العنوان مواقف فيها عبر «6»
الكاتب د. عمر سليمان الأشقر
تاريخ النشر الثلاثاء 12-فبراير-1974
مشاهدات 18
نشر في العدد 187
نشر في الصفحة 21
الثلاثاء 12-فبراير-1974
إنها دعوة مظلوم
آذنت الشمس بمغيب، وتجمعت الأسر حول مائدة الإفطار، ينتظرون الأذان، وفي زاوية من زوايا القرية الجاثمة قرب الترعة بيت يدلك مظهره على ما يعانيه أهله من بؤس وضيق، ولو اطلعت على الطعام الجاف القاسي الذي استقر أمام تلك الأسرة لرثيت لحالهم، ومع ذلك فقد كان الكل يقول الحمد لله، الحمد لله، إلا أن رب الأسرة البائسة كان شارد الفكر، يستعيد في قلبه الحديث الذي دار بينه وبين ذلك الطاغية الجبار، لقد تهدده وتوعده إن لم يرجع له المبلغ الذي استلفه منه اليوم قبل الغد فإنه سيناله بعذاب شدید، وأنى له أن يعيد له تلك الجنيهات القليلة وهو لا يملك أن يطعم الأفواه الجائعة، ولا أن يكسو الأجسام العارية، ولكن كيف يواجه ذلك الطاغية الذي أعطي بسطة في الجسم وقلة في العلم، رافقها قساوة في القلب، وفظاظة في القول.
وأفاق من تأملاته على صوت أجش خارج المنزل يرغي ويزبد واقترب الصوت، وفتح الباب بعنف، وإذ بالشقي الجبار يقف كالمارد أمام الأب المسكين الذي تحيط به أسرته البائسة، ومن غير كلام ولا مقدمات، تناول الطاغية ذلك المسكين، يوسعه ضربًا بيده، وركلًا برجله، وسبابًا وشتمًا وارتفعت الأصوات الصغيرة تستغيث، ودوى صوت الأم يعبر عن ألم وهول، وتقاطر الجيران، وبعد التي واللتيا، ترك ذلك المارد فريسته بعد أن أشبع نهمه، وأرضى نفسه وبعد أن أصبح الأب المسكين شبيها بالأموات، وارتفع صوت المؤذن: الله أكبر، الله أكبر، ومع الأذان نظر ذلك المسكين إلى الطاغية ثم نظر إلى السماء يردد: الله ينتقم منك، الله ينتقم منك.
ومرت أيام عشرة لا تزيد، فإذا بذلك الظالم يشكو من ألم في ساقه، وحار أطباء بلده في ألمه، ولما لم يجد عندهم ما يخفف ألمه غادر القرية إلى المدينة، وهناك دخل المستشفى بساقين وخرج بساق واحدة، لقد كان مرضًا خبيثًا.. إنه سرطان، ولم يمض وقت طويل حتى أصاب الساق الثانية ما أصاب الأولى، وخرج ذلك الطاغية من المستشفى لا يستطيع أن يسير بل يحتاج إلى من يحمله، ثم من يخدمه ويطعمه، ويقضي له التافه من أموره.
لقد أصابته دعوة مظلوم في ساعة استجابة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم «اتقوا دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب».
وأصبحت قصته حكاية تروى، ممثلة عاقبة الظلم، ومصير الظلمة (فإن الله يمهل ولا يهمل).
{إن في ذلك لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهید}.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل