العنوان الافتتاحية: دروس الغزو لا تزال غائبة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 24-سبتمبر-1996
مشاهدات 32
نشر في العدد 1218
نشر في الصفحة 9
الثلاثاء 24-سبتمبر-1996
ربما جاءت المناقشة البرلمانية يوم الثلاثاء الماضي الموضوع الغزو العراقي الآثم للكويت متأخرة بعض الشيء، لكنها كانت مناقشة مفيدة ومطلوبة نجح خلالها النواب في تسليط الضوء على حقائق مهمة.
واكتسبت هذه المناقشة التي تركزت حول التقرير التكميلي للجنة تقصي الحقائق، أهمية إضافية في الظروف الراهنة، حيث تعيش البلاد أجواء مواجهة لا تزال محتملة بين الولايات المتحدة والنظام العراقي.
هذه المواجهة قد تكون أكبر من الكويت في أدواتها السياسية والعسكرية، ولكنها يجب إلا تثني أحدًا عن المراجعة المستمرة لأحداث الغزو الآثم عام ۱۹۹۰م، والذي ما زلنا ندفع كل يوم ثمنًا له من مشاعرنا وأمننا وأموالنا
وأول ما نجحت المناقشة في التركيز عليه هو عدم قدرة الحكومة على الاعتراف بوجود أخطاء في سياستها الخارجية والأمنية في الفترة السابقة للغزو، وإصرارها على اعتبار أن قراراتها عشية الغزو كانت صحيحة ومدروسة.
وعدم الاعتراف بالخطأ سبيل مضمون لتكرار الأخطاء، والحكومة سعت دائمًا للتعامل مع معالجة النواب لحادث الغزو على أساس أنها مواجهة سياسية وإعلامية مع البرلمان، فذهبت إلى منع الصحف من نشر التقارير البرلمانية بشأن الغزو وبذلت جهودها لتسويق مناقشة هذا الموضوع ومنع تداوله في البرلمان في جلسات علنية وكان الحديث عن الغزو واستذكار دروسه المهمة عملية محرجة للحكومة رغم قرارها «الصحيح والمدروس» كما ذكرته الحكومة عشية الغزو، وبين يدي هذا الموضوع علينا أن نسطر جملة من الحقائق التي أشار النقاش البرلماني إلى عدد منها:
أولًا: أن البحث عن جوانب التقصير وتحديد المسؤولية عن أداء الحكومة الضعيف أمام التهديد العراقي أمر ضروري للنجاح في تلافي تكرار هذا الغزو في المستقبل.
ثانيًا: أن هذا البحث ليس عملية تصفية حسابات مع من كان في موقع المسؤولية عشية الغزو فالموضوع أكبر من ذلك بكثير، وضياع الكويت كان يمكن أن يصبح دائمًا لولا لطف الله وحكمته وتوفيقه، وامن الكويت واستقرارها مقدم على أي حسابات سياسية داخلية.
ثالثًا: أن الدروس الأمنية والعسكرية للغزو لم تستوعب بعد، والمؤسسة الدفاعية تشكو من الصفقات المشبوهة وتدخل القرار السياسي في عملية إعادة البناء، والجبهة الكويتية الداخلية تعاني من فوضى التركيبة السكانية واستمرار معضلة «البدون».
رابعًا: أن الاتفاقات الدفاعية مع الدول الكبرى قد تكون ضرورة للظروف التي خلقها العدوان العراقي على الكويت، لكن لهذه الاتفاقات ثمنها السياسي والمالي، وهي خيار يعطي الكويت فسحة من الزمن لإعادة بناء قواها الذاتية، ولكنها ليست حلًا دائمًا لمشكلة التهديد الخارجي.
خامسًا: أن وجود حكومات عسكرية إرهابية في الحكم مثل النظام العراقي عامل أساسي في نجاح الغرب والصهيونية في نشر الاضطراب والفتن والابتزاز في العالم العربي، وعلى دولة مثل الكويت أن تحذر هذه الحكومات، وألا تتورط في دعمها وبذل الأموال والمساعدات لها كما حدث مع النظام العراقي من قبل.
سادسًا: أن صلابة الجبهة الداخلية الكويتية وقدرة المجتمع الكويتي على مواجهة الصعوبات الأمنية أمران مرهونان بالتزام القيم الإسلامية وبناء صفات الرجولة وغرس تعاليم الإسلام في الشباب الكويتي.
وما لا يرضاه الكويتيون هذا السعي الشائن لنفر من العاملين في الحكومة لترويج مظاهر الميوعة والتحلل في المجتمع، وسعي بعض الكارهين للدين إلى عزل النشء الجديد عن مبادئ الإسلام وقيم الشجاعة والبطولة في تاريخنا والترويج لقيم الإنسان الغربي بدلًا منها على زعم أن لهذا الإنسان الفضل في حماية الكويت من نيات النظام العراقي.
ووجدنا أنه في الوقت الذي طلبت فيه الحكومة من النواب مراعاة الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد، وعدم الحديث علنًا عن أحداث الغزو، فإن هذه الظروف الدقيقة، لم تمنع السلطات المختصة من السماح لسيل من «الفنانات» و«المطربين» في التدفق نحو البلاد، وكأن الرقص والغناء أصبحا عدتنا في مواجهة التهديدات والمخاطر العسكرية لأمننا واستقرارنا.
إننا ندعو القيادة السياسية للبلاد، وهي تبذل جهودها مشكورة في معالجة الأوضاع الحالية الناتجة عن اعتداءات الطاغية العراقي على شعبه أن تعود إلى دروس الغزو وتعمل على الاستفادة منها، فليست أليست هي طرفًا في هذا الأمر ضد مجلس الأمة، فالحكومة والمجلس ذراعان لهذا الوطن في مواجهة الطاغية الأليم، وعدونا هو هذا النظام وجيوشه المجرمة ومن يقف وراءهما، ويتآمر معهما الترويع شعوب المنطقة، وإدامة الاضطراب والخوف والابتزاز فيها.