; رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد | مجلة المجتمع

العنوان رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد

الكاتب منير الغضبان

تاريخ النشر السبت 23-فبراير-2002

مشاهدات 15

نشر في العدد 1490

نشر في الصفحة 33

السبت 23-فبراير-2002

السيد الرئيس:

 عرفناك وديعاً مهذباً، لا يلتقى شخصك مع العنف، وتابعنا أخبار حياتك في ظل أبيك، حيث كنت تسعى لسورية شابة جديدة، ووضعت بصماتك على آخر وزارة في عهد والدك، حيث قدمت وجهاً جديداً بعيداً عن الروتين الحزبي هو الدكتور محمد الميرو وشاركت في فتح النار على الفساد الذي عاش أكثر من عشرين عاماً، ورحبت القلوب بك، وأنت في ظل أبيك لم تتسلم الرئاسة بعد.

حين رشُحت للرئاسة غض الطرف معظم العقلاء، والمفكرين، والمخلصين من السوريين على تنوع انتماءاتهم عن طريقة هذا الاختيار، واضعين أملهم بشاب جديد لا يحمل في عنقه اوزار الساسة والسياسيين والعسكريين والأمنيين قبله.

 وأصاخوا جميعاً لخطاب استلامك الرئاسة يريدون أن يتعرفوا إلى أمالك وتطلعاتك للوطن الجديد، وشد ما سعدوا عندما تحدثت عن الرأي والرأي الآخر، ورغم أن الحديث عنه لم يأخذ من خطابك دقائق إلا أنهم تمسكوا به تمسكهم بحبل النجاة من ،الغرق، فأنت تؤمن بالحرية الكاملة للشعب، وهذا ما يتطلع إليه الشعب، وهو طريق الخلاص له، وإن الرأي الآخر الذي يعارض رأي الحزب القائد، والسلطة الحاكمة، قد يكون خيراً من الرأي الأول، وهذا يعني أن الشعب قد تجاوز فترة الوصاية الشرعية على عقله وفكره ورأيه، ومصلحته ومستقبله فالشعب هو القائد، وليس بحاجة إلى وصاية.

كان أول إنجازات عهدك، بُعدك عن مظاهر التأليه للحاكم، فقد ألغيت تهريج الصور الذي كان يجعل لسورية شخصاً واحداً لم يجد التاريخ بمثله، ولا أدل على ذلك من تماثيله التي تملا كل فج. كان بعدك عن مظاهر تأليه الحاكم ظاهرة، أقرت عيون أبناء الوطن، وفهموا أنك بخطواتك الخاصة هذه مصمم على الانطلاق من المواطن لا من الحاكم.. فبدأت البسمة تنداح على شفاههم، آملاً ابتداء سقوط الأغلال التي كبلتهم.

لم تكن قد ولدت بعد يوم قام الانقلاب العسكري في الثامن من أذار/ مارس على وضع ديموقراطي وانتخابات حرة، لتتحول سورية بعدها إلى ثكنة عسكرية، يحكمها العسكر، ولم يُعر الشعب التفاتاً لكل الدعاوى في والممارسات الأمنية المسلطة على رقاب أبنائه فهم يتابعون تحركك وخطواتك وكلماتك، لأنك تمثل الروح الجديدة التي دبت في السلطة.

وبدأ الانفتاح كلاماً ومقالات وتجمعات صغيرة، ومنتديات كان اغلبها من اليسار الذي هو محضن الحزب وفكره، ومن أبناء الحزب القدامى وزملائهم وراحوا يدافعون عن حرية الشعب بما فيها حرية اليمين كما كانوا مونه أثناء مرحلة الحوار والحريات، يطالبون بكل من يعمل في السياسة أن تكون له الحرية السياسية، يطالبون بتبييض السجون وعودة المنفيين السياسيين وإطلاق الحريات العامة، فالشعب كله بحاجة إلى حرية. وتململت أجهزة الأمن وجن جنونها، من هذا التطور الكبير وكنت لهم بالمرصاد قائلاً لهم: من حقكم أن تراقبوا لكن ليس من حقكم أن تمنعوا.

لا أكتمك الخبر، فقد كانت أول صدمة تلقاها الشعب صفعة على وجهه يوم ألغيت المنتديات وهاجمت المثقفين، ووضعت تحت الثوابت المشهورة: الحزب والقائد والدولة، خطوطاً حمراء، وكان الأمل أن يفعل هذا غيرك، ويقوله غيرك، لأن الشعب أرادك حكماً بينه وبين السلطة، لا لتعلن أنت ذلك فتصبح طرفاً في النزاع، وكاد الإحباط يسيطر عليه، ولكنه لكونه يعاني من الغرق، مسح وجهه بعد الصفعة وابتلعها معتبراً أن ظروفاً قاهرة دفعت بك إلى ذلك أن تكون خصماً لأحد من شعبك، وبخاصة المثقفين منهم وعادوا ثانية متجاوزين ألم هذه الضربة ليتابعوا تنفس الحرية من جديد، وكأنما وقعوا على وثيقة تفاهم شعبية عامة قادها زعماء هذا الشعب: إن هذه التصريحات لا تمثل شخص الرئيس ولا قناعاته ولا تطلعاته.

وعادوا من جديد يتلمسون سبل الحرية من خلال الأصوات الحرة التي ظهرت في مجلس الشعب، وراحوا وراءها- بصفتها منتخبة من الشعب ولا يمكن أن تطالها يد الأمن في ظل رئاستك- وبرزت الأصوات من جديد تنادي بالحرية وتترسوا خلف المنتدى الوحيد (منتدى الأتاسي) ليقولوا كلمتهم، ويطالبوا بحرياتهم، ويعيدوا الكرة في المطالبة بصحافة حرة وأحزاب ودستور جديدة، وديموقراطية حقيقية، وتبييض للسجون، وعودة للمنفيين.

وكانت الصفعة الثانية.. فلم ينج حتى هؤلاء النواب وغيرهم من تسلط الأمن، ولم يتورعوا عن اعتقالهم ومن أزرهم ومن كان معهم أو شارك في هذه المطالبة، وكانت هذه اقسى من الصفعة الأولى، خاصة وأنك أدنتهم. إنهم يريدون أن ينأوا بك عن السلطان والتسلط، والسلطة، وليكن خصامهم معها، فلماذا يزج بك الخصوم في هذه المعركة، ويتترسون خلفك باسم حرية الشعب؟ إننا لم نكن نريد لك أيها الرئيس هذه الهوة الثانية، ولا يزال الشعب الذي لا يملك حتى الكلمة محكوماً عليه من أجهزة الأمن بالإدانة، والتي تنتشر كالأخطبوط في كل مكان تراقب تحركاته وهمساته.

وقد حفظ لك الشعب موقفين عظيمين هذا ذلك الإحباط:

الموقف الأول: الإعلان عن حق كل مواطن بجواز سفر يتحرك به، وكان هذا الإعلان على تواضعه فرحة لقطاع من الشعب المشرد الملاحق المطرود المضطهد.

الموقف الثاني: طريقة المحاكمة للمعتقلين الجدد من خلال محاكمات مدنية وعلنية. 

وفهم الشعب من هذين القرارين، مبدأين كبيرين: 

المبدأ الأول: أن هذا القرار الذي يرفع الظلم عن أبناء الشـ المحــ رومين من جنسيتهم- ولو لسنة واحدة- يعني إدانة ثلاثين عاماً من تاريخ هذا البلد، الذي كان يحرم المواطنين فيه من جوازات سفرهم لأنهم معارضون سياسيون.

المبدأ الثاني: أن المحاكمات العلنية المدنية والمرافعات الدستورية الحقوقية هي إدانة لمحاكم التفتيش خلال ثلاثين عاماً أو أربعين إذا صح التعبير، التي تسمى بالمحاكم الميدانية السرية.

كان أملاً عريضاً بهذا العهد الجديد يرتسم في الأفق من خلال القرار الصادر في 27/12/2001من وزارة الداخلية بتفويض البعثات القنصلية بإعطاء الجوازات لكل المواطنين دون العودة إلى وزارة الداخلية وإدارة الهجرة والجوازات، ولأننا شعب مقهور اعتبرنا هذا القرار ولادة جديدة للقانون والدستور، رغم أن هذه الولادة عسيرة وقيصرية، فالبعثات القنصلية لا تزال حتى الآن لا تصدق، أن عهداً جديداً وقراراً جديداً قد صدر، وما ندري إلى متى تبقى أجهزة الرعب تفعل فعلها رغم صرامة القرار المذكور ووضوحه.

وكانت الصفعة الثالثة: 

صفعة الغزل والقبل مع النظام الأمريكي، ووفود الكونجرس الأمريكي التي جاءت لتحاسبك على سند الإرهاب الفلسطيني، فرحت تحدثها عن إرهاب الشعب لطغاته و جلاديه بالمنطق الإسرائيلي نفسه الذي يدك المدن ويهدم المنازل، ويذبح الأطفال، ويمضي في إبادة شعب بكامله بحجة إرهاب المجاهدين للسلطة اليهودية.

كانت فاجعة حقيقية أن يستهويك المنطق الغربي، والمنطق اليهودي عن إرهاب الشعوب المستضعفة المستذلة المقهورة المضطهدة، لحكامها العتاة الطغاة.

لم يكن الظن بك يا سيادة الرئيس أن تهوي في هذه الهاوية، وتقع في هذا المغطس.

 نقول والله نصحاً لك، وأملاً بك أن تنأى عن الانجرار إلى المعسكر الغربي والمعسكر اليهودي والمعسكر المخابراتي، إذا كنت تريد أن تبني سورية شابة جديدة متميزة بوطنيتها وعروبتها وإسلامها .

نقول هذا الكلام مشفقين ناصحين مخلصين استجابة لرسول صلى الله عليه وسلم له الذي قال: «الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».

أقول لك: دع هذه الوهاد، وعد إلى موقعك  بين الذي إشتشرفك الشعب له، وابق حكماً أبناء الشعب جميعاً، رئيساً لهم جميعاً، وامح من عهدك أثار الظلم السابقة، وأنه قصة الاعتقال والنفي والمحاكمة لأبناء شعبك.

هكذا الظن بك، فلا تخيبه.

وإننا لمنتظرون.

"مواطن سوري"

الرابط المختصر :