العنوان دور اليسار الأمريكي في المشكلة اللبنانية
الكاتب نبيه عبد ربه
تاريخ النشر الثلاثاء 22-يونيو-1976
مشاهدات 14
نشر في العدد 306
نشر في الصفحة 32
الثلاثاء 22-يونيو-1976
عند الحديث عن دور اليسار الأميركي في المشكلة اللبنانية لا بد أن نتطرق للحديث عن حقيقة - اليسار الأميركي - وأهدافه في المنطقة، كما نتطرق إلى أهداف الذين أشعلوا نار الحرب الأهلية في لبنان لأن ذلك يمكننا من الوقوف على صورة تقريبية لحقيقة الأحداث وخلفياتها في الوطن العربي كله: - فمن البديهيات المسلم بها أن أميركا وروسيا قد تعاونتا بعد الحرب العالمية الأولى على إيجاد إسرائيل فلما تحقق لهما هذا الهدف عام ١٩٤٨ قامت هاتان الدولتان بدور بارز لدعم هذه الدولة، فقد عملتا على مد إسرائيل بأسباب القوة والبناء من جانب: وعملتا على الإبقاء على الوطن العربي في حالة من الضعف والتفرقة والفوضى من ناحية أخرى وذلك حتى تصبح إسرائيل حقيقة واقعة تجبر العرب على الاعتراف بها والتسليم بالصلح معها ولذلك وجدنا أنه كلما انتهى الدور المحدد لإحدى هاتين الدولتين أسدل الستار عن فصل في هذه التمثيلية الاستعمارية ليبدأ فصل جديد بوجوه جديدة من أتباع وعملاء الدولة الأخرى: - قال مندوب الصين في -الأمم المتحدة -إن أساس مشكلتي الشرق الأوسط وفلسطين يكمن في التنافس الذي قام بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على خدمة الصهيونية، فبعد أن تواطأ الفريقان على قيام دولة إسرائيل اشتركا في مدها بجميع وسائل القوة البشرية والمادية حتى أن روسيا وافقت أخيرًا على إرسال ٦٠ ألف مهاجر يهودي إلى إسرائيل «1» وقد صرح السادات في مؤتمر القمة في الجزائر بقوله «إني أحب إيضاح ما يمكن إيضاحه الآن، وهو أن السوفيات هـــــم الذين نصحونا بالتوجه إلى واشنطن، وقد قال لنا كوسجين إن القوة القادرة على الضغط على إسرائيل هي الولايات المتحدة كما أريد أن أؤكد لكم أن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن جاءت بعد موافقة موسكو» «۲».
لقد سلكت الأجهزة الروسية والأميركية طرقًا مختلفة لتحقيق هذا الهدف، منها إيجاد الأحزاب القومية والاشتراكية في دول المواجهة وتسليمها مقاليد الحكم هناك، وليس غريبًا أن تسمح روسيا لأميركا باستغلال المبادئ الشيوعية ما دام في ذلك مصلحة لإسرائيل فهاتان الدولتان تلتقيان التقاء تامًا لتحقيق هذا الهدف فلا يهمهما بعد ذلك أن يتحقق هذا عن طريق روسيا أو أميركا، ومن هنا نشأ في الوطن العربي ما يسمى «باليسار الأميركي» وهو مجموعة الأحزاب والحكام الاشتراكيين الذين ينطلقون من المبادئ الاشتراكية والشيوعية وفي نفس الوقت يسيرون وفق توجيهات المخابرات الأميركية ويعملون على تنفيذ مخططاتها يقول «مايلز كوبلاند» في كتابه «لعبة الأمم».
«لذلك لجأت السفارات الأميركية والبريطانية في الوطن العربي إلى تشكيل طوابير يسارية عربية – المفروض فيها أن لا تكون من أولاد موسكو - في الأحزاب اليسارية العربية بل تكون من نوع يساري لا يخضع لسلطة السوفيات» «والخلاف فقط بين السوفيات وبين الأمريكان والبريطانيين كان على اختيار الخيول العربية الصالحة للإطاحة بالعناصر الرجعية فبينما حرص - ستالين - على المراهنة على الخيول الشيوعية العربية، نشطت خيول عربية أخرى من نموذج الذين أسسوا حزب البعث في دمشق والذين أسسوا الخلايا اليسارية غير الشيوعية في مصر والعراق والسودان».
فحزب البعث العربي الاشتراكي واحد من أحزاب اليسار الأميركي، ولهذا ليس غريبًا إذا أن تعمل المخابرات الأميركية على تسليم مقاليد الحكم في سوريا بينما نجد روسيا توعز إلى الحزب الشيوعي السوري للاتفاق والتنسيق مع حزب البعث ومد حكومته بأسباب القوة المادية والعسكرية فحينما نجحت المخابرات الأميركية في انقلاب - حسني الزعيم - في سوريا عام ١٩٤٩ لم يكن يعلم بخطة الانقلاب غير زعيم حزب اشتراكي – أكرم الحوراني - وكان أمين سر حسني الزعيم كما قام - ميشيل عفلق - بإرسال رسالة تهنئة إلى حسني الزعيم يهنئه فيها بنجاح الانقلاب ويعده بالعمل معه والسير في ركابه، ومن الجدير بالذكر أن أكرم الحوراني هو مؤسس - الحزب العربي الاشتراكي - بينما يعتبر ميشيل عفلق مؤسس - حزب البعث العربي - وقد وحدا جهودهمـــــــا بتوجيه المخابرات الأميركية عام ١٩٥٣ فدمجا الحزبين في حزب واحد عرف باسم -حزب البعث العربي الاشتراكي - وهو الحزب الحاكم في سوريا الآن.
ومن أبرز المنطلقات العقائدية لليسار الأميركي إيمانهم بأن - إسرائيل وجدت لتبقى - يقول الكاتب الصهيونـــــــــــي -هامباراجي - إنه التقى مع زعيم حزب البعث الاشتراكي – وقد تناقشت معه في موضوع التعايش السلمي بين العرب واليهود فلاحظت انسجامه معي في كثير من النقاط ذات العلاقة المباشرة بهذا الموضوع وكم كنت أرجو لو أن السيد «....» قال لي في العلن ما أسره في مجلس خاص أما - فنربروكوى العضو العمالي في مجلس العموم البريطاني فقد كتب في المجلة الإسرائيلية الاشتراكية - مجلة النظرة الجديدة - فقال «إنني اجتمعت إلى قادة حزب البعث العربي الاشتراكي من الذين درسوا النظرية الاشتراكية بجدية تامة فوجدت أن لديهم فهمًا صحيحًا للمبادئ الاشتراكية، ويجب على الاشتراكيين الإسرائيليين أن يكونوا أول المرحبين بهذا الحزب» ثم يبين الكاتب رأي «ميشيل عفلق في إقامة اتحاد بين الدول العربية وإسرائيل فيقول «إن الأستاذ عفلق - الأمين العام لحزب البعث الاشتراكي - قد قال لي وللدكتور «توزر» أنه على استعداد للدخول في مناقشات مع الاشتراكيين اليهود على أساس اتخاذ عمل مشترك لإقامة اتحاد اشتراكي للشرق الأوسط، والأستاذ عفلق يقول بكل صراحة أن الشعب اليهودي جاء إلى الشرق الأوسط ليبقى فيه»
فالبعثيون يؤمنون بالتعايش السلمي بين العرب واليهود ولهذا ليس غريبًا أن تجدهم يساهمون في انتصار إسرائيل عام ١٩٦٧ فيسحبون جنودهم من الجولان قبل وصول الجيش الإسرائيلي لها ويعلنون عن سقوط القنيطرة قبل سقوطها بأيدي اليهود بساعات طويله، وقد صرح - أبا إيبان - في الذكرى الرابعة لحرب حزيران بأنه لا يمكن أن يكون هناك أدنى شك بأن حرب الأيام الستة قد ولدت في دمشق وموسكو قبل أن تصل إلى القاهرة - «1» ولهذا قال مسؤول ثوري كبير لأحد كبار الأميركيين - ألم يكن اتفاقكم مع كوسجين في حرب ٦٧ على منع إسرائيل من إسقاط الأنظمة الثورية في العواصم العربية على الرغم أنه لم يكن أمام إسرائيل أيه عقبة تمنعها من القضاء على هذه الأنظمة»
«۲» وليس غريبًا بعد ذلك أن يوجد في قيادة حزب البعث الكثير من اليهود أمثال «أیلیا کوهین» و «محمد رياح» وغيرهما ممن اكتشف أمرهم صدفة ولولا ذلك لبقوا يعملون في صفوف البعثيين لتحقيق أهداف الصهيونية، ولأن اكتشف «كوهين» صدفة بأنه عميل يهودي في حزب البعث فإن مما لا شك فيه أن هناك الكثير من أمثاله اليهود لا يزالون يعملون عن طريق حزب البعث على تنفيذ المخططات الاستعمارية المرسومة لهم.
أما بالنسبة للحرب اللبنانية فإن من أهم أهدافها - تصفية العمل الفدائي - في لبنان لأن الظروف الحالية تتدافع نحو إيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية وإن الأنظمة العربية موافقة على هذا الحل، ولكن العمل الفدائي يقف عقبة في هذا الطريق، ولهذا كان لا بد أن توجد المشكلة اللبنانية في محاولة لاستنزاف طاقة الفدائيين والقضاء عليهم أو على الأقل تطويعهم لكي يسيروا في ركاب الدول العربية نحو مؤتمر جنيف ليوقعوا وثيقة الصلح بين الفلسطينيين وإسرائيل.
ليس هناك أدنى شك بأن هناك مؤامرة عربية بدأت قبل أيلول عام ۱۹۷۰ للقضاء على العمل الفدائي ساهم فيها الرجعيون واليسار الأميركي مساهمة فعالة- فقد سمحت الدول العربية للعمل الفدائي بالانطلاق بعد عام ١٩٦٧ لكي تمتص الثورة الشعبية العربية التي كانت تتوق للحرب والثأر، وقد أدرك الحكام العرب بأن ثورة الشعوب هذه إذا لم تجد لها متنفسًا فإنها ستتوجه إليهم بالذات لأن أصابع الاتهام بالخيانة كانت قد وجهت إليهم، ولكن بعد أن هدأت ثائرة الشعوب العربية عملت الدولة العربية متضامنة على إيقاف العمل الفدائي عند حد معين لا يكون فيه خطرًا عليها ولا يشكل عقبة على التزاماتها للأسياد، فهذا عبد الناصر يقول لمجلة - التايم - عدد نيسان- ٦٩ -بأنه يرغب في أن تسارع الدول الكبرى في حل قضية الشرق الأوسط قبل موعد لا يتجاوز ثلاثة أشهر لأنه إذا تأخر الحل عن ذلك فإنه يصبح ليس بالإمكان السيطرة على المنظمات الفدائية - أما – محمود رياض-فقال لأحد قادة -فتح -بأن العمل الفدائي يجب أن لا تزيد قوته عن حد معين، وإلا سنضطر إلى إيقافه عند ذلك الحد بأسلوبنا الخاص ولو بالقوة هذا وقد نشرت مجلة - لومند دبلوماتيك - في شهر نوفمبر - ۱۹۷۱ مقالًا للدكتور -إدوارد سعيد - أستاذ العلوم السياسية بجامعة كولمبيا قال فيه: «إن دراسات سرية أميركية قامت بها الجامعة مع شركة «راند كوربوريش» ومؤسسة أديسون، ودوائر وزارة الدفاع أتاحت للولايات المتحدة الفرصة للانقضاض على الفدائيين وذلك باستخدام وتمويل جميع حكومات المنطقة التي يمكن أن تخسر في حالة تمكن الفدائيين من القيام بدورهم الثوري»
لقد ساهم البعثيون في سوريا مساهمة فعالة في تكبيل العمل الفدائي وتبديد طاقاته، فقد أصدروا عام ١٩٦٧ منشورًا إلى العاملين في الحزب يطلبون منهم الانضمام إلى- فتح - في محاولة للسيطرة عليها، وبنفس الوقت أنشأوا - منظمة الصاعقة - لكي تشاطر فتح القواعد الشعبية، ولكي يستعملها البعثيون - يومًا ما - لتصفية العمل الفدائي إذا تعذر تطويقه، ولما انسحب الفدائيون من الأردن تظاهرت سوريا باحتضانهم ولكنها عملت على تقييد العمل الفدائي فمنعته من الانطلاق من الأراضي السورية وأغلقت معسكراته ومكاتبه أكثر من مرة واعتقلت بعض زعمائه ولم يسمح البعثيون بوجود العمل الفدائي إلا بالمقدار الذي يخدم مصالحهم ولا يشكل عقبة على التزاماتهم.
فلم يجد الفدائيون لهم منطلقًا ينطلقون منه ويعملون بحرية إلا في لبنان، وهكذا استطاع المتآمرون أن يحصروا العمل الفدائي في دولة واحدة توطئة لاختيار الظروف المناسبة لتصفيته والقضاء عليه ولهذا أشعل هؤلاء المتآمرون -عربًا كانوا أم عجمًا - نار الحرب اللبنانية.
لقد حاول المتآمرون عدة مرات القضاء على العمل الفدائي:
*حاولوا الإيقاع بينه وبين اللبنانيين حتى يفقد الفدائيون الشعبية التي تساندهم وعندها يسهل على الجيش اللبناني ضربهم وتصفيتهم.
* وقاموا بتأسيس جيوش سرية من الموارنة وسلحوها بمختلف الأسلحة لكي تدعم الجيش اللبناني في معركته مع الفدائيين، ولكن خاب فألهم وطاش سهمهم حينما عجز هؤلاء عن منازلة الفدائيين أو الانتصار عليهم.
*ولهذا كان لا بد أن يتدخل – اليسار الأميركي - السوري للقيام بهذه المهمة، وقد تميز التدخل البعثي السوري في المشكلة اللبنانية بعدة مراحل.
تظاهرت سوريا في المرحلة الأولى بأنها لا ترغب في الزج بالفدائيين في المشكلة اللبنانية، ولكنها في الوقت نفسه كانت تستدرجهم بواسطة الموارنة للدخول في معركة مكشوفة فكانت تمد الموارنة بالسلاح والعتاد فيهاجمون معاقل الفدائيين والمسلمين، ومع ذلك احتفظ الفدائيون بضبط النفس وكان موقفهم دفاعي بحت في هذه المرحلة.
أما في المرحلة الثانية فلم يستطع الفدائيون الصبر على أعمال الموارنة حينما حاصروا مخيمات اللاجئين في بيروت فحصلت بينهم وبين الموارنة عدة معارك كان النصر فيها للفدائيين، فلما شعرت سوريا برجحان كفة الفدائيين تدخلت وأوقفت العمل الفدائي عند حده بإقامة هدنة حتى يستعد الموارنة لجولة جديدة.
أما في المرحلة الثالثة فقد كون الفدائيون مع القوى الوطنية وجيش لبنان العربي جبهة عسكرية قوية، وهذا طبعًا فيه خطر على مخططات الأسياد ولهذا بدأ التدخل السوري المباشر ضد العمل الفدائي، فمنعت سوريا عنهم السلاح والعتاد والمؤن بينما كانت البواخر الأجنبية تفرغ حمولتها من السلاح والعتاد في ميناء جونيه لتقوية الموارنة، ومع ذلك بقيت كفة الفدائيين هي الراجحة، فبدأ الجيش السوري يتدخل ضد الفدائيين تحت ستار منظمة الصاعقة والتي أعدتها سوريا لهذا الدور منذ عام ١٩٦٧ ولما بقيت كفة الفدائيين هي الراجحة نظرًا لأن معظم الفلسطينيين الذين يعملون مع الصاعقة تركوها والتحقوا بقوات فتح لهذا كان لا بد أن يتدخل الجيش السوري بشكل مباشر لتصفية العمل الفدائي بالشكل والكيف الذي يريده الأسياد في موسكو وواشنطن.
من المؤكد أن سوريا لم تدخل الحرب ضد الفدائيين إلا بعد أن ضمنت حدودها مع إسرائيل بتجديد عمل قوة الطوارئ في الجولان وقد باركت كل من تل أبيب وروسيا وأميركا فكرة التدخل السوري ودعمتها وجاء كوسجين إلى سوريا لينقل إلى البعثيين موافقته على ضرب الفدائيين.
ومن المؤكد أيضًا أن حربًا مباشرة ستقوم بين الفدائيين من جهة وبين الجيش السوري من جهة أخرى وسيطعن الفدائيون من الخلف من قبل الموارنة والاشتراكيين اللبنانيين، أما نتيجة هذه الحروب فلا نستطيع التكهن بها إلا أنه يمكن القول بأن سكوت الدول العربية على هذه المؤامرة جريمة لا تغتفر، لأن السكوت معناه الرضى والموافقة، وأن تصفية العمل الفدائي بداية مرحلة من الذل والاستعباد للعرب جميعًا لا يعلم نهايتها إلا الله.
وأخيرًا، فإنني أعتقد أنه في حالة فشل الجيش السوري في تصفية العمل الفدائي فإن الخطوة التالية ستكون من جانب إسرائيل، فيقوم جيش العدو بالاستيلاء على لبنان في محاولة جديدة للقضاء على المقاومة الفلسطينية حتى تزول آخر عقبة في وجه الحلول السلمية للقضية الفلسطينية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل