العنوان رسالة الهند: القرآن الكريم.. نظرة طائرة حوله
الكاتب الأستاذ محمد ماستر
تاريخ النشر الثلاثاء 05-يناير-1971
مشاهدات 23
نشر في العدد 42
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 05-يناير-1971
القرآن الكريم كتاب لا كالكتب، أنزله الله لهداية الخلق جميعًا، على المسلمين أن يتعلموه ويعلموا أولادهم ويدعوا إليه الأجيال الناشئة، إنه دستور الحياة البشرية وأساس كل نجاح وفلاح، وهو منبع العلوم كلها، ومرجع الأحكام التي يحتاج إليها الإنسان في مسائل حياته، فيه أخبار الماضي وتطبيقات الحاضر وإرشادات المستقبل، إنما سعد سلفنا الصالحون بعيشهم في ظلاله، كان له عندهم قيمة عالية واعتبار كبير، واتخذوه قدوة لجميع أعمالهم وإمامًا في كل شؤونهم. فإن كان سبب نجاح سلفنا الصالح وسعادتهم هو القرآن، فذلك القرآن نفسه سبب خسارتنا وشقاوتنا نحن! لأننا لا نفهم أهميته وعلاقته بحياتنا؛ وأكبر عنايتنا به أنه نرضى بقراءة كلماته وحروفه فقط لا العمل به وبتعاليمه.
نعم لا ترى الأمة المسلمة القرآن دستورًا لحياتها ولا حلًا لمسائلها وهو كتاب يهدي إلى الحق من الباطل، وإلى النور من الظلمات.
هجرت الأمة دستورها المحكم الباقي ثم حامت حول الخرافات والترهات وتاهت في صحراء الإلحاد واللا دينية فأصبحوا أمة ميتة لا حركة بها ولا روح، بعد أن كانت أمة متحركة حية قادت العالم تحت رايتها الخافقة وساست الأمم بنبراس هذا الكتاب المنير.
فلا بد لنا إذن في هذا العصر الحاضر أن نصرف أنظارنا إلى قول الله عز وجل: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ (الفرقان: 30).
إن خاتم الرسل يشكو يوم الحساب إلى الملك الجبار قومه صلى الله عليه وسلم هجرانهم هذا القرآن، من هم هؤلاء القوم الذين هجروا القرآن؟ وجعلوه عضين؟ هؤلاء القوم هم الذين عاشوا في هذه الأرض بعد ما لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بربه الأعلى، والذين ما زالوا يعيشون إلى اليوم، والذين لما يلحقوا بنا.
والأستاذ سيد قطب يقول في تفسير هذه الآية: «لقد هجروا القرآن الذي نزل الله على عباده لينذرهم ويبصرهم، هجروه فلم يفتحوا له أسماعهم إذ كانوا يتقون أن يجتذبهم فلا يملكون لقلوبهم عنه ردًّا، وهجروه فلم يتدبروه ليدركوا الحق من خلاله ويجدوا الهدى على نوره، وهجروه فلم يجعلوه دستور حياتهم، وقد جاء ليكون منهاج حياة يقودها إلى أقوم الطريق: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾».
كيف هجرت الأمة هذا القرآن:
ثم إني أريد أن أوجّه أفكار القراء أحوال المسلمين الذين هجروا القرآن ونبذوه وراء ظهورهم ونبذوه من مراحل حياتهم وجعلوه كتابًا يتلى على الأموات لا على الأحياء.
القرآن والقبور!
نرى في بلادنا أقوامًا يقرأون القرآن لدى الميت وعلى القبر. ومن العجب أنه يتلى عليه أمثال سورة يس التي فيها إنذار للكافرين والمنافقين ووعيد لهم: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (يس: 70) لا يلتفت أحد عندما يقرأ هذه الآية إلى معناها ولا يقف أمامها لحظة أو لحظتين مفكرًا فيها، بل يقرؤها على الميت عاصيًا كان أو مطيعًا بعد آخر رمقة بعد فراقه الدنيا ورحيله إلى الآخرة، الإنذار بعد الممات! وأعجب العجاب أنه يلقى على الميت بعد دفنه أن القرآن أمامه كما نسمع ذلك في بعض المقابر عقب الفراغ من الدفن، وهذا الميت قد كان في غفلة معرضًا عن هذه الحقيقة طول حياته فأي فائدة بهذا التذكير الذي يلقى إليه بعد خروج روحه من قفص جثمانه ودفن جثته في موضع أربع أذرع.
العلاج بالقرآن
نرى أيضًا أناسًا يتخذون القرآن دواء لأمراض الأجسام لا لأسقام الأرواح، نعم إن القرآن دواء لكن ليس دواء للأجسام والجوارح، بل هو دواء للضمائر وشفاء لما في الصدور ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ (يونس:57).
وكذلك نرى رجالًا يقرأون القرآن للبركة والرحمة ليأخذوا أموال الناس بالباطل وهي من السحت الذي حرمه الله على كل مسلم، وهم يقرأون كل يوم بصوتهم الجميل: ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ (المائدة: 45) ومع إنهم مأمورون بتبليغ هذا القرآن كما جاء في الحديث: «بلغوا عني ولو آية» فأين هذا التبليغ؟ وأي معاملة يتعاملونها مع القرآن المقدس؟
قرآن للأفراح والأتراح
هناك مشاهد أخرى يتلى فيها القرآن كثيرًا ليس للعمل به والعيش في ظلاله ولا للاستنباط منه والاستنارة به، بل للشهرة والصيت أو لمثل المباراة والسباق بمناسبة احتفالات دينية أو غيرها، وهذا كله لا يزال يجري في جميع جهات الدنيا.
أليس من المؤلم أن يعود تراتيل تلتمس بها البركة في مطلع الحفلات وتبتغي الرحمة من ترديدها في المآتم بعد أن كان كتابًا للحياة يرسم لها طريق السمو والطهر والكمال، ويعيش المسلمون معانيه، ويقيمون دعائم حياتهم الفاضلة على أسسه الكريمة؟؟
القرآن دستورنا:
قدمنا الإشارة إلى أن القرآن دستور الأمة المسلمة، بل دستور الأمم كلها، ويجدر بنا أن ننظر نظرة طائرة حول هذا الموضوع، نزل الله القرآن منجمًا إلى هذا العالم، فأضاء ما حوله حينا بعد حين من أفاق الحياة البشرية، وقد رأيت أحسن نقل يبين هذا المعنى، ما كتبه الأستاذ حسن الهضيبي في منشوره المسمى «دستورنا» موسعًا إحدى نشرات «الإخوان المسلمين» «القرآن دستورنا» إني أرى أن أنقل تلك العبارة في هذه المناسبة وقال ما نصه: «فنحن حين نطالب العمل حسب كتاب الله وسنة رسول الله لا ينبغي من وراء ذلك تطبيق الأحكام الواردة في القرآن، ولكننا نرجو أن يجعل القرآن منهاجًا يسار عليه في الحياة ويتطبق بحذافيره.
وكان هذا حسبنا من كل دستور آخر؛ لأن القرآن هو الدستور الكامل الشامل الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة في بنيان الأمة إلا عالجها، تارة بالتفصيل وتارة بالإجمال تاركًا لها أن تمضي في التفصيل الذي تقتضيه مصالحها ولا تتعارض مع الأصول التي وضعها».
هذا هو القرآن وهذه مكانته، ولكن مع الأسف أقول إن أكثر الناس لا يرون القرآن كأنه دستورهم الباقي ومنهجهم المعمول، بل ينظرون إليه نظرًا قاصرًا كما ينظر إليه غيرهم من أعداء الإسلام. ينظرون إلى القرآن نظرًا جزئيًا فإن مثلهم كمثل أربعة أضراء خرجوا يستعرفون كيفية الفيل، والبيان في خاطرك حاضر.
إحياء القرآن:
أخيرًا ألفت نظرك أيها القارئ إلى ضمائر الأمة المسلمة من مرآة أعمالها، وهي أعلى مثلًا لهذا التهاون والإعراض، ثم اقرأ إن شئت ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾ (المائدة: 68).
إن هذه الأمة ليست على شيء من القرآن ولا من تعاليمه وهم قوم كقوم موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، أضف إلى ذلك قول رسول صلى الله عليه وسلم: - «يوشك أن يأتي على الناس زمان، ولا يبقى من الإسلام إلا اسمه».
فأيها المجاهدون، هل لكم أن تبذلوا جهودكم في إحياء القرآن في ضمائر الأمة حيًّا، ويعيش أبناء الأمة المسلمة في ظلال القرآن الباردة مؤمنين حقًّا.
S/o. V. T. Mohamed Master
P. O. KODUR - Malabar,
Malappuram Dist
S. INDIA- Kerala State
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل