; رؤية اقتصادية: خواطر اقتصادية من خطبة حجة الوداع | مجلة المجتمع

العنوان رؤية اقتصادية: خواطر اقتصادية من خطبة حجة الوداع

الكاتب د. حسين شحاتة

تاريخ النشر الثلاثاء 23-أبريل-1996

مشاهدات 31

نشر في العدد 1197

نشر في الصفحة 55

الثلاثاء 23-أبريل-1996

ألقى رسول الله ﷺ في حجة الوداع التي أتى إليها الألوف المؤلفة من المسلمين؛ ليحجوا مع رسول الله خطبة شاملة جامعة تتضمن الدروس والعبر العقائدية والخلقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، سوف نركز على ما ورد بها من جوانب اقتصادية؛ لنستنبط منها بعض أسس الاقتصاد، ولنوضح للناس أن الإسلام نظام شامل ومنهج حياة.

1- تحريم الاعتداء على المال:

قال الرسول ﷺ في خطبة الوادع: «يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا، وأنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت»، فيؤكد رسول الله ﷺعلى حماية المال والمحافظة عليه، وتحريم الاعتداء عليه سواء من الأفراد أو من الحكومات؛ لأن المال هو قوام الاقتصاد والحياة، فإذا تم الاعتداء عليه هرب من مجال النشاط الاقتصادي، وتعطلت الأعمال، وحدث الخلل بين دروب الحياة الاقتصادية، وفي هذا تأكيد على وجود الملكية الخاصة للمال في النظام الاقتصادي الإسلامي.

2- المساءلة عن الأعمال ومنها المالية:

يوضح الرسول أن كل مسلم سوف يلقى الله- عز وجل- وسوف يسأله عن أعماله، ومنها المعاملات المالية فيقول: «وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم»، ويزيد هذا الأمر وضوحًا قول الرسول ﷺفي مقام آخر: «لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: منها عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه»، وبهذا يتضح أهمية قاعدة محاسبة المسؤولية، سواء في الدنيا بواسطة الفرد، أو بواسطة الغير، أو في الآخرة عندما يقف الفرد أمام الله - عز وجل- للمحاسبة والجزاء، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا.

3- تأدية الأمانة:

ورد في خطبة حجة الوداع أيضًا قول الرسول ﷺ: «فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها» وفي هذا تأكيد على أهمية رد الأمانات وترسيخ الائتمان في مجال المعاملات الاقتصادية فلا اقتصاد بلا أمانة، ولقد ورد في الحديث القدسي: «إن التاجر الصدوق الأمين يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة».

4- تحريم الربا:

قال رسول الله ﷺأيضًا في هذه الخطبة: «وإن كل ربا موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم، لا تَظلمون ولا تُظلمون، قضى الله أنه لا ربا، وأن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله».

لقد وضح الرسول في هذه الخطبة ـ وهي آخر خطبة له في آخر أيامه ـ  أن الربا محرم تحريمًا قطعيًا، وأعطى نموذجًا عمليًا وهو المعاملات الربوية التي كان يقوم بها عمه العباس بن عبد المطلب.. وذكر الرسول لفظ «موضوع كله» للشمولية والعموم؛ حتى لا تكون هناك ثغرة ينفذ منها ذوو النفوس الضعيفة».

وليس هذا هو المقام لبيان الآثار السيئة للربا على الاقتصاد، ولكن لنوضح لبعض الناس الذين يزعمون جهلا وتجاهلًا أن رسول الله ﷺ قد مات ولم يحسم قضية الربا.

ضوابط اقتصادية من خطبة حجة الوداع:

تعتبر الأوامر السابقة من مقومات الاقتصاد الإسلامي، وهي التي تحقق للمجتمع الاستقرار والأمن والنمو وتحقق للأفراد الحياة الرغدة في الدنيا والفوز برضا الله في الآخرة، فلا يمكن أن يكون هناك اقتصاد تنموي بدون أن يكون المال في أمن، فالمال المهدد بالمصادرة والابتزاز والسرقة والاعتداء عليه لا يمكن أن يؤدي دوره في التنمية، كما أن إدارة الأموال بدون مساءلة أو رقابة أو ضبط يؤدي إلى السرقة أو الاختلاس أو إنفاق في غير الضروريات والحاجيات، بل ربَّما يوجه إلى إشباع الرغبات الشيطانية، وهذا يسبب الفساد وعدم الاستقرار.

كما أن الخيانة وعدم الوفاء بالوعود والعهود يسبب تعطل المعاملات، فالتاجر الصادق الأمين السموح القوي الفقيه له دور في تحقيق الرخاء الاقتصادي، ورحم الله التاجر السمح إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى.

وتعتبر المعاملات الربوية السائدة هي أساس من أسس ارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة، ولقد أكد على ذلك علماء الاقتصاد الوضعي أنفسهم، ألم يأن لأولي أمر المسلمين أن يطبقوا هدي رسول الله ﷺ؛ حتى يعيش الناس في أمن وأمان ورخاء واستقرار.

وتؤكد الخواطر السابقة أن الإسلام دين شامل لكل نواحي الحياة، فيه اقتصاد وسياسة وحكم، وخطأ ما يشاع جهلًا أو تجاهلًا بأن الإسلام دين عبادات فقط، ولا دخل له بنواحي الحياة الأخرى، ففي فريضة الحج ـ وهي شعيرة تعبدية كما يعتقد البعض  ـ نجد أن الرسول ﷺ قد تعرض فيها لمجموعة من الضوابط الاقتصادية؛ ليعلن للعالم من أكبر مؤتمر إسلامي للمسلمين أن الإسلام منهج حياة، وهو دين ودولة، ويجب على الحكومة أن تتخذ من الدين سندًا لها في إدارة شؤون الدولة.

ويؤكد هذا المعنى إلهام في أنه كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في موسم الحج فنزل قوله الله تبارك وتعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ (البقرة: 198)، وفي هذا قال المفسرون: ليس هناك حرج شرعي في مباشرة المعاملات الاقتصادية في موسم الحج، وبذلك تمتزج العبادات بالمعاملات.

ندعو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الخواطر الاقتصادية دستورًا نلتزم به في جميع أمورنا، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

الرابط المختصر :