله.. لكن الزحف الشيوعي للسيطرة على السلطة كان قد أعلن عن أهدافه ونفذ بعض الخطوات لتحقيقها، الأمر الذي جعل الإسلاميين يدقون ناقوس الخطر.. وإن كان الوقت قد كان متأخرًا جدًا، ولاسيما بعد فشل حركة العقيد حسين عشال - رحمه الله - المعروفة بحركة ٢٠ مارس ١٩٦٨م.

 وعندما نجح الشيوعيون داخل الجبهة القومية فى السيطرة على السلطة فجرت نشوة الانتصار السدود الخفية التي كانت تختفي وراءها النزعات الإلحادية.. وبدأت التعبيرات الماركسية تجد طريقها عبر أكثر من وسيلة مثل الصحف والمحاضرات.. وظهرت الصحيفة الناطقة باسم الحزب يوما ما بعنوان كبير يقول: «ألا إن هدى لينين هو الهدى» وفى تلك الفترة شهدت «عدن» ما يشبه الغزو الماركسي، وانتشرت الميداليات التي تحمل صور «لينين» أو «ماو» وتدفقت آلاف الكتب التي تبشر بالشيوعية مطبوعة على ورق مصقول وبصورة جذابة.

وكان لابد أن يحدث عندها الصدام بين الإسلاميين والشيوعيين فكانت حادثة إغلاق المركز الثقافي الإسلامي الذي كان يرأسه د محمد علي البار.. وتبعها اختلاق وجود مؤامرة أبطالها الإخوان المسلمون حيث تمت اعتقالات للعناصر الإسلامية وفى مقدمتها الأستاذ المرحوم عمر طرموم أحد رواد الحركة الإسلامية والوطنية فى اليمن!

أما علامة الجزيرة العربية الشيخ محمد ابن سالم البيحاني فقد اشتدت المضايقات ضده حتى اضطر إلى الخروج من «عدن» والاستقرار فى «تعز» كما تم إغلاق المعهد العلمي الإسلامي الذي رعاه البيحاني ومولت بناء دولة الكويت وأميرها الراحل الشيخ صباح السالم الصباح.. وفيما بعد تحول المعهد الإسلامي إلى مبنى لوزارة الداخلية.. وما يزال!

 وأثناء أحداث الهيجان الثوري الماركسي فى يوليو - أغسطس ۱۹۷۲م واجه العلماء أقصى أنواع الإهانات والاعتقالات والقتل، والسحل بدون مراعاة أن معظمهم قد تجاوز السبعين وقد شهدت محافظتا «شبوة» و«حضرموت» أسوأ عمليات قتل العلماء، فيما كان الشيوعيون أكثر حذرًا فى «عدن» لوجود البعثات الدبلوماسية الأجنبية ولاتصالها بالعالم الخارجي بشكل أقوى من غيرها!

 وفي مناطق العوالق المشهورة أخرج المتطرفون الماركسيون العلامة أحمد بن صالح الحداد ٧٠ عامًا - بالقوة بالاشتراك فى مظاهرة تأييدًا لتحرير المرأة.. وبرغم أن الرجل رضخ للتهديدات إلا أن ذلك لم يشفع له... فأوثقوه بالحبال وسحلوه فى الطرقات وهم يهتفون: لاكهنوت بعد اليوم.. واشترك الغوغاء فى الجريمة فضربوه على رأسه بالفؤوس و داسوه بالنعال حتى فارق الحياة.. ثم تركوه فى العراء يومًا كاملًا ومنعوا أسرته من أخذ جثته ودفنها!

وفي اليوم نفسه - من شهر سبتمبر ۱۹۷۲م أعاد الشيوعيون تنفيذ الجريمة فى العلامة أحمد عبد الله الكميتي المحضار أكثر من ٧٠عامًا - وبالأسلوب نفسه في منطقة «نصاب».

وفى المهرة، استنكر العلامة «محمد عبد الرحمن الجيلاني عمليات قتل المواطنين من قبل الشيوعيين فذبحوها كما تم اعتقال العلامة «محمد الخطيب» إمام مسجد «حوف» وترحيله إلى «عدن» وعندما استنكر الشيخ سعد بن يحطب اعتقال «الخطيب» قتله الشوعيون بعد خروجه من المسجد وأمام جموع المصلين!

أما حضر موت فقد شهدت عمليات كثيرة لسحل العلماء وقتلهم أو اعتقالهم وتعذيبهم، كما اقتحم الشيوعيون مدارس العلم المعروفة بالأربطة وعاثوا في محتوياتها فسادًا.. وتم إغلاق كل من:

- رباط تريم الإسلامي العلمي.

-  رباط الشعر الإسلامي. 

- رباط غيل باوزير العلمي الإسلامي.

ويقدر بعض الباحثين أعداد العلماء الذين قتلوا - أو سجنوا - أو شردوا - بحوالي «١٥٠» عالمًا معظمهم من الذين تجاوزوا الستين عامًا. ..

أبرزهم.

  • العلامة حسين الحبشي ٦٧ عامًا.
  • العلامة علي سالمين بن طالب ٦٥ عاًما.
  • العلامة عبيد بن سند ۷۰ عامًا.
  • العلامة عامر بن عون ٧٠ عامًا.
  • العلامة عمر كعتوه ٦٩ عامًا.
  • الشيخ الجليل العطاس ٨٥ عامًا.

ومن منطقة «تريم» محمد بن حفيظ – محمد ابن طالب الجابري - فضل عبد الكريم الجابري: وفى منطقتي «تريم» و «شبام» ربط الشيوعيون عددًا من العلماء بعد قتلهم بالسيارات وطافوا بهم بالشوارع!

وفى «لحج» تعرض الشيخان : محمد عبد الرحيم بخش وعبد الكريم عبد الرحيم بخش إلى الاختطاف في ديسمبر ۱۹۷۲م عندما كانا يدعوان الناس إلى أداء فريضة الحج، ولم يعرف شيء عن مصيرهما حتى الآن.

اغتيال الباحثين فى عدن

وبرغم أن «عدن» لم تشهد الجرائم العلنية لاعتقال العلماء أو قتلهم، إلا أن العلامة محمد علي باحميش كان مصدرًا للإزعاج المستمر للنظام الشيوعي عبر خطب الجمعة التي استقطبت جماهير واسعة من كل مناطق «عدن» وكان الرجل جريئًا فى نقد الشيوعيين، بل لعله الوحيد الذي كان صوته يجلجل فى «عدن» من فوق المنابر دون خوف أو وجل وعندما منعوه من إلقاء خطبة الجمعة عمد إلى الدروس الليلية ينشر من خلالها أراءه الجريئة.. وفي نهاية المطاف قاد أحد الأشقياء المعروفين فى «كريتر» سيارة وحاول بها قتل الباحميش الذي أصيب إصابات بليغة وظل فترة يعانى من جراء ذلك الحادث حتى توفاه الله تعالى.

 وكما أسلفنا، فقد اضطر العلامة «البيحاني» إلى الخروج من «عدن» إلى «تعز» بعد أن تعرض إخوانه وتلاميذه للإعتقال...وعاش في «تعز» حزينًا مقهورًا لما آل إليه حال البلاد تحت قبضة الشيوعيين حتى توفاه الله في ١٩٧١م.

 وبالإضافة إلى ذلك فقد أغلق الشيوعيون جمعية المساجد والشؤون الدينية في منطقة «المعلا» ومعهد النور الإسلامي بالشيخ عثمان.

 ومن العلماء الذين لاقوا صنوف الاضطهاد فى «عدن» إمام مسجد الروضة الذي كان يمتاز بقدرته على تعليم الطلاب الضرب على الآلة الكاتبة برغم أنه كفيف البصر وهناك أيضًا العلامة حسن الشاطري إمام مسجد «آبان» الذي ظل يتعرض لصنوف التهديدات والاعتقال حتى اضطر للهجرة إلى مكة.

وما يزال الشيخ محمد عبد الرب جابر يعاني من آثار التعذيب الذي تعرض له أثناء فترات اعتقاله وآخرها عام ۱۹۸۲ م حيث أصيب بشلل جزئي فى إحدى يديه - وإحدى قدميه.

المعركة الأخيرة

وفى العام الأخير من عقد السبعينيات بدأت بواكير الصحوة الإسلامية تجتاح الجنوب اليمني، وخاصة بين أوساط الشباب الذين امتلأت بهم المساجد، وانتشرت حلقات العلم بصورة مفاجئة في المدن والقرى على حد سواء.

وفى المدارس الثانوية استخدم الشيوعيون التهديد لإجبار الطلاب والطالبات على الاختلاط والجلوس فى مقاعد متجاورة بعد أن كان الطلاب يتجمعون في جانب من الفصل بعيدا عن الطالبات اللائي انتشر بينهن الحجاب الإسلامي بشكل مذهل! 

وفي النصف الأول من ۱۹۸۲م نظم الشيوعيون أكبر حملة اعتقالات ضد الإسلاميين استشهد على إثرها الشهيد نبيل مرشد وظل الباقون شهورًا طويلة إلى أن أفرجوا عنهم بدون أي محاكمة علنية.

وعندما تهاوى النظام الشيوعي في «عدن» في أعقاب أحداث ١٣ يناير ١٩٨٦م ازدادت مظاهر الصحوة الإسلامية بين الشباب بصورة مذهلة، مما جعل الشيوعيين يعقدون ندوة في 1987م لدراسة كيفية مواجهة التيارات الدينية المتطرفة حيث خرجوا بمجموعة توصيات تبدأ بمنع مجلة «ماجد» الإماراتية من الدخول إلى البلاد ومرورًا بتأكيد فرض الاختلاط فى المدارس وطرد المعلمين المتدينين.

 وقبيل تحقيق الوحدة اليمنية بشهور اعتقل مجموعة من الشباب المسلم في «عدن»  حضرموت فى مارس ١٩٩٠م بسبب احتجاجهم على تدريس الفلسفة المادية في المرحلة الثانوية وعدم احترام شعائر شهر رمضان المبارك.. كما وقعت صدامات السبب نفسه بين زملاء المعتقلين ورجال الشرطة  استخدمت فيها القنابل المسيلة للدموع!

وقبلها وفي أواخر فبراير ۱۹۹۰م تم عزل رئيس تحرير صحيفة ١٤ أكتوبر واثنين من زملائه بسبب نشر مقال يهاجم الإلحاد ويندد بأساليب التعامل مع علماء الإسلام أثناء فترة الهيجان الماركسي..

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 2

64

الثلاثاء 24-مارس-1970

نشر في العدد 14

42

الثلاثاء 16-يونيو-1970