; سياسة استغلال النكبات.. إلى أين؟ | مجلة المجتمع

العنوان سياسة استغلال النكبات.. إلى أين؟

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر السبت 23-فبراير-2002

مشاهدات 13

نشر في العدد 1490

نشر في الصفحة 45

السبت 23-فبراير-2002

فاجأت أحداث 11 من سبتمبر العالم وخاصة الأمة الإسلامية، فأخذت كل دولة تبحث عن كيفية الاستفادة من هذا الحادث، فمن كان عنده مخططات قديمة وأطماع معينة حاول تفصيل تلك الحوادث على حجمها، ليستفيد إلى أقصى حد من توجهات النظام العالمي، ومن شعور الناس بالألم للحوادث، فمثلاً: لم يكن موقف بعض القوى من الأمة الإسلامية أكثر إيجابية قبل أحداث 11 سبتمبر عما بعدها، والأمر الوحيد المختلف هو تسريع المواجهة ومباشرتها وامتدادها، وإيجاد الغطاء اللازم لضرب توجهاتها الإسلامية الممثلة في الحركات الإسلامية، فقبل 11 سبتمبر كانت تلك القوى تستخدم بعض الأنظمة اللصيقة بها لضرب الحركات والتوجهات الإسلامية التي تعتبرها خطراً على مصالحها وأمتها، وأمن الكيان الصهيوني، رغم أن التوجه الإسلامي- الذي أوشك أن يتحول إلى "لوبي" سياسي إسلامي مؤثر في الواقع الأمريكي، والذي وضح في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام ٢٠٠٠م- كان له تأثير في ترجيح كفة الرئيس جورج بوش، خاصة في ولاية فلوريدا، ولكن السياسة سرعان ما تغيرت ومالت إلى التوجه الصهيوني وتناست كل فضيلة.

وبعد أحداث 11 سبتمبر تحولت سياسة تلك القوى العدائية إلى استراتيجية معادية للتيار الإسلامي وإلى زخم للكراهية المباشرة والمواجهة للضغط على كل الجبهات المتاحة لاتباع سياسة أكثر شدة، ولا تقتصر على أسباب معينة أو على سياسة مسببة، وامتدت تلك السياسة إلى الغرب وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا، وبدأ سدنة تلك السياسات في تنفيذ بعض الوسائل المباشرة ومن المنتظر أن تستمر في تنفيذ ما تبقى من وسائل معدة أكثر عنفاً ضد المعارضة، منها الاعتقالات سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، فقد وصل عدد هؤلاء إلى أكثر من ١٥٠٠، ومرشح أن يصلوا إلى ٥٠٠٠ مسلم داخل الولايات المتحدة،وقد تحولت تلك الاعتقالات إلى الشروع في محاكم عسكرية ... إلخ.

وقد حرص اللوبي الصهيوني والكيان الغاصب على انتهاز تلك الحوادث في ضرب الأمة الإسلامية والتحريض عليها فنشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية في ٣ من نوفمبر ۲۰۰۱م. كما أورد موقع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير" على الإنترنت- ما مفاده: "وقوف مجموعة من أكبر المنظمات اليهودية الأمريكية، وأكثرها انتشاراً داخل المجتمع الأمريكي خلف حملة التشويه التي يتعرض لها مسلمو أمريكا وأكبر منظماتهم منذ الحادي عشر من سبتمبر الماضي". 

هذا عدا استغلال شارون للحادث في هدم البنية الأساسية للشعب الفلسطيني، وضرب الأمنين بالمدافع، والطائرات ومحاصرتهم بالدبابات، حتى وصل الأمر إلى حصار عرفات في مقره لا يبارحه، عدا هدم البيوت وتشريد أهلها بدعاوى مختلفة وقتل القيادات الفلسطينية واستهداف الوطنيين النشطين المعادين للاحتلال الصهيوني بغيررحمة، أو هوادة، كما لم يسلم من الاستهداف والقتل الآمنون العزل من الشيوخ، والأطفال، والنساء، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. 

كل هذا وغيره يدخله شارون وزمرته من المتطرفين تحت مسمى محاربة الإرهاب والقضاء على المتطرفين، بغير نظر إلى الماسي الإنسانية التي تنتج عن ذلك، وبغير تفريق بين ما يزعمونه إرهاباً، وبين جهاد المدافعين عن ديارهم وأموالهم وأعراضهم وحرماتهم المنتهكة، وبغير تفريق بين الجهاد والعنف أو الوطنيين والاستئصاليين كل ذلك استغلال لمناخ الإرهاب وتحت مسماه، وقد تغلفت الأحقاد والأضغان والمظالم وويلات الاحتلال بأصباغ من الخداع ودخان من التمويه حتى تنال غرضها الخبيث على حساب الأمة المسكينة. 

استغلال الأنظمة للحوادث: رغم أن البعض علل قيام تلك الحوادث بالمظالم الأمريكية وبدكتاتورية الأنظمة، وتصوروا أن ذلك سيلفت النظر إلى هذه الأسباب الجوهرية ويعمل على إزالتها، إلا أن سياسة استغلال الحوادث والاستفادة منها - لتنفيذ المخططات العدائية لاستئصال المعارضة والقوى الوطنية الشريفة- كانت هي الغالبة على التصرفات في تلك الحوادث. 

هذا مع العلم بان الحركات الإسلامية المعتدلة والقوى الوطنية المخلصة لم تتخذ مواقف خاطئة في هذه الحقبة، بل سارعت إلى استنكار الأعمال غير المسؤولة، وتبرأت منها خاصة قتل المدنيين العزل، وكان هذا الاستنكار واضحاً وحاسماً وشديداً، كما أنها لم تتورط أبداً في أسلوب الكراهية والتحريض الذي أخذ به البعض، وحاول أن يبرر أو يلوي اعناق تصرفات الغير ليخرج بها من المأزق الكريه، ورغم كل ذلك، ورغم الإخلاص والرجولة والاعتدال تعرضت تلك القوى والجماعات إلى الكثير من العنت والبغي والاستهداف الذي ترك الألباب حائرة وصير العالم التحرير زنديقاً!

وبعد: فما المطلوب إذن من المسلمين ومن التوجه الإسلامي الواعد؟

  1.  مطلوب التلاحم مع الشعوب ومشاركتها في السراء، والضراء، وحين البأس.

  2.  مطلوب النظر إلى المستقبل والعمل على أن يكون واعداً وأن نستفيد من الدروس.

  3.  مطلوب أن نتحد ونكون جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر وأن تسود لغة والحوار والأخوة.

  4.  مطلوب أن يعمل الجميع على إيقاظ الأمة من غفوتها حتى تستطيع أن تحافظ على مقدراتها وتعي مسؤولياتها وتستعد لغدها، وترجع إلى شبابها العلمي والتقني.

  5.  مطلوب إعلام عصري حر متحمل للأعباء ومقدر للتبعات الجسام ليرد على الحملات المسعورة على الإسلام والمسلمين، تلك التي تؤجج روح الكراهية، وتعبئ الرأي العام الغربي ضد الإسلام والمسلمين، وتسيء إلى الحضارة الإسلامية وتتهمها بالتخلف و تتناسى دورها التاريخي، والعلمي في قيادة البشرية وانتشالها من الجاهلية التي صاحبتها قروناً طويلة.

  6.  مطلوب التصالح بين الشعوب والسلطات والعمل على التكاتف والتآزر لمصلحةالأمة.

وأخيراً، فإننا نبتهل إلى الله تعالى أن يجنب البلاد والعباد والبشرية جمعاء الويلات والحروب والفتن وأن يعيد للامة الإسلامية عزها ومجدها إنهسميع مجيب.. آمين آمين.

الرابط المختصر :