; رسائل الإخاء- فلسفة الخروج | مجلة المجتمع

العنوان رسائل الإخاء- فلسفة الخروج

الكاتب الشيخ نادر النوري

تاريخ النشر الثلاثاء 06-ديسمبر-1988

مشاهدات 25

نشر في العدد 894

نشر في الصفحة 57

الثلاثاء 06-ديسمبر-1988

من المعاني العميقة التي طواها النسيان مقالة كتبها الإمام الشهيد في مجلة الشهاب المصرية في العدد الخامس الصادر في غرة جمادى الأولى ١٣٦٧هـ الموافق مارس ١٩٤٨ بعنوان «أدب الخوارج» ص ٦٣ مبينًا فلسفة الخروج في تاريخ الجماعات والدعوات نختار منها بعض فقراتها يقول رحمه الله:

وإنما اخترت أدب الخوارج لأنه أدب قوم ذوي عقيدة وإن خالطها الكثير من الخطأ– وما أشد حاجتنا إلىأن نكون من أهل العقائد بعد أن طال عهد التحلل بالناس، وما أروع الإيمان على أية صورة برز وإن كان لا ينتج الخير إلا مع الحق. ولسنا نحاكم مذهب الخوارج ولا آراءهم بهذه الكلمات فأمرهم إلى الله، وقد أفضوا إلى ما قدموا، ولا تزال بقية كثيرة منهم تعيش في الوطن الإسلامي الفسيح وهم الإباضية في شمال إفريقية وفي شرقيها– ورأينا الذي نرجو من ورائه الخير لنا وللمسلمين ألا يكون الخلاف المذهبي سببًا للخصومة والفرقة بين طوائفهم وبخاصة إذا لم يؤد إلى تكفير أو قتال– ومن حسن الحظ أن في فقه الإباضية وأصول ما ذهبوا إليه من المرونة ما يسمح بالتقائهم مع غيرهم على «ما يصير به المسلم مسلمًا» من أصول الدين وقواعده الأساسية فيما تعلم وفي ذلك الكفاية. 

فرق الخوارج: وقد كان انتقاض الخوارج أول أمرهم وخروجهم سياسيًا مبعثه عدم موافقتهم على التحكيم في خلافة المسلمين، ومن ثم أنكروا ولاية الناس وقالوا: «لا حكم إلا لله» ورد عليهم أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه بقوله: «كلمة حق يراد بها باطل» نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، وأنه لا بد للناس من أمیر بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر. 

ثم تحولوا إلى خلافات دينية، وجدل في فروع المسائل والأحكام وصار لهم فقه خاص مصدره تحديد صلتهم بغيرهم من المسلمين وطريق معاملتهم إياهم، ورأيهم في الخلافة وفي حقيقة الإيمان وانتهى أمرهم إلى فرق أربع:

«الأزارقة» أصحاب نافع بن الأزرق. 

«والنجدات أو النجدية» أصحاب نجدة بن عامر و«الإباضية» أصحاب عبدالله بن إباض التميمي و«الصفرية» أتباع زياد بن الأصفر. 

وقد انقرضت هذه الفرق جميعًا إلا الإباضية فبقيتهم «بشمال إفريقية من الجزائر وتونس وفي شرقها وفي مسقط وما إليها» ومن علمائهم الإجلاء صديقنا الشيخ إبراهيم أطفيش ولهم كتب متداولة وهم ينكرون على غيرهم أن يطلق عليهم اسم الخوارج، ويقولون نحن فئة من المسلمين لنا آراؤنا وما ذهبنا إليه مع إيماننا بالله ورسوله وكتابه فما بالكم تفردوننا بهذا الوصف وتخصوننا به وهو اعتراض له وجاهته ولئن كان لهذه التسمية ما يبررها في الماضي فما أحوجنا أن نتناساها اليوم والمسلم أخو المسلم. 

فلسفة الخوارج: وليس غريبًا أن يخرج على الجماعة الصالحة بعض أفرادها وليس غريبًا كذلك أن يكون الكثير من هؤلاء الخارجين من خيار أبنائها وخلاصات رجالها فإن من خصائص الجماعة في كل عصر اختلاف الأمزجة وتضارب المصالح والأهواء ولا يقضي على المعنى الأول إلا الثقة التامة بالقيادة ولا يقضي على الأمر الثاني إلا الإخلاص الكامل والتجرد للغاية ولا يعين عليهما معًا إلا حسن الإدراك واكتمال الوعي وتمام النضج والتوازن بين الملكات، ومن هنا كان ملاك أمر الجماعة القوية الموحدة هذه الأمور الثلاثة: الثقة بالقيادة والإخلاص للغاية، وحسن الإدراك، ومتى عرض الضعف لواحد من هذه الثلاثة فقد تخلخل بناء الجماعة وكان عن هذا التخلخل ولا شك تخلف بعض الأفراد عن ضعف ثقة بالقائد، أو عن غلبة هوى عارض، أو عن سوء تقدير وفهم للظروف والمواقف ومقتضيات الأحوال. 

كانت الجماعة الإسلامية الأولى أقوى الجماعات التي عرفها التاريخ لأن القائد فيها رسول من عند الله- ضعف الثقة به كفران ولأن الجند فيها خلاصة المؤمنين وكملة أهل الإخلاص لله رب العالمين، ولأن أشعة الإيمان القوية أضاءت جوانب صدورهم وحنايا ضلوعهم فكانوا على نور من ربهم، وكان أحدهم إذا عرض له عارض من وسوسة أو سوء تقديراعتصم بإيمانه. والتجأ إلى ثقته بقيادته فاطمأن باله وسكن خاطره. 

وهؤلاء الذين خرجوا على -علي كرم الله وجهه- من الصنف الأخير لم تضعف ثقتهم به إلا قليلًا. ولم يخالطهم هوى أو غاية لأنهم آثروا أن يحملوا عبء التضحية والجهاد وحدهم بعد أن كانوا يحملونه مع غيرهم، ولكنهم خالفوا في تقدير الظروف ومقتضيات الحوادث ووقفوا دون رأيهم مكافحين. انتهى ملخصًا فأرجو أن يكون فيها عبرة وفائدة.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 246

35

الثلاثاء 22-أبريل-1975

نشر في العدد 1250

59

الثلاثاء 20-مايو-1997

نشر في العدد 524

20

الثلاثاء 14-أبريل-1981