العنوان رسالة إلى ..البابا شنودة الثالث
الكاتب د. زينب عبدالعزيز
تاريخ النشر السبت 26-فبراير-2011
مشاهدات 13
نشر في العدد 1941
نشر في الصفحة 52
السبت 26-فبراير-2011
● لقد تم تنصير شكل البلاد بحيث لم تعد مصر ذات «الألف مئذنة» وإنما ذات «الألف كنيسة» وأكثر.. علمًا بأن النصرانية لا تنص على ضرورة الصلاة في كنيسة.
● قمتَ بترتيب مظاهرة تأييد لـ«مبارك» يقودها قساوستك.. وهو ما كشف
تواطؤك مع النظام البائد وحزنك على اقتلاعه.
● وبعد أيام معدودة
ارتفع صوتك لتركب الموجة وتبارك نجاح الثورة وتطالب بكل جبروت بإلغاء المادة
الثانية من الدستور.
● تدّعي ظلم «الأقباط» في الدولة وحرمانهم من المناصب.. بينما
ثلاثة أرباع الاقتصاد المصري في أيدي «أقباط».
● «الكنيسة» هي الهيئة الوحيدة التي لا يراقب
الجهاز المركزي للمحاسبات تصرفاتها المالية.. ولا يجوز لأحد التدخل فيها.
● ليتك تكف عن إشعال الفتن في الوطن الدامي وتعتذر للمسلمين.. بل
تعتذر للشعب المصري الأصيل بكل فئاته فكم أهنتَ من المسيحيين أيضًا.
من أهم ما كشفتْ عنه أحداث «ثورة شباب 25 يناير»، موقفك غير الأمين بالنسبة لمصر عامة، وخاصة بالنسبة لشباب أتباعك الذين حَرَمْتَهم من المشاركة مع إخوانهم المسلمين، وفرضتَ عليهم الانفصال وكأنهم ليسوا من أبناء هذا الشعب، وعزلتهم داخل أسوار الكنيسة التي تحولت إلى «دولة مارقة»، كما فرضتَ عليهم مصادرة شرف التعبير عن الرأي من أجل اقتلاع النظام الفاسد.. بل والأدهى من ذلك، لقد قمتَ بترتيب مظاهرة تأييد ومساندة لمبارك يقودها ويسير فيها العديد من قساوستك المتضامنين مع توجهاتك أو الخاضعين لك، وهو ما كشف عن تواطؤك الشديد مع ذلك النظام وفساده، بل وبكائك الحار على اقتلاعه!
وما هي إلا أيام معدودة حتى ارتفع صوتك؛ لتركب
الموجة، وتبارك نجاح هذه الثورة، وتطالب - في الوقت نفسه، بكل جبروت - بإلغاء
المادة الثانية من الدستور!
وهنا، لا بد من وقفة لاستعراض كل ما قمتَ به من
محاولات منذ أن توليتَ مقاليد كنيسة «الأقباط» في مصر عام 1971 م، والإعلان عن
محاربة الإسلام والمسلمين بزعم أن «نظام الحكم في مصر إسلامي عدائي قائم على
اضطهاد الأقباط» !
ولا يتسع المجال هنا للتحدث عن كل ما قمتَ به من
خيانات في حق الوطن، وفي حق المسلمين، بل وفي حق الأقباط الذين تضللهم بكل ما
يتجرعونه منك من أضاليل وأكاذيب، وما أكثرها، من قبيل اجتماعاتك مع ميليشياتك في
الغرب، وترديد أن «الأقباط» في مصر مضطهَدون دينيًا من قِبَل النظام المصري،
والعمل على قلب نظام الحكم في مصر وتغيير دينها، والمساس بأمنها بتقسيم البلاد لإقامة
«دولة دينية قبطية» في جنوب مصر، أو القيام بتكديس الأسلحة في الأديرة تحسبًا
لمعركة تعد لها، أو فضيحة الاتجار بالبشر أو بأطفال الزنا التي فجّرتها السفارة
الأمريكية في مصر وتورط فيها ثلاثة أديرة، في القاهرة وبني سويف ومرسى مطروح،
وجميع قياداتها من الأقباط، والتربّح بالملايين من هذا الجُرم..وتفتّق ذهنك
كالمعتاد، فقمتَ بتوجيه زبانيتك في الإعلام لتبرئة الكنيسة، وإلقاء التهمة على
المسلمين!
وقائع كثيرة
لن أتناول مطالبتك بمنح «الأقباط» في مصر حكمًا
ذاتيًّا، أو الصمت على إنتاج الكنيسة مسرحية تسخر من النبي محمد ﷺ، أو تدنّي بعض
القساوسة إلى أقل درجات الانحطاط والبذاءة في بعض الفضائيات لسبِّ الإسلام ورسوله
الكريم ﷺ.
ولن أتناول وصفك الشريعة الإسلامية بأنها «الأكثر
عنصرية في العالم»، والمطالبة بحذف خانة الديانة من البطاقات الشخصية، أو إقامة
المؤتمرات وخاصة ذلك المعروف باسم «مؤتمر ضد التمييز» في أبريل 2009 م؛ لمكافحة
القرآن، والمطالبة بإلغاء تعليم القرآن ومسابقات تحفيظه، أو الاستقواء بـ«الفاتيكان»..
ففي نوفمبر 2007 م، قام تنظيم يُطلق عليه «الأقباط الأحرار » بتقديم طلب إلى
الفاتيكان لإنقاذهم من طغيان الحكم في مصر واضطهاده للأقباط مما يضطرهم إلى الهجرة.
ولن أتناول أحداث العمرانية الإجرامية التخريبية،
واستخدام الأسلحة والحجارة في ضرب رجال الأمن، وتعطيل المرور، وضرب مبنى المحافظة،
والمساس بأمن الشعب المصري، وكل ما واكب هذا الإجرام الفاضح من تنازلات استفزازية
من جانب الدولة المغلوبة على أمرها آنذاك، والسكوت على كل ما قمتم به.
المادة الثانية من الدستور سأترك كل هذا، والمئات
غيرها من الوقائع المشابهة؛ لأتوقف عند مطالبتك بإلغاء المادة الثانية من الدستور،
التي تنص بوضوح على أن «الإسلام هو الدين الرسمي للدولة المصرية، والشريعة
الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع».. وهذا المطلب الوقح لا يثير الفتنة في
الدولة فحسب، وإنما يزيد النار اشتعالًا في نفوس المسلمين، لكثرة ما قام به النظام
الفاسد السابق من تنازلات في حق الإسلام والمسلمين، إرضاءً لك وللغرب المسيحي
المتعصب، الذي تستقوي به وتغمره بالمعلومات الكاذبة المغرضة ليقوم بتأييدك وتأييد
مطالبك.
ولا يتسع المجال هنا لتناولها، وإنما سأكتفي
بالإشارة إلى «مجمع أساقفة الشرق الأوسط» في أكتوبر الماضي 2010 م، الذي قام بناءً
على الطلبات المرفوعة من أولئك الأساقفة الكذبة، إلى بابا الفاتيكان، يشكون له ما
يعانون من اضطهاد ويطالبونه بالتدخل هو والهيئات الدولية المسيحية لإنقاذهم!
وهو ما قام به البابا «بنديكت السادس عشر» عند
مطالبته رسميًا للبرلمان الأوروبي بالتصرف، وهو يجاهد حاليًا لإدخال «حماية الأقباط
والأقليات المسيحية » في جدول أعمال ومهام ذلك البرلمان والمؤسسات التابعة له،
الأمر الذي يندرج تحت بند التدخل في الشؤون الداخلية للدولة.. ويا للظلم والجبروت،
بل يا للوقاحة التي تعجز الكلمات عن وصفها!!
وللعلم، فإن الدستور المصري حين نص على أن الإسلام
دين الدولة لم يقم ببدعة شاذة في الوجود أو في القانون، وإنما ذلك عُرْف متّبع في
العديد من بلدان العالم، فالدستور في اليونان والدنمارك وإسبانيا والسويد - على
سبيل المثال لا الحصر - ينص على أن المسيحية دين تلك الدولة، وفي بريطانيا التي
تعيش بلا دستور تنص المادة الثالثة من القانون على أن الشخص الذي يتولى المُلك يجب
أن يكون من رعايا كنيسة إنجلترا، بل ولا يُسمح لغير المسيحيين ولغير البروتستانت
أن يكونوا أعضاء في مجلس اللوردات!
والاعتراض هنا لا ينصبُّ على كل هذه المخالفات التي
تقوم بها وغيرها فحسب، من قبيل ادعاء ظلم «الأقباط» في الدولة وحرمانهم من
المناصب، بينما ثلاثة أرباع الاقتصاد المصري في أيدي «أقباط»، وثلاثة أرباع المليارديرات
المصريين من «الأقباط» أيضًا، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر بخلاف الرباعي
«ساويرس» «ثروت باسيلي»، و«ريمون لكّح»، و«منير فخري عبدالنور»، و«فايز صاروفيم»،
و«عماد مينا..» إلخ وفقًا لمجلة «فوربس» الأمريكية.
كما تضخمت أموال الكنيسة وصارت بمئات المليارات في
غيبة رقيب أو محاسب من الدولة الغائبة آنذاك، فالكنيسة هي الهيئة الوحيدة في مصر
التي لا تتم مراقبة مصروفاتها ولا مواردها من الجهاز المركزي للمحاسبات، وتصرفاتها
المالية تتم بإشراف ذاتي، ولا يجوز لأحد التدخل فيها، والكنيسة هي التي تتحكم في
أوقافها ولا دخل أو رقابة من الدولة.
ألف كنيسة
ولن أتناول فضيحة أو فرية حرمان الأقباط من بناء
كنائس، في الوقت الذي تم فيه تنصير شكل البلد، بحيث لم تعد مصر ذات الألف مئذنة،
وإنما ذات الألف كنيسة وأكثر، علمًا ب أن المسيحية لا تنص على ضرورة الصلاة في
كنيسة، لأن الكنائس لم تكن موجودة أي ام المسيح عليه السلام، والمكتوب هو أن يصلي
الأتباع في البيت. والاعتماد على أن المسيح قال لـ«بطرس» «أنت بطرس، وعلى هذه
الصخرة ابني كنيستي» متّى: 16 - 18 اعتماد خاطئ؛ لأن هذه الجملة تُعَدُّ من الجمل
المضافة، ومن متناقضات الأناجيل، ولا يجوز الاعتماد عليها؛ لأن المسيح قال له في
الفقرة التالية مباشرة: «وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان، أنت معثرة لي، لأنك لا
تهتم بما لله ولكن بما للناس » متى: 16 - 23 ، وهو ما يؤكده «مرقس» قائلًا:
«فانتهر بطرس قائلًا: اذهب عني يا شيطان، لأنك لا تهتم بما لله ولكن بما للناس»
مرقس: 8 - 33 ، مع العلم بأن «متَّى» كان قد أورد قبل ذلك بإصحاحين أن «بطرس» هذا
قليل الإيمان وفقًا للمسيح، الذي قال له: «يا قليل الإيمان لماذا شككت؟ » متَّى:
14 - 31 .. فكيف يمكن بناء كنيسة
اعتمادًا على شخص قليل الإيمان، وينهره المسيح
ويُبعده عنه لأنه معثرة له؟!
تحريف الإنجيل
إن اعتراضي ينصبُّ أساسًا على موقفك العجيب، فأنت
تقف على الضلال، وتفرضه على حوالي أربعة ملايين من الأتباع بصرامة، وكانوا يعيشون
بسلام بين إخوانهم الذين يصل عددهم إلى حوالي ثمانين مليونًا، وتطالب أنت بحذف
مادة من دستور الدولة ذات الأغلبية المسلمة الساحقة، والتي تنص على أن الإسلام دين
الدولة، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع؟!
ولعلك لم تنسَ بعدُ أن هذه المادة تحديدًا وهذه
الشريعة الإسلامية بالذات هي التي أنقذتك حين تحدّيتَ قانون الدولة، ورفضت تنفيذ
حكم المحكمة الإدارية العليا الذي يُلزمك بالتصريح بالزواج الثاني للأقباط
المطلقين بدعوى مخالفة الإنجيل.. ويا للغدر!
والضلال الذي تقف عليه هو المسيحية الحالية، التي
لا يعرف عنها المسيح شيئًا.. والثابت علميًّا أن «بولس»، الذي جعل نفسه رسولًا، هو
أول من ابتدع تحريفها الذي تواصل حتى عهد قريب، حني وعد بابا الفاتيكان السابق
«يوحنا بولس الثاني» اليهودَ بتعديل 75 جملة من جمل الأناجيل حتى يتمشى مع التحريف
الذي قام به مجمع الفاتيكان الثاني؛ تبرئة اليهود من دم المسيح، وذلك رغم أكثر من
مائة جملة في هذه الأناجيل تتهم اليهود بإهانته وتعذيبه وقتله!
وهو ما يؤكد أن عملية التلاعب بنصوص الأناجيل
مألوفة وممتدة وتتواصل عبر القرون.. وللعلم، فقد أثبت معهد «ويستار» بالولايات
المتحدة أن 82 % «من الأقوال المنسوبة لـ«يسوع» في هذه الأناجيل لم يقلها»، وأن 86
% «من الأعمال المسندة إليه لم يقم بها» .
موقف متناقض
وما أعترض عليه أيضًا في موقفك المتناقض هذا هو
انصياعك للفاتيكان، وقبولك المشاركة في عملية تنصير العالم لاقتلاع الإسلام
والمسلمين، وقبلت قرار أن تشترك الكنائس المحلية في عملية تنصير العالم، كما قبلت
فرض مساهمة كافة الأتباع في عملية تنصير العالم لاقتلاع الإسلام والمسلمين.. وهنا،
لا يسعني إلا أن أقول لك: إنك بقبولك هذا التضامن الوضيع مع الفاتيكان تضع الكنيسة
في مصر وكل أتباعها في موقف الخيانة لبلدهم، والخيانة للأغلبية الساحقة التي
يعيشون بينها.
وليست هذه بالخيانة الوحيدة التي قمت بها في
انصياعك للفاتيكان، فقد أعلن عن التنازلات التي قدمتَها في العقيدة الأرثوذكسية،
وإن «الخلافات بين الكنيستين قد انتهت تقريبًا، ولا يبقى إلا خمسة أو ستة بالمائة
من المشكلات بينكما ».. أي أن الخلافات العقائدية التي امتدت مئات السنين وآلاف
القتلى الذين أُريقت دماؤهم قد ذهبت هباءً.. وأوضح دليل على ذلك، الرضوخ لمطلب
الفاتيكان بتوحيد تواريخ «عيد الميلاد» و «عيد الفصح »؛ بغية توحيد مختلف الكنائس
وفقًا لكاثوليكية روما وسيادة رئيسها!، وهو ما كان مجمع الفاتيكان الثاني عام 1965
م قد قرره وسعى حثيثًا لتنفيذه.
ليتهم يدركون!
ليت أتباعك - وخاصة خونة المهجر الذين فروا هربًا
من مصر أيام التأميم، والذين تستعين بهم في مؤامراتك، وكل من أنشأتهم ليكونوا
ميليشيات تحارب بهم المسلمين - ليتهم يدركون ما تقدمه من تنازلات في حق دينهم، وهو
دين ظلت المؤسسة الكنسية تفرضه عليهم بكل صرامة وبلا نقاش، فمن يسأل عن المتناقضات
يُعَدُّ ملعونًا ويُحرم مصحوبًا باللعنات!.. ليتهم يدركون كل ما تضعهم فيه من محن
وأخطار باللعب والتلاعب، بإصرارك على المساس بالإسلام والسماح بسب الرسول ﷺ.
..وليتك تعتذر!
ليتك تفيق وتتدارك الأمر، وتكف عن بث الفرقة بين
الشعب المصري الواحد الأصيل، الذي لم يعرف الفرقة إلا حين أتيت لتنفيذ مطالب ذل ك
المجمع الفاتيكاني اللعين، وساهمتَ في عملية تنصير العالم.. وليتك تكف عن حقن
النفوس والتضليل، وتقوم بالاعتذار الذي كان يجب عليك تقديمه عند انكشاف فضيحة
الأسلحة القادمة عند طريق أحد أتباعك من الكيان الصهيوني، وفضيحة «وفاء قسطنطين»،
وغيرها من الفضائح والمخازي الكثيرة حقًا!
ليتك تكف عن إشعال الفتن في الوطن الدامي، وتعتذر
للمسلمين وللدولة المسلمة، بل تعتذر للشعب المصري الأصيل بكل فئاته، فكم أهنتَ من
المسيحيين أيضًا.. وأن تقدّم ذلك الاعتذار الذي كان يجب عليك تقديمه منذ عدة شهور،
لكنك أبيتَ، وتلاعبتَ تكبّرًا وإصرارًا!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
دراسة الخلفيات الدفينة لمشكلة راهنة - في التنظيم والنشاط اليهودي - الحلقة الأخيرة
نشر في العدد 128
6
الثلاثاء 05-ديسمبر-1972