العنوان رسالة مصر ... قوى الأمن المركزي من وحي من؟
الكاتب محمد حسن طنون
تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1980
مشاهدات 28
نشر في العدد 509
نشر في الصفحة 22
الثلاثاء 30-ديسمبر-1980
المعروف في العالم الغربي أو الدول التي تتبنى الديمقراطية أن هنالك تنظيمين مسلحين، الأول لحفظ أمن البلاد الخارجي هو الجيش بتشكيلاته البرية والبحرية والجوية، والثاني لحفظ الأمن الداخلي وهو للأمن العام أو الشرطة، وحسب المهمة سيكون التدريب والتسليح؛ فالجيش مسلح دائما بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة والمدمرة والآليات العسكرية الثقيلة، كما يتلقى أفراده تدريبات شاقة ومهارات فائقة.
أما الشرطة فأسلحتهم خفيفة وتدريباتهم سهلة وتتركز مهاراتهم على ما يخدم الأمن الداخلي.
هذا هو الحال في معظم الدول الديمقراطية، أما في دولة «العلم والإيمان» والتي يرأسها «كبير العائلة» فهناك قوات أخرى تسمى قوات الأمن المركزي، ويفهم من اسم هذه القوات طبيعتها لا تختلف عن طبيعة الشرطة، وأن مهمتها تقتصر على حفظ أمن المواطنين والسهر على سلامتهم من المجرمين واللصوص. ولكن هذه القوات كبيرة من حيث عدد الأفراد تصل إلى عشرات الآلاف ومزودة بأسلحة حديثة جدًّا. وتستخدم المصفحات والقوات المحمولة، وتتميز بسرعة الحركة وفعالية الأداء، وهي وسط بين الجيش والشرطة إلا أن أفرادها يتميزون بالشراسة نظرًا لتلقيهم تدريبات عسكرية شاقة واكتسابهم مهارات عسكرية فائقة، وهم إذا كلفوا بمهمة لا يعرفون إلا تنفيذها، وكأنهم دخلوا ساحة المعركة مع الأعداء.
كل هذه المواصفات لا غبار عليها لو كانت قوات الأمن المركزي تؤدي مهمتها في الدفاع عن مصر وصد أي عدوان خارجي عليها، ولكن أين يتوزع أفراد هذه القوات.
وأين تتمركز وحداتهم؟!
الزائر لمصر قد يعجب إذا شاهد بعض أفراد هذه القوات في بعض الأماكن السياحية، ولكن عجبه سيزداد عندما يجد أن هذه القوات تنتشر بشكل مكثف في الجامعات ودور العلم، وفي السينمات والنوادي الاجتماعية والرياضية! ويكاد لا يخلو مكان يتجمع فيه الناس من أفراد هذه القوات.
الذي يشعر بالغيرة من خطورة وسطوة قوات الأمن المركزي هم أفراد الشرطة فهؤلاء أصبح لا يعتمد عليهم بشيء، وما هم إلا أفراد يلبسون زيًّا معينًا وفاعليتهم محدودة.
أما مهمة قوات الأمن المركزي فهي «قمع الاضطرابات الداخلية»، وعلى سبيل المثال إذا تحمس مواطن في حفل رياضي وهتف ضد السلطة سارع أفراد قوات الأمن المركزي لكتم أنفاسه وتصفيد يديه بالأغلال وسوقه إلى المعتقل دون رأفة أو رحمة أو أدنى اعتبار لكرامته الإنسانية! والاضطرابات الداخلية في دولة «التحضر» لا تعني حالات الفوضى والإجرام واللصوصية، بل تعني التحركات الشعبية المعارضة لسياسة الحكومة بشكل عام أو التي تنتقد سياسة «كبير العائلة» أو بالأحرى هي ضد حرية التجمع والتعبير عن الرأي خاصة في أوساط شباب الجامعات الذين اختاروا الإسلام منهجًا وطريقًا للحياة.
ولو كانت لقوى الأمن المركزي غير هذه المهمة لما شكلت بل لعمد إلى تقوية وحدات الشرطة والأمن العام، ولكن هذه القوات جاد بها فكر الخبراء ربما الأمريكيون في أعقاب أحداث 18، 19 يناير 1977.
على أن فكرة قوات الأمن المركزي ليست جديدة، بل سبق وأن اقترحت بعد حريق القاهرة في شهر يناير 1952!!
فما الرابط بين الفكرتين؟!
ونحن لا نريد أن نستبق القول فنقول إن هناك رابطًا معينًا بين الفكرتين، وحسبنا أن نعود إلى التاريخ بل إلى شاهد في القضية الأولى.
يقول أحمد مرتضى المراغي في مذكراته عن أواخر عهد فاروق وبداية ثورة 23 يوليو حيث كان وزيرًا للداخلية أنه فكّر في إنشاء قوة بحجة حماية الأمن، والغرض الأساسي منها إيجاد التوازن بين القصر والحكومة. ولكنه استطاع إقناع الملك بالموافقة على إنشاء هذه القوة التي سمّاها «فرق الأمن الخاصة» عندما قال له «هذه الفرقة ستكون مهمتها مقاومة عناصر الشغب ضاربًا مثلا بحريق القاهرة، سواء كانت هذه العناصر شيوعية أو إخوان مسلمين»، ثم يتابع في مذكراته أما الإخوان المسلمون فكان الأمر بالنسبة إليهم جدًّا وحقيقة، وأما الشيوعيون فالحجة بالنسبة إليهم حجة واهية. إذ كانوا قلة لا يعتد بها.
وأما عن المشروع فيقول «كان مشروعي أن تكون مؤلفة من ثلاثين ألف رجل، عشرة آلاف منهم في القاهرة، وعشرة آلاف في طنطا والإسكندرية، وعشرة آلاف في أسيوط، ورأيت أن يكون تسليحها على الوجه التالي: تسعون سيارة مصفحة ومركبات لحمل الرشاشات الثقيلة، ومركبات تحمل الجنود المسلحين ببنادق أوتوماتيكية، ومركبات لحمل جنود البنادق العادية وهليكوبترات، ورأيت أن يكون اختيار القوة من جنود الجيش السابقين وسلاح الحدود وسلاح الهجانة«.
ولكن المشكلة كانت تكمن في مصدر السلاح من أوروبا أم من أمريكا؟! واختار المراغي أن يكون السلاح أمريكيًّا فاستدعى السفير الأميركي كافري، وشرح له الأمر فوافق شريطة أن لا تستخدم لأغراض حربية وخاصة ضد إسرائيل، وكان أن وافق على هذا الشرط هو الآخر!! ولا ندري هل كانت هذه الأفكار من بنات أفكار الوزير المراغي، كما روى في مذكراته أم كانت وحيًّا أميركيًّا» أو توصية خبير؟!
وعلى أية حال فلم تنفذ الفكرة آنذاك لأسباب تتعلق بأميركا وحركة الضباط الأحرار، فهل علم بها السادات آنذاك، واختزنها في عقله النير إلى يناير 1977 أم أن السيد الأميركي نصحه بها من جديد؟! ذلك ما لا نعرفه الآن، ولكن قد يأتي يوم نعرف فيه سر قوات الأمن المركزي في مصر وسر القوات الخاصة أو الصاعقة أو سرايا الدفاع، وكل القوات التي أنشئت للحفاظ على عروش الحكام والبطش بالمعارضين والحريات تحت شعار «الأمن».
يا للعجب فقد كان «الأمن» نعمة يمن بها الله على المؤمنين، ويسعى إليها الناس جاهدين ولكنها اليوم أصبحت رمزًا للرعب والبطش والتنكيل على أيدي هواة العروش الظالمين!
عاقبة الظلم والظالمين
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)﴾ (إبراهيم:42-45)
ويقول سبحانه: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ (غافر: 18)
ويقول: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)﴾ (القصص: 39-40).
والآيات عن الظلم والظالمين كثيرة في كتاب الله الكريم، وفي الحديث القدسي يقول الله: «يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مُحرَّمًا فلا تظالموا»، ويقول أيضا في الحديث القدسي: «اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصرًا غيري، وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في آجله وعاجله وانتقمن ممن رأى مظلومًا فقرر أن ينصره ولم يفعل». ويقول :«أنا أظلم الظالمين إن لم أنتقم من الظالمين».
وفي الحديث الشريف: «من مشى مع ظالم يعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام».
ويحكى أن كسرى، وهو صغير ضربه معلمه ضربًا مبرحًا، فمرت الأيام، وكرت الأعوام، وإذا بكسري يصبح ملكًا والمعلم لا يزال على قيد الحياة فأرسل إليه كسرى، وأحضره وقال له أتذكر أنك يومًا من الأيام، وأنا صغير ضربتني ضربًا شديدًا من غير ننب أذنبته، ولا جريمة ارتكبتها؟ فقال المعلم نعم أذكر ذلك اليوم بالتاريخ. فقال له كسرى لماذا ضربتني؟ فقال المعلم: توسمت أنك ستكون ملكًا، وأحببت أن أذيقك طعم الذل لكى لا تظلم الناس. فرجع كسرى إلى رشده فقال للمعلم وكيف أعدل؟ فقال له المعلم: سأرد عليك غدًا.
فلما كان الغد جاء المعلم فمثل بين يدي كسرى فقال له كيف أعدل؟ فإذا به يخرج لوحة كتب عليها «لو دامت لغيرك ما وصلت إليك» فإذا حدثتك نفسك بظلم أحد من الناس فإن دوام الحال من المحال.
ويحكى أيضا أن ملكًا من الملوك أغار على بلدة وأذل أهلها وسلب كل ما فيها وبينما هو خارج شامخا بأنفه قابلته امرأة عجوز، وقالت له يا هذا أما تخشى من ديان يوم الدين إذا انشقت سماء عن سماء وبرز الرب لفصل القضاء؟
فقال له يا عجوز أما قرأت في القرآن ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ (النمل: 34)
فقالت له أسألك بالله بعد هذه الآية: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾ (النمل: 52)
عند ذلك ارتعدت فرائصه، ووجل قلبه ورد إلى أهل القرية كل شيء، وقال لها كيف الخلاص يا عجوز؟ فقالت له ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ (الشورى: 25).
ويقول الإمام علي رضي الله عنه: والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهدًا، وأجري في الأغلال مصفدًا، أحب إليّ من ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد. والله لأن أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أملاكه على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت. وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعليّ ولنعيم يغني ولذة لا تبقى».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل