العنوان دور المجامع الفقهية
الكاتب الشيخ نادر النوري
تاريخ النشر الثلاثاء 20-ديسمبر-1988
مشاهدات 13
نشر في العدد 896
نشر في الصفحة 37
الثلاثاء 20-ديسمبر-1988
لقد جاء الإسلام الحنيف نظامًا اجتماعيًا كاملًا يقوم على عقائد ثابتة، وأخلاق فاضلة، وأفكارًا سوية، وأعمالاً نافعة، تجتمع كلها لتؤسس قواعد اجتماعية حكيمة دقيقة، تمتزج فيها المثالية السامية بالواقعية الملموسة التي تتصل بدنيا البشر وحياتهم اتصالًا وثيقًا؛ حتى إنه ليحول كثيرًا من هذه القواعد النظرية إلى أعمال يومية في غاية البساطة والسرور. ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (المائدة: 6)..
وطريقة عرض هذه الأحكام الإسلامية على الناس تختلف ولا شك باختلاف الأزمان والبيئات والعقول والمدركات، وبخاصة فيما يتصل بالشؤون الاجتماعية والسياسات المدنية، فلذلك اجتهد كل أهل زمان بالكشف والاستنباط والتدوين والكتابة، وطريقة التأليف والعرض، بما يتفق مع أسلوب عصرهم ومعارف زمانهم وبحسب ما تعرضوا له من مشکلات ونوازل.
ومع تغير أوضاع الحياة باستمرار، ومع أن الزمن يدور دورته دائمًا، ولا ينتظر المتخلفين، فقد تجددت في المجتمع الإسلامي بحكم التطور الدائم والتغير الدائب أوضاع وصنوف من التعامل والصلات لم تكن من قبل، فوقف أمامها المؤمنون بالإسلام حائرين، لا يدرون ما حكمه فيها، وما نسبتها إليه، فأعمال البورصة والبنوك المختلفة والتأمين على الحياة، والأسهم والسندات في الشركات، وتداول العملات، وعمليات القطع، وصور المبايعات الجديدة، والنظم السياسية الناشئة التي تقوم على الحزبية، أو سُلطة الحاكم، أو حق الأمة، إضافة إلى الركام الجديد الذي ورثه المسلمون من تقليدهم للحضارة الغربية خيرها وشرها، كل هذه أمور صارت تشغل أذهان الجماهير والشعوب في هذا العصر، وتتصل بواقع حياتهم ولا غنى لهم عن معرفة موقف الإسلام منها.
كل ذلك والعلماء المختصون بالتحقيق والتمحيص يرون وينظرون ويسمعون، ولا يفعلون شيئًا: إما أن الكثير منهم يرى أنه لا فائدة في الاهتمام بمسائل نظرية تجري العمليات فيها على نمط غير إسلامي، فلا فائدة من إظهار رأي الإسلام فيها وهو خطأ ولا شك، فمهمة العالم البيان ومحاولة حمل أهل التنفيذ عليه؛ فإن عجز فقد أدى واجبه، وأعذر إلى الله، وإما لأنهم يرون بعد الشقة، وضخامة المجهود الذي يجب أن يبذل في البحث والمقارنة مع عدم تهيؤ وسائل التعاون، وانصراف الحكومات والهيئات العلمية المتخصصة عن التفكير في ذلك، واشتغالها عنه بمشاكلها الخاصة، وهو تقصير لا بد أن يتدارك مهما كلفنا من ثمن، وهكذا نرى أن أحكام الإسلام قد أهملت، وعواطف المؤمنين كادت تخمد بين حيرة وتقصير كان عنهما الجمود والحرمان.
فنرجو من المجامع الفقهية أن توجه جهودها إلى هذه الناحية، وأن يتولى الحريصون الحث والتشجيع؛ حتى نستقبل النهضة الإسلامية المنشودة التي قاعدتها الشرع، ولا يمكن أن تقتنع الحكومات التي لا تعرف من الإسلام إلا الطقوس، حتى تبرز الشريعة كنظام صالح للتطبيق في كل زمان ومكان، بحُسن عرضها، والكشف عن دررها وجواهرها، بدلًا من هذه الموجة الغامرة من التقليد الغربي في التفكير والثقافة، وفي التعليم والتربية، وفي نظام الحكم وأساليب السياسة، وفي التشريع والقانون، وفي المنزل والشارع، والمتجر والمصنع، وكل أوضاعنا الحيوية والاجتماعية، حتى أصبحت الشريعة المثالية أمورًا أثرية للنظر والعلم والتاريخ والعبرة!!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل