العنوان المجتمع التربوي (1458)
الكاتب د.عبدالحميد البلالي
تاريخ النشر السبت 07-يوليو-2001
مشاهدات 19
نشر في العدد 1458
نشر في الصفحة 52

السبت 07-يوليو-2001
وقفة تربوية
سمية
في بلد عربي يحرم لبس الحجاب، ويراقب المصلين في المساجد، ويكتم الأنفاس، ويُعاقب كل من يجرؤ على الدعوة إلى الله تعالى، هاجر شیخ طاعن في السن فرارًا بدينه من ذلك الجو الملوث بالفكر العلماني الذي يجثم على الأنفاس الأبية.
اتجه إلى بلد أوروبي يدين بالنصرانية، لكنه يفتح الأبواب على مصراعيها لكل من يريد أن يعيش حياة حرة، يفعل ما يريد، ويعتقد ما يريد دون أن يتدخل في حياة الآخرين أو يقترف ما يؤذيهم.
بعد سنوات عدة عاشها بصعوبة بسبب الفراق الذي باعد بينه وبين أبنائه وبناته الصغار، وشريكة حياته، جاءت البشرى بإمكان سفرهم إليه، بعد محاولات مضنية من زوجته للخروج من ذلك السجن الكبير.
في المطار وقعت عيناه على المفاجأة المفرحة: رؤية الحجاب يزين وجه ابنته «سُمية» ذات الاثنتي عشرة سنة، والتي أرادت أن تفرح والدها، وتثبت له أن تربيته لها لم تضع سدى، وأن ما بذره من القيم كان ثابتًا متغلغلًا في نفسها.
التحقت سمية بالمدرسة، وكانت الوحيدة في سنها الملتزمة بالحجاب.. وبدأت المضايقات من قريناتها، لكنها صبرت، وظنت إدارة المدرسة أنها لبست الحجاب بضغط من والدها.. فما إن جاء ليأخذها من المدرسة، حتى اقتنصت الناظرة هذه الفرصة، ووجهت له هذا السؤال، وما إن سمع السؤال، حتى تذكر صاحبه المسلم الذي سجن بسبب إبلاغ ابنته للمدرسة بأن أباها ألبسها الحجاب عنوة، فخشي من أن يصيبه المصير نفسه.. ولكنه اعتمد على الله تعالى وقال: اسألوها هي.
فجاءت سمية، وسألها سؤالًا ذكيًا:
من الذي طلب منك لبس الحجاب: أمك أم أبوك؟
قالت سُمية: دون تردد: «لم يطلب مني أحد لبس الحجاب، بل أنا الذي اخترت ذلك.. فإني «أحب الحجاب».. تنفس والدها الصعداء.. وقال: الحمد لله لك يا رب.. فهذا نتاج تربيتي.
بلغت سمية الخامسة عشرة من عمرها، ورافقتها طالبة نصرانية في المدرسة، أحبتها، وأحبت أخلاقها.
وذات يوم، وبينما كانت صاحبتها هذه تزورها، إذا بها تخير سمية برغبتها في دخول الإسلام قائلة: «لا أريد سوى الإسلام دينًا».
ما هي إلا أيام حتى كانت صديقتها أول من يسلم على يديها، وتتجه صاحبتها إلى والد سمية، وترجوه أن يبحث لها عن زوج مسلم لتحيا حياة إسلامية كاملة.
ترى كم من المهاجرين من يحافظ على إسلامه وهويته؟ وكم من أبناء المهاجرين من يبقى ثابتًا لا يذوب في بحر الكفر المتلاطم، ويبقي هوية أبنائه بلا تغير: تؤثر ولا تتأثر.
سمية هي إحدى هذه الاستثناءات التي أحدثت ذلك التأثير الإيجابي بثباتها، واعتزازها بدينها في بلد يحيط فيه بها الكفر من كل ناحية.
أبو خلاد
albelali@bashaer.org
التسوية مع العدو الصهيوني جريمة شرعية ومفسدة بشرية (۲ من ٢)
يستأسدون علينا بضعفنا وتفرقنا برغم أن الله ألزمهم الذلة والصغار
مع أنهم أهل الكتاب إلا أنهم تحالفوا مع المشركين الوثنيين ضد المؤمنين حسدًا من عند أنفسهم
بقلم: د. عطية فياض
قلنا في العدد الماضي إن اليهود لا يتعايشون في وئام وسلام مع أحد أبدًا، وإن كيانهم قام بالإكراه والغصب على أراضينا، مستندًا إلى عقيدة باطلة مُحرفة، وأوضحنا أنه إن كان البعض من بني جلدتنا لا يعرفون ذلك، أو يحاولون التعامي عنه، تحت مسمى أنهم من «أنصار السلام»، فهذه بعض صفات اليهود التي وردت في القرآن الكريم، والتي يتعاملون بها دومًا مع الغير عبر تاريخهم، وعددنا خمس صفات قرآنية، واليوم نستعرض خمسًا أخرى:
سادسًا: أشد فرق الكفر عداوة للمؤمنين
قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ (المائدة: 82)، ولم يخفوا عداوتهم تلك قديمًا أو حديثًا، وتمثلت تلك العدوات في تحالفهم مع المشركين الوثنيين من قريش مع أن اليهود أصحاب كتاب، ومن المفترض أن يعادوا الوثنيين إلا أنهم تحالفوا معهم ضد المؤمنين حسدًا من عند أنفسهم بعد ما تبين لهم الحق وزودوا المشركين ببعض الشبهات ليلقوها على المسلمين طمعًا في ردة بعضهم وتفرقة للصف. بل قد أثاروا هم بأنفسهم تلك الشبهات: قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (البقرة: 142) وقال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ (النساء: 51)، وقال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ (الأنعام: 91)، وطلبوا من المشركين أن يسألوا رسول اللهﷺ بعض الأسئلة ظنًّا منهم أن هذا يعجزه، فسألوه عن الروح، وذي القرنين، وأهل الكهف.. واليوم يقفون مع كل دولة وكيان يعادي المسلمين: مع الصرب، والروس، والهندوس، وغيرهم، يقفون مع الجمعيات والمؤتمرات المروجة للكفر وطرح شبهات على الإسلام وشريعته، وما خبر التنظيم الماسوني ونوادي الروتاري والليونز عن دعاة السلام ببعيد.
سابعًا: يسعون في الأرض بالفساد ويوقدون نار الحروب
قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (المائدة: 64). فهم وراء كل جريمة وسبب كل فساد: المتاجرة بالمخدرات، تزييف العملات، الانحلال والفساد الأخلاقي، غسل الأموال القذرة، التجسس حتى على الأصدقاء.
ثامنًا: الجبن
قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 246)، وقال تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ (المائدة: 24). وقال تعالى: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾ (الحشر: 14).
ووصفهم القرآن بشدة حرصهم على الحياة مما يدفعهم إلى الخوف والجين قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ (البقرة: 94-95- 96).
وقد رأينا تلك القرى المحصنة في سيناء بعد مغادرتهم منها، وكيف حصنوا أنفسهم بخط بارليف والساتر الترابي والآن كيف واجههم الشاب الفلسطيني بسكين في يده وهما جنديان مدججان بالسلاح ففرا منه وعندما ابتعدا عنه وتراخى الشاب أطلقوا عليه الرصاص، فهم يستغلون ضعفنا وتراخينا وتفرقنا ليستأسدوا علينا، ووالله ما كانوا في يوم أُسودًا.
تاسعًا: تشبيههم بأخس الحيوانات
شبههم القرآن -لفعالهم- ببعض الحيوانات في أخس صفاتها، منها تشبيه بعض علمائهم بالكلاب وتشبههم بالحمير، قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الأعراف: 175-176).
جاء في تعيين المعنى بهذه الآيات ما أورده القرطبي في جامعه إذ قال: واختلف في تعيين الذي أوتي الآيات فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن باعوراء، ويقال ناعم، من بني إسرائيل في زمن موسى -عليه السلام- وكان بحيث إذا نظر رأى العرش وهو المعني بقوله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا﴾ (الأعراف: 175) ولم يقل آية، وكان في مجلسه اثنا عشر ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه. ثم صار بحيث أنه كان أول من صنف كتابًا في أن «ليس للعالم صانع» قال مالك بن دينار: بعث بلعام بن باعوراء إلى ملك مدين ليدعوه إلى الإيمان، فأعطاه وأقطعه فاتبع دينه وترك دين موسى، ففيه نزلت هذه الآيات.
روى المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: كان بلعام قد أوتي النبوة، وكان مجاب الدعوة، فلما أقبل موسى في بني إسرائيل يريد قتال الجبارين، سأل الجبارون بلعام بن باعوراء أن يدعو على موسى فقام ليدعو، فتحول لسانه بالدعاء على أصحابه. فقيل له في ذلك، لا أقدر على أكثر مما تسمعون، واندلع لسانه على صدره. فقال: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة، وسأمكر لكم، فإني أرى أن تخرجوا إليهم فتياتكم فإن الله يبغض الزنى، فإن وقعوا فيه هلكوا، ففعلوا فوقع بنو إسرائيل في الزنى، فأرسل الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفًا.
وقال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (الجمعة: 5) قال ابن كثير: «يقول تعالى ذامًّا لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ثم لم يعملوا بها مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارًا، أي كمثل الحمار إذا حمل كتبًا لا يدري ما فيها فهو يحملها حملًا حسيًّا، ولا يدري ما عليه، وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه حفظوه لفظًا ولم يتفهموه ولا عملوا بمقتضاه بل أوّلوه وحرفوه وبدلوه، فهم أسوا حالًا من الحمير، لأن الحمار لا فهم له وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ (الأعراف: 179)، وقال تعالى ههنا: ﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (الجمعة: 5).
عاشرًا: ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة
قال تعالى: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ﴾ (البقرة: 61) وقال تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ﴾ (آل عمران: 112).
ولم يكن ذلك إلا لكفرهم وعنادهم وقتلهم الأنبياء بغير حق وعصيانهم وتمردهم وعدوانهم على الغير.
إلا أن الله قدر أن تلك الذلة والمسكنة ترفع عنهم بحبل من الله وحبل من الناس يقول ابن كثير: قال تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران: 112) أي ألزمهم الله الذلة والصغار أينما كانوا فلا يأمنون ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ﴾ أي بذمة من الله وهو عقد الذمة لهم وضرب الجزية عليهم وإلزامهم أحكام الملة في ﴿وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ﴾ أي أمان منهم لهم كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمنه واحد من المسلمين ولو امرأة وكذا عبد على أحد قولي العلماء. قال ابن عباس: ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ﴾ أي بعهد من الله وعهد من الناس، وكذا قال مجاهد وعكرمة، وعطاء، والضحاك، والحسن، وقتادة والسدي، والربيع بن أنس. وقوله: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ﴾ أي ألزموا فالتزموا بغضب من الله وهم يستحقونه ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ﴾ أي ألزموها قدرًا وشرعًا. ولهذا قال: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ﴾ (البقرة:61) أي إنما حملهم على ذلك الكبر والبغي والحسد فأعقبهم ذلك الذلة والصغار والمسكنة أبدًا متصلًا بذل الآخرة، ثم قال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ (البقرة:61) أي إنما حملهم على الكفر بآيات الله وقتل رسل الله، وقيضوا لذلك أنهم كانوا يكثرون العصيان لأوامر الله، والغشيان لمعاصي الله، والاعتداء على شرع الله، فعياذًا بالله من ذلك.
وقد يكون الحبل الذي من الناس هو عصيان هؤلاء الناس ومنهم المسلمون ونسيانهم أمور دينهم فيسلط الله عليهم اليهود يذلونهم ويستعبدونهم.
وهكذا: بعد عرض صفات اليهود التي وردت في القرآن الكريم، والتي يراها معنا الجميع نتساءل هل يرجى مع هؤلاء صلح أو سلام، إننا بذلك نحادد الله ورسوله، ونكون سببًا في طغيانهم وإفسادهم وتجبرهم، وليعلم دعاة السلام أنهم قد يكونون أول ضحايا ذلك السلام، وما خبر السلطة الفلسطينية عنهم ببعيد.
ولدعاة هذا السلام نقول: إن رسول الله ﷺ قد عاهدهم وواثقهم، فما حفظوا عهدًا ولا أوفوا بوعد فعوملوا بما يستحقون قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ (الحشر: 2).
وعندما حكم سعد بن معاذ بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم كان ذلك حكم الله. إننا إذ نقول: إن السلام مع العدو الصهيوني جريمة شرعية، ومفسدة بشرية، فذلك لأن السلام معهم - وتلك صفاتهم، وهذه فعالهم - مخالفة شرعية واضحة؛ إذ كيف نصافح تلك الأيدي الملوثة بدمائنا، والمغتصبة لأرضنا وعرضنا، وكيف نتسامر مع من حولوا مقدساتنا إلى خمارات (مسجد القيسارية) وإسطبلات خيول؟ وقتلوا السجد الركوع في المساجد؟ كيف نتفاوض مع الكذابين ناقضي العهود آكلي السحت؟!.
إن الله تعالى أمر النبي عندما يستشعر من الكفار الخيانة أن ينبذ إليهم عهودهم، وأن يعد لهم، قال تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ * وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ۚ إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: 58-59-60). فكيف بمن خانوا، ونقضوا، وغدروا، وسفكوا، ودنسوا، هل لا نزال نحفظ لهم عهدًا، أو نترك فرصة للسلام؟ إننا بذلك نساعدهم على كثرة إفسادهم، وتطاولهم على المسلمين، وإذلالهم واستصغارهم لهم، فاعتبروا یا أولي الأبصار.
(*) الأستاذ المساعد بقسم الفقه-المقارن-كلية الشرعية والقانون – جامعة الأزهر.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

