; دوافع الضجة الإسرائيلية حول التعاون النووي بين العراق وفرنسا | مجلة المجتمع

العنوان دوافع الضجة الإسرائيلية حول التعاون النووي بين العراق وفرنسا

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 26-أغسطس-1980

مشاهدات 13

نشر في العدد 494

نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 26-أغسطس-1980

-سببان جوهريان يسربان الخوف إلى ساسة إسرائيل.
-الضجة تحمل دوافع سياسية تحاول إسقاط الدور الفرنسي في العالم الغربي.

الضجة الإسرائيلية:

تتعرض فرنسا لنقد موجع من أجهزة الإعلام اليهودية والأجهزة الإعلامية الدولية الموالية لليهود في العالم؛ ذلك أن أوساط الحكم في الحكومة الإسرائيلية أثارت ضجة كبيرة بسبب عزم فرنسا بيع مفاعل ذري وكميات من اليورانيوم المشع، وقد ادعت هذه الأوساط أن من شأن هذه الصفقة أن تمكن العراق من إنتاج قنبلة نووية في أقرب مما كان يعتقد.

ولعل هذه الضجة هي أكبر حجمًا من حقيقة التعاون بين فرنسا والعراق في المجال النووي؛ وذلك يعود إلى سببين:

الأول: هو حرص اليهود على عدم وصول الطاقة النووية إلى أي بلد عربي مسلم، فإسحاق رابين أحد زعماء حزب العمل في المعارضة الإسرائيلية قال في بث تلفزيوني داخل الأرض المحتلة موضحًا حقيقة الموقف اليهودي: «يجب أولًا وقبل كل شيء منع وصول أسلحة ذرية إلى الدول العربية، ويجب منع استخدام السلاح الذري أو تطويره بأية طريقة».

أما ثمار تمولان «اليهودية» العاملة مراسلة في باريس لصحيفة معاريف الإسرائيلية، فإنها حددت بوضوح أكثر سبب الخوف اليهودي، وطمأنت أصحاب الضجة بقولها بعد أن استعرضت أخبار الصفقة الفرنسية:
«إن عيون المراقبين الفرنسيين سوف تكون مفتوحة على الفرن العراقي -كما يقولون- كضمانة ضد الخوف من أن يقوم العراق بإنتاج القنبلة المسلمة».

وهذا القول يوضح تحديدًا واقعيًّا أن الخوف اليهودي هو خوف من مستقبل قد تساعد ظروفه على إنتاج قنبلة إسلامية. 

وخوف دولة اليهود وضجتهم لم تثِر على نظام أو دولة ما بقدر ما ثارت على مستقبل المسلمين؛ بهدف تحجيمه ومنعه من حالة التفكير بالعمل النووي ولو كان ذلك في الأحوال السلمية.

والذي يؤكد ما تذهب إليه هو ما ذهب إليه المراقبون وأشار إليه كل من نيوزويك والتايم الأمريكتين، من أن يدًا خفية تمتد إلى علماء الفيزياء النووية وتقتلهم سرًّا دون أن يعرف القاتل أو القتلة.

- فقد ذكر المراقبون الدكتورة سميرة موسى الكيميائية النووية المصرية التي قتلت عام ١٩٥٢ في حادث سيارة بالولايات المتحدة، بينما انزلق من السيارة زميل مصري كان يجلس بجانبها ثم اختفت معالمه نهائيًّا دون أن يعرف مصيره أو يبحث أحد عنه. 

- ويذكرون أيضًا الدكتور نبيل القليني المهندس النووي المصري الذي تلقى وهو في تشيكوسلوفاكيا سنة ١٩٧٥ مكالمة هاتفية، فهب خارج البيت لكي يعود إليه ويختفي نهائيًّا. 

-وأخيرًا فإننا نذكر الدكتور يحيى المشد العالم الذري المصري الذي يعمل في العراق، والذي وُجد في يونيو «حزيران» الماضي مقتولًا في ظروف غامضة في غرفة الفندق الذي نزل فيه بباريس.

الثاني: وهو أمر أثر في الموقف الإسرائيلي تأثيرًا بالغًا؛ حيث إن أي اتفاق مع بلدان العالم الإسلامي وفرنسا في المجال النووي يتعارض مع الاتفاق النووي بين فرنسا والحكومة الإسرائيلية، وقد ذكرت مجلة نيوزويك الأمريكية يوم ١١ أغسطس «آب» الجاري أن دولة إسرائيل هي أول دول المنطقة التي عقدت اتفاقًا نوويًّا مع فرنسا عام ١٩٦٥. 

والذي أغاظ إسرائيل هنا أن التطور الذري لدولة إسرائيل قد يخسر الخبرة الفرنسية إذا اتجهت فرنسا نحو الدول العربية نوويًّا في سبيل النفط.

- ففرنسا تسأل اليوم: لماذا تثير الحكومة الإسرائيلية هذه الضجة علمًا بأن العراق وقع عام ١٩٦٨ على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بينما لم توقع إسرائيل على ذلك؟

- وفرنسا نفسها تسأل: لماذا تُثار الضجة ضدها مباشرة علمًا بأن العراق قد تلقى مساعدات في المجال النووي من كل من البرازيل وإيطاليا؟

-ويرد الفرنسيون كما أشارت نيوزويك الأمريكية على لسان ديبلوماسي فرنسي: «إننا لا نريد قنبلة على الإطلاق، وعندما نسلم مفاعلًا نوويًّا لا يعني هذا أننا سلمنا قنبلة».

-عداء فرنسي إسرائيلي: 

ولم يكن هذا العداء وليد الاتفاق العراقي النووي حول تقديم المعونة النووية الفرنسية للأغراض السلمية، وإنما هو خلاف أقدم من هذا الحادث نسبيًّا، وقد يعود ذلك إلى عصر الجنرال ديغول الذي كان ينزع منزعًا استقلاليًّا عن الموقف الأمريكي نحو إسرائيل والقضية العربية مع اليهود. 

تقول لوموند الفرنسية في عددها الصادر يوم ۱۹۸۰/۷/۲۷: «لقد وصف وزير المواصلات الإسرائيلي سياسة فرنسا تجاه دولة إسرائيل بأنها معادية».

وتقول لوموند بهذا الصدد:

«لا توجد الآن نقطة لقاء واحدة بين السياسة الفرنسية والسياسة الإسرائيلية، وقد بدأ توتر العلاقات بين البلدين منذ عهد الجنرال ديغول، أما تسليم المفاعل النووي للعراق فهو أمر عدائي نحو إسرائيل في الاستراتيجية».

إذًا فالإسرائيليون يستغلون الآن موضوع المفاعل النووي والعلاقة بين فرنسا والعراق؛ في محاولة لإسقاط السياسة الفرنسية المهيمنة على المحور الأوروبي في السياسة الدولية وسياسة العالم بالنسبة لقضية الشرق الأوسط بخاصة.

الردود الفرنسية:

يعتقد الفرنسيون أن الإسرائيليين يريدون من هذه الضجة إدخال المزيد من القدرات النووية تحت ستار السباق إلى فلسطين المحتلة. 

ومن المناسب هنا أن نشير إلى ما ذكرته جريدة داخار اليهودية في الأرض المحتلة التي قالت: «من المناسب أن نعيد إلى الأذهان أن دولة إسرائيل التزمت مسبقًا بألا تكون البادئة بإدخال الأسلحة الذرية إلى المنطقة، ولكن التقدم نحو إنتاج قنبلة ذرية في العراق قد يؤدي إلى زيادة سرعة التزود بالأسلحة الذرية في المنطقة».

ومن هذه الفجوة يحاول الفرنسيون الرد على اليهود بأن أول أساس لمصنع إسرائيلي في هذا المجال، كانت قد قدمت الخبرة الفرنسية منذ عقدين على الأقل. 

وبذلك يدحض الفرنسيون حجة إسرائيل بأن فرنسا تضطر إسرائيل اليوم للدخول في سباق. 

ولعل الفرنسيون أشاروا في ردودهم إلى أن الهيجان الإسرائيلي يريد تنبيه الرأي العام العالمي والرأي العام الفرنسي لتشويه وجه السياسة الفرنسية. 

وإلا لماذا لم تحاول إسرائيل أن تستفز الولايات المتحدة للضغط على فرنسا ومنعها من التعاون النووي مع العراق؟

إن الرأي العام هو المطلوب. تقول صحيفة داخار الإسرائيلية بهذا الشأن:

«لا فائدة من أن تهدد فرنسا بالولايات المتحدة، فهذا التهديد لا يخيف فرنسا بشكل خاص، ويجب أن نركز جهودنا في المستقبل القريب على الرأي العام الفرنسي نفسه، وعلى الرأي العام في بقية الدول الغربية الحليفة لفرنسا».

ولما كان رجال الأليزيه يعرفون حقيقة الموقف اليهودي، فقد نبهوا الإسرائيليين من ناحية والرأي العام الفرنسي والغربي من ناحية أخرى إلى النقاط التالية:

1 - إن الكمية التي زودت بها فرنسا العراق من اليورانيوم مقدارها «١٥» كغ.

2 - إن هذه الكمية واستخداماتها سيكون للأغراض السلمية فحسب؛ وذلك بضمان الرقابة الفرنسية الأكيدة.

3 -إن العراق وقَّعت على معاهدة عدم انتشار أسلحة نووية، وأن أي هيئة -كما تقول مجلة التايم الأمريكية- من المفاعل النووي الفرنسي تخضع لمراقبة وكالة الطاقة النووية قبل التسليم.

وقد أشارت التايم إلى أن بعض خبراء الطاقة الدولية زارت موقع المفاعل النووي العراقي عدة مرات في السنة الماضية، وهناك فيديو أوتوماتيكي وجهاز تصوير يسجِّل كافة تحركات المفاعل.
التايم الأمريكية ۱۹۸۰/۸/۱۱

الموقف الغربي:

لقد أدلَت بعض الدول الغربية بموقفها من مسألة تزود العراق بمفاعلات نووية.

تقول مجلة التايم: 

«إن الحكومة البريطانية لها رأيها في مسألة الصفقة، وخبراء بريطانيا يهتمون بها، ويخاف بعض المسؤولين البريطانيين من أن التعاون النووي بين العراق وفرنسا وإيطاليا والبرازيل سيجعل دولة العراق حرة في تصرفها واختيارها».

وعن الموقف الأمريكي تقول مجلة نيوزويك الصادرة يوم ۱۹۸۰/ ۸/ ۱۱: «إن الولايات المتحدة حافظت على ملاحظاتها سرًّا، فواشنطن لم تعارض الاتفاقية الفرنسية أو الإيطالية مع العراق».

وإذا كانت باكستان تستطيع القيام بتجربة نووية بعد خمس سنوات، فإن نيوزويك تبلور الموقف الأمريكي بأنه مشغول «بالحركات الباكستانية للحصول على أسلحة نووية منذ أن قامت الهند بتفجيرها النووي عام ١٩٧٤».

أما العراق فلا يمكن -بحسب التصور الأمريكي- أن يصل إلى تلك المرحلة قبل نهاية الثمانينيات.

الرابط المختصر :