العنوان د. الرنتيسي الناطق باسم المبعدين للمجتمع: أحمل مسئولية بيت المقدس لكل مسلم
الكاتب أحمد منصور
تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1993
مشاهدات 16
نشر في العدد 1063
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 24-أغسطس-1993
الحالات المرضية والتعتيم الإعلامي والعودة للمفاوضات وموقف مجلس الأمن في قبولنا للعرض الأخير في العودة على دفعات.
نقيم في جبل العقارب والثعابين تزحف علينا من كل جانب، وخيامنا ممزقة، ونعاني من شح في المواد الطبية والغذائية.
نؤثر العودة إلى فلسطين المحتلة، حتى لو حكمت علينا سلطات الاحتلال بالسجن المؤبد.
ظل المبعدون الفلسطينيون في جنوب لبنان يرفضون كافة العروض التي طرحتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لهم بالعودة على دفعات أو اختيار مجموعات منهم للعودة دون سواهم، إلا أن العرض الأخير الذي قدمه مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي بإمكانية إعادة مائتي مبعد خلال شهر سبتمبر القادم، على أن يعود الباقون في نهاية العام، أعاد قضية المبعدين بزخم إلى ساحة الأحداث بعد إعلان المبعدين قبولهم لهذا العرض حول أسباب قبول المبعدين للعرض الإسرائيلي ومكانة القدس لدى المسلمين.
كان لنا هذا الحوار عبر الهاتف مع الناطق الرسمي باسم المبعدين الفلسطينيين الدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
المجتمع: ما الأسباب التي دعتكم إلى تغيير موقفكم بالنسبة لقرار العودة وقبولكم بالعرض الذي تقدمت به سلطات الاحتلال الصهيوني بأن يعود مائنا مبعد في شهر سبتمبر القادم، مع أنكم رفضتم كافة العروض السابقة التي لا تنص على العودة الكاملة للمبعدين؟
د. الرنتيسي: أولًا حتى هذه اللحظة نحن ندرس بعناية العرض الأخير الذي صرح به مكتب وزير الدفاع الصهيوني، والذي قال فيه بأنه يمكن لمائتي مبعد العودة في شهر سبتمبر القادم، على أن يعود الباقون قبل نهاية هذا العام، طبعًا بدأنا نفكر ونناقش هذا الأمر بجدية للأسباب التالية:
أولًا- هناك العديد من المستجدات تؤثر في قضيتنا تأثيرًا مباشرًا، وأدت إلى إضعاف موقفنا من هذه المستجدات عودة الوفد الفلسطيني المفاوض إلى طاولة المفاوضات للجولة التاسعة بالرغم من تعهداته السابقة بأنه لن يعود إلا بعودة المبعدين، وبالتالي ساهم مساهمة مباشرة في القضاء على قرار مجلس الأمن رقم (٧٩٩) ثم عودة الوفود العربية أيضًا كان له ذات التأثير السلبي على قضيتنا، وإضعاف موقفنا، هناك عامل طرأ على مدى ثمانية أشهر ونحن في أتون المعاناة، يتمثل في ظهور حالات مرضية زادت على المائة وكلها بحاجة إلى العلاج في مستشفيات، ولما كنا في هذا الموقع المعزول الذي لا سبيل لنا فيه إلى مستشفى كان هم المرضى همًا كبيرًا، لذلك فإن هذه العوامل أخذت بعين الاعتبار أثناء مدارستنا للطرح الجديد، كذلك موقف مجلس الأمن الذي سكت تمامًا عن القضية، وتجاهل تمامًا القرار (٧٩٩) وكما علمنا وسمعنا أن رئيس مجلس الأمن صرح بأن الصفقة الأمريكية الصهيونية هي تطبيق للقرار (۷۹۹) وأن مجلس الأمن يأخذ بها، مجلس الأمن أيضًا خذلنا ولم يطبق قراره، وكانعاملًا لإضعاف قضيتنا، من العوامل التي أثرت علينا أيضًا تأثيرًا مباشرًا التعتيم الإعلامي، والذي حدث بعد الجولة الأولى من الكريستوفر في المنطقة؛ حيث إن التعتيم كان كاملًا على مستوى العالم، وحتى على مستوى عالمنا العربي مما جعل قضية المبعدين في طي الكتمان والنسيان، وبالتالي كان ذلك يشكل تهديدًا مباشرًا لمستقبل عودتنا إلى وطننا، كذلك أخذنا بعين الاعتبار المناشدات والنداءات التي صدرت من أهلنا داخل الوطن المحتل، ومن خطباء المساجد في صلاة الجمعة الماضية، وكذلك المؤسسات الوطنية والإسلامية، كل ذلك أخذ بعين الاعتبار أثناء نقاش الموقف، ومن هنا جاء قرار المبعدين بالإيجاب؛ أي بقبول العرض الجديد الذي طرح من قبل مكتب وزير الدفاع.
المجتمع: هل سيكون لكم دور في تحديد أسماء الذين سيعودون إلى الأرض المحتلة، أم أن سلطات الاحتلال الصهيوني هي التي ستحدد الأسماء؟ وماذا ستفعلون إذا لم تتضمن القائمة أسماء المرضى الذين هم بحاجة إلى العلاج؟
د. الرنتيسي: الأسماء لن نحددها نحن، وستقوم سلطات الاحتلال بتحديد الأسماء، ولكن في نفس الوقت ومنذ أشهر وحتى يومنا هذا يكثف الصليب الأحمر الدولي اتصالاته مع سلطات الاحتلال من أجل عودة المرضى على الفور، وقد علمنا أن عددًا يزيد على الثلاثين مريضًا سيكون ضمن المائتي مبعد الذين سيعودون قريبًا، ونحن لا يمكن أن نتاجر بقضيةمرضانا، ونقف في وجه عودتهم وعلاجهم.
المجتمع: هل تقومون بالاتصال مباشرة بسلطات الاحتلال، أم عن طريق الصليب الأحمر فيما يتعلق بهذه القضية؟
د. الرنتيسي: بالنسبة لقضية المرضى فالاتصال يتم عن طريق الصليب الأحمر، أما بالنسبة للقضية العامة فلا يوجد اتصال بيننا وبين سلطات الاحتلال، وإنما يتم تبادل الرأي عبر وسائل الإعلام.
المجتمع: هل كان للقصف الإسرائيلي الأخير لجنوب لبنان دور في التأثير عليكم بالنسبة لاتخاذ قرار العودة؟
د. الرنتيسي: لا أعتقد أنه كان له دور كبير، لكن كان له بعض التأثير؛ حيث إن القرى التي كانت تحيط بنا كانت تمثل الشريان الرئيسي لإمدادنا بما نحتاج إليه من مواد تموينية وطبية، ومن هنا أصبح هناك ضعف شديد في هذا الشريان، وبالتالي ضاعف من معاناة المبعدين على الصعيدين التمويني والطبي.
المجتمع: هل يمكن أن تصف لنا بإيجاز الظروف المعيشية التي تواجهونها الآن؟
د .الرنتيسي: نحن الآن خيامنا بالية، ولم تعد تقي من برد أو حر، تستخدم سياسة التقشف أو التقنين لاستخدام ما لدينا من مواد تموينية لندرتها، المياه التي لدينا ملوثة، وقد تمكنا عبر الصحفيين من إرسال عينة للمختبرات داخل لبنان وجاءت النتائج بأن المياه ملوثة ولا تصلح للشرب ومن هنا نرى ظهور حالات مرضية باستمرار، نحن نقيم في جبل يسمى أم العقارب، وتحيط بنا أعداد لا حصر لها من العقارب التي تغزو الخيام، وكذلك من الثعابين وأكبر هم يشكل عبئًا على المبعدين هم المرضى؛ حيث إننا دائمًا نعيش هاجس الحالات الطارئة التي لا نعرف كيف سنتصرف فيها، کحالات القلب أو الزائدة الدودية أو الانسداد المعوي وما إلى ذلك، كذلك الحوادث حيث إننا نعيش في مناطق وعرة، وبالتالي فالحياة معاناة مستمرة تعمل على أن نؤقلم أنفسنا معها، ولكن المعاناة تتجدد يوميًا وبأشكال مختلفة.
المجتمع: هناك بعض المبعدين سيتعرضون لمحاكمات أو اعتقال على أيدي سلطات الاحتلال حال عودتهم إلى الأراضي المحتلة، وهم الآن أمامهم خيار طلب اللجوء السياسي إلى أي دولة وحماية أنفسهم من البطش الصهيوني والعودة إلى السجون الإسرائيلية، فهل تدارستم هذا الأمر وفكرتم فيه، أم أنكم تؤثرون العودة إلى الأراضي المحتلة مهما كان الثمن الذي ستدفعونه؟
د. الرنتيسي: الحقيقة أن المبعدين يؤثرون العودة مهما بلغ الثمن، وأنا شخصيًا سمعت قبل يومين من قبل سلطات الاحتلال بأنهم سيعتقلونني، ويوجهون إليَّ العديد من التهم، ورغم ذلك فإنني أعلن أنني سأعود إلى السجن المؤبد، فالحياة على أرض الوطن تستحق أن يدفع لها ثمن ولو كان باهظًا.
المجتمع: ما هو رأيكم في عودة الوفود العربية للمفاوضات بعد الاجتياح الإسرائيلي الأخير لجنوب لبنان؟ أم أن هموم المبعدين ومشاكلهم تحول بينكم وبين إبداء رأيكم في مثل هذه القضية؟
د .الرنتيسي: هم المفاوضات لا يستطيع أن يتجاوزه أي إنسان مهما بلغت همومه الشخصية؛ لأن المفاوضات ستحدد مصيرنا وخاصة مصير الشعب الفلسطيني، ومن هنا فإننا نرفض العودة إلى طاولة المفاوضات بعدما تكشفت النوايا الحقيقية للعدو الصهيوني بضربه لجنوب لبنان، وحصاره لشعبنا، وقبضه على الأطفال في فلسطين، وقصفه للبيوت بالصواريخ، وتدميرها على من فيها، ثم بزرعه المستمر للمستوطنات في بيت المقدس، لا أدرى في ظل كل هذه الممارساتكيف تعود الوفود إلى طاولة المفاوضات، أعتقد أنها بعودتها في ظل هذه الممارسات سيكون وضعها أضعف كثيرًا من وضعها في بداية المفاوضات، وهذا سيؤدي بالتالي إلى الموافقةوالتوقيع على الطرح الصهيوني دون النظر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، حق الشعب الفلسطيني في العودة، حق الشعب الفلسطيني في دولته، حق الشعب الفلسطيني حتى في أرضه- كل ذلك سيحرم منه الشعب الفلسطيني إذا استمرت المفاوضات.
المجتمع: تصادف هذه الأيام ذكرى إحراق المسجد الأقصى على يد اليهود في الوقت الذي قدمت فيه منظمة التحرير تنازلات عن مدينة القدس ما هو تعليقكم على هذه التنازلات في هذه الذكرى؟
د .الرنتيسي: أولًا أقول إن هذه التنازلات لا تمثل الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن الشعب الفلسطيني يرفض أن يتنازل أحد باسمه هذا من جانب، من جانب آخر المقدسات ليست ملكًا لجيل ولا لشعب، وإنما هي ملك الأجيال المسلمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبالتالي لا يجوز لمنظمة ولا لدولة ولا لدين بكامله أن يتنازل عن بيت المقدس، ومن تنازل كان مرتكبًا مخالفة شرعية لا تمثل الأجيال المسلمة على الإطلاق، ومن هنا أرى أن مثل هذا الاتفاق لن يكون له رصيد على أرض الواقع، إنما هو حبر على ورق ولن يمثل الشعب الفلسطيني أو الشعوب المسلمة.
المجتمع: في الختام ما هو تعليقك على أبعاد عملية الاستقالات التي تقدم بها ثلاث من أعضاء الوفد الفلسطيني في الأسبوع الماضي؟
د الرنتيسي: لقد قلت قبل إن تسحب الاستقالات ونشر ذلك في صحيفة النهار اللبنانية في الصفحة الأولى بعد تقديم الاستقالات بيوم واحد- قلت إن هذا الخلاف بين الوفد والمنظمة خلاف متفق عليه، وأن الاستقالات لن تتم أي أن ما يجرى عبارة عن مسرحية تهدف إلى إعطاء الوفد المفاوض مصداقية، أو إضفاء الشرعية عليه، هذا ما قلته وهذا ما حدث بالفعل، وقلت إن هذه المسرحية ستؤدي إلى التعجيل في توقيع الاتفاق بين العدو الصهيوني وما يسمى بالوفد الفلسطيني المفاوض، وبالتالي حذرت الشعب الفلسطيني من أن تلهيه مثل هذه المسرحيات، وبالتالي ينسى حقيقة ما يجري من مؤامرة تحاك ضد فلسطين وبيت المقدس والشعب الفلسطيني.
وفي ختام هذا الحوار أريد أن أحمل مسئوليةبيت المقدس لكل إنسانمسلم ينطق بالشهادتين، وأقول بأنني سأكون حجيجه يوم القيامة إن قبل بالتفريط، أو هتف للتوقيع، أو حتى سكت عما يجرى؛ ففلسطين ملك للمسلمين كما ذكرت، فالمسلم الذي يقيم حتى في الصين سيسأل عن القدس وعن مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففلسطين أمانة في عنق كل مسلم، وأذكر بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله سائل كل راع عما استرعى حفظ أم ضيع».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل