العنوان ديمقراطية الحركة الإسلامية. درس مهم من الأردن والجزائر
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر السبت 10-مايو-2008
مشاهدات 12
نشر في العدد 1801
نشر في الصفحة 5

السبت 10-مايو-2008
شهدتْ الحركة الإسلامية في كلًّ من الأردن والجزائر انتخاباتٍ جديدةً لقياداتها ومسؤوليها، وقد جسَّدتْ تلك الانتخابات صورةٌ مُشرقةٌ للممارسة الشورية والديمقراطية الحرة والشفافة والنزيهة، كما جسَّدتْ معنى فريدًا من معاني إعلاء مصالح الحركة، والسموّ بمعاني الأُخُوَّة، والتجرُّد للعمل في سبيل الله ونصرة دعوته فوق أي خلافاتٍ في الرأي مهما اتسعتْ أو علا صوتها.
ولئن كانتْ وسائل الإعلام -خاصَّةً العلمانية- المتطرفة قد توقفتْ أمام تلك التجربة المهمة والجيدة، ولم ترَ من مجرياتها سوى الخلافات أثناء التَّصويت، ثُمَّ التخويف من نتائجها بتقسيم الفائزين فيها بين حمائمٍ وصقور، وإطلاق حملةٍ من التخويف والترهيب من القيادات الجديدة،خاصّةً في الحالة الأردنية.
نقول: لئن كان هذا هو فعل وسائل الإعلام - خاصّةً العلمانية- فإنَّ من حق تلك التجربة الانتخابية أن تأخذ حقها من الإنصاف والاحترام والتقدير.
فهذه الانتخابات شهدتْ بالفعل تباينًا في الرؤى، وخلافاتٍ في الرأي كانتْ شديدةً خلال انتخابات المراقب العام الجديد للإخوان في الأردن، وكانتْ أكثر شدَّةً خلال المؤتمر الرابع لحركة مجتمع السِّلم في الجزائر، وذلك دليلٌ قويٌ على حيوية الحركة وامتلاكها قدرةً فائقةً على إدارة الحوار من جانب، وتوفُّر أجواء الحرية داخلها دون كبتٍ أو قهرٍ للرأي ودون تضييق على حرية الممارسة الشورية أو وجل أو تردد في اتخاذ القرار، فلم نسمع أو نقرأ ونحن نتابع وقائع الانتخابات في الأردن والجزائر عن قرارات تجميدٍ أو فصلٍ أو طردٍ، أو اعتداءاتٍ متبادلة، أو رشاوَى وصفقاتٍ لشراء الذِّمَم كالذي نشاهده ونتابعه داخل الكثير من الأحزاب في السَّاحة العربية، التي يظلُّ بعضها مطبقًا على أنفاس الناس في الحكم عشراتِ السنوات دون تغيير ديمقراطي، ولا ينقذ الناس منها إلا الموت، أو الانقلابات العسكـرية الدموية التي تضر أكثر ما تنفع! بينما ما نتابعه من انتخاباتٍ داخل الحركـة الإسلامية. وما جرى في الأردن والجزائر مؤخرًا يعد مثالًا واضحًا. يؤكِّد مبدأ التداول السِّلمي في قيادة العمل، وتجديد دماء تلك القيادة، وفي المقابل الرِّضا والقناعة والقبول من القيادات التي لم يقعْ عليها الاختيار، حتى وإن كانتْ في أعلى سُلَّم القيادة، وقد تابعنا مشاهدَ مؤثرةً تدلُّ على التجرد وإنكار الذَّات، واحترام الرأي الآخر، وتؤكد أنَّ وحدة الحركة ومتانة صفِّها أبقى من أي شيءٍ آخر، فعندما أٌعلنتْ نتائج انتخابات المراقب العام في الأردن وفوز الدكتور همَّام سعيد على المراقب العام السابق الأستاذ سالم الفلاحات بفارق صوتٍ واحد، فما كان من ( الفلاحات) إلا أنْ هنَّأ المراقب الجديد بكلماتٍ طيبةٍ بثتها القنوات الفضائية، مخيبًا بذلك آمال الذين ظلوا يراهنون على الانشقاق، وينفخون في «كير» الخلافات.
وفي الجزائر حدث مثال أكثر تجسيدًا لذلك عندما بلغ الخلاف أشُدَّه بين رأيين مثّل أحدهما «أبو جرة سلطاني»رئيس حركة مجتمع السِّلم. ومثل الرأي الآخر نائبه «عبد المجيد مناصرة». فما كان من عبد المجيد إلَّا الوقوف على منصَّة المؤتمر الرابع للحركة مُعلِنًا انسحابه وفريقه بالكامل من المنافسة لصالح «أبو جرة» وسط عناقٍ بين الاثنين، وبكاء من جميع الحاضرين، فسكت صوت الخلافات، وعلا مبدأ الأُخُوَّة، ووحدة الصف تحت لواء مصلحة الحركة العليا.
ولم يكن قيام عبد المجيد مناصرة بالانسحاب بناءً على تعليماتٍ فوقيةٍ أو صفقاتٍ بيئية؛ إنّما بناءً على تعليمات ضميره وتجرده وقدرته هو وفريقه على الانتصار على النَّفس، وقهر حظوظها، ووعيه الكامل بترتيب الأولويات، فعادتْ للحركة وحدة صفِّها، وسادتْ روح الأُخُوَّة الإسلامية بين الجميع.
ولا شكَّ أنَّ ذلك قطع أيضًا الطريق على الآلة الإعلامية التي ظلَّتْ تنفخ في نار الخلافات، وأخرس الألسنة التي ما فتئتْ تروِّج للشائعات.
تلك صورةٌ للممارسة الشورية الديمقراطية داخل الحركة الإسلامية، وتلك نماذجٌ عملية على حرية الرأي والتعبير داخلها، والقدرة على التداول السِّلمي، وتجديد الدماء..
وهي صورةٌ أكثر إشراقًا أمام صور الاستبداد، والبَغي، وتجميد الحياة السياسية والحياة العامة في كثير من البلدان الرازحة تحت جبروت أنظمةٍ لا ترعى إلًّا ولا ذمةً في شعوبها، وتسيمها من الكبت والعَنَت والدكتاتورية ألوانًا، وأسقطتها في أتون الفقر والجوع والتخلُّف..
ووضعتها في دائرة حاضرٍ مظلمٍ، ومستقبلٍ أكثر ظلامًا !! لكن دوام الحال من المُحال، فالأمل في الله لا ينقطع، ثم إنَّ الأمل في التغيير إلى الأفضل لا يخبو ولا يتوقف.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

