; رحماء بالأعداء أشداء فيما بينهم | مجلة المجتمع

العنوان رحماء بالأعداء أشداء فيما بينهم

الكاتب المستشار سالم البهنساوي

تاريخ النشر الثلاثاء 17-نوفمبر-1981

مشاهدات 7

نشر في العدد 551

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 17-نوفمبر-1981

بتاريخ ۱۹۷۹/۱/۲۱ نشرت جريدة القبس الكويتية عن صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن الرئيس الأمريكي كارتر قد أمر أجهزة الاستخبارات بإعداد دراسة واسعة عن الحركات الدينية الإسلامية في العالم، وأن الإدارة الأمريكية مصممة على عدم السماح لمثل هذه الحركات أن يكون لها دور في مناطق الأزمات في العالم.

وبتاريخ ۱۹۷۹/۱۲/۷ كتبت صحيفة الإيكونومست أن الجماعة الإسلامية في الباكستان قد تسنى لها الحصول على أصوات كثير من الناخبين، وأصبحت تمثل واحدة من أعظم التجمعات السياسية نفوذًا، ومازال هدفها دولة إسلامية خالصة تحكمها الشريعة الإسلامية ثم أبدت الصحيفة أسفها؛ لأن هذه الجماعة يستمتع أعضاؤها بحصانة ضد الاعتقال.

وبتاريخ ۱۹۷۹/۱۲/۲٤ كتبت جريدة النهار العربي والدولي عن الدكتور عزيز الحاج أننا نشاهد اليوم ونسمع جرأة طائشة حاقدة على شتم الإسلام والتحريض الساخر على المسلمين الداعين إلى الإسلام.

هذه التصريحات وغيرها تتوالى مع أعمال ظاهرة وخفية لمنع المسلم المتمسك بدينه من أن يطالب باحترام هذا الدين في جميع أمور الحياة ويقابل هذا تفرق لدى القادة السياسيين بل لدى كثير من الدعاة المسلمين وهو ما قال عنه الشيخ أبو زهرة: «أننا في هذا العصر قد تفرقنا في كل شيء، تفرقنا في السياسة فتقطعت الدول الإسلامية أقاليم متنازعة–وأصبح ولاؤها لغير الله ورسوله والمؤمنين فصار لكل إقليم ولي من أعداء المسلمين الذين لا يؤلونهم إلا خبالًا.

وورثنا في هذا العصر التفرق المذهبي حتى أخذ بعضنا يكفر الآخر من غير حجة ولا بينة وصارت الآراء والأفكار عصبية تشبه العصبية الجاهلية، فابن الشيعي شيعي وابن السني سني يتوارث المذهب كما يتوارث الجسم واللون من الأب إلى ابنه.

وأهل كل مذهب يحسب أن مذهبه تراث لهم فقط وليس تراثًا للإسلام كله وإن اعتبره تراثًا للإسلام فإنه يتبع ذلك بأن مذهبه هو الإسلام وأن ما عداه انحراف لا يؤخذ به وضلال لا يلتفت إليه.

إن محو الطائفية والحقد يجب أن يكون غاية مقصودة؛ لأن الخلاف الطائفي والحقد يشبه أن يكون نزعة عنصرية والذين يريدون الكيد للإسلام يتخذون منها منفذًا ينفذون منه إلى الوحدة الإسلامية إن الطوائف الإسلامية يجب أن تتلاقى على محبة الله ورسوله وتحت ظل كتابه تعالى والسنة الصحيحة والمقررات الإسلامية التي علمت من الدين بالضرورة ولا مانع من أن تختلف آراؤنا ولكن يكون اختلاف آحاد في منازعة علمية ولا يكون اختلاف جماعات وطوائف تجعل الأمة الإسلامية متفرقة متنازعة يجب أن يعلم أن الخصومة في الدين غير الاختلاف المذهبي إن الاختلاف ينبعث من الفكر المستقل والخصومة تنبعث من التعصب الطائفي.

لا يعتقد معتقد أن الآثار الفقهية لمذهب الإمام زيد أو مذهب ابن أخيه الإمام جعفر الصادق تفترق في جملة ما اشتملت عليه من فقه افتراقًا كثيرًا تجعل المنازعة متباينة تمام التباين وحسب القارئ أن يعلم أن الصلة العلمية بين الأئمة أصحاب المذاهب التي انتشرت في الأمصار كانوا على اتصال بأئمة آل البيت- رضوان الله عليهم- فأبو حنيفة كان على اتصال بالأئمة محمد البكر وابنه محمد الصادق وعلى اتصال بالإمام زيد، وكان الإمام مالك- رضوان الله عليه- على صلة بالإمام جعفر الصادق وكان به معجبًا يقول ما رأيت محمد جعفر بن محمد إلا صائمًا أو تاليًا للقرآن.

هذه الخصومة قد أصبحت سمة ظاهرة لفئات ممن يحملون لواء الدعوة إلى الإسلام حتى أنست هؤلاء أن السمة الحقيقية للمسلم هي

 ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ

كما أنست هذه الفئات أن اختلاف وسائلها لا يستتبع أبدًا اختلاف غاياتها ولا يجعل كل فئة تظن أنها وحدها الفرقة الناجية وأنها وحدها جماعة الحق وما عليه أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم-.

فإن هؤلاء الصحابة قد اختلفوا في وسائل تحقيق الغاية التي ينشدها كل مسلم وهي مرضاة الله تعالى فيما أمر به أو نهى عنه.

لقد روى البخاري عن ابن عمر قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لنا لما رجع من الأحزاب لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر للنبي- صلى الله عليه وسلم- فلم يعنف واحدًا منهم.

وهكذا بلغ النبي- صلى الله عليه وسلم- اجتهاد الطائفتين، لم ينكر على أي منهما فدل سكوته على إقرار الاجتهاد في تنفيذ الأمر ولكن الفئات المختلفة في الوسائل تهدر هذا المنهج القويم بأسلوبها العملي وهو الخصام.

كما تجلى هذا المنهج فيما رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والدار قطني والحاكم عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة شديدة البرودة فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على رسول الله ذكروا ذلك، فقال- صلى الله عليه وسلم-: يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقلت: يا رسول الله ذكرت قول الله- عز وجل-:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا

(سورة النساء: ٢٩)

 ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا فتيممت وصليت فضحك رسولالله ولم يقل شيئًا.

بهذا السكوت أقر النبي- صلى الله عليه وسلم- التيمم عند الخوف من حصول ضرر من الماء، أما المرض بالجلد أو لبرد يضر الإنسان إذا استحم بهذا الماء.

كما يستفاد من اختلاف الصحابة في فهم قول النبي من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ومن اختلافهم في فهم قول الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا

(سورة النساء: ٤٣)

إن النبي- صلى الله عليه وسلم- أقر كل طائفة على اجتهادها في تنفيذ أوامر الشريعة وبالتالي فلا تفترض طائفة أنها وحدها الناجية وأن غيرها خصم لها، إن هذا الاجتهاد ليس في أصول الدين ومصادره، وليس جريًا وراء الأهواء والمصالح ومن ثم لا يجوز تأويل الفروع ووصفها بالأصول ليكون ذلك مبررًا للخلاف.

الرابط المختصر :