العنوان سُنة الله في الخائنين
الكاتب رمضان خميس الغريب
تاريخ النشر السبت 03-أغسطس-2013
مشاهدات 26
نشر في العدد 2064
نشر في الصفحة 39
السبت 03-أغسطس-2013
من سنن الله في خلقه التي لا تتبدل ولا تتغير سنته في الخائنين، وقد ورد رصد تلك السنة وملامحها في القرآن الكريم مرات عديدة بصيغ مختلفة في مواطن متعددة، فوردت الآيات الدالة على تلك السنة في القرآن الكريم ست عشرة مرة، ووردت بصيغ الماضي والمضارع واسم الفاعل والمصدر وصيغة المبالغة، ووردت مسندة إلى المفرد والمثنى والجمع، ولذلك دلالات متعددة نرصد بعضها نتتبع معالمها لنبين سنة الله تعالى فيها، ومن تلك المعالم ما يأتي:
١- أن الخيانة موجودة في الماضي، والحاضر، وستوجد في المستقبل ما دام على الأرض حياة وأحياء.
٢- أن الخيانة تصدر من الفرد والمجموع.
٣- أن أنواع الخائنين متفاوتة من خائن إلى خوان.
٤- أنها منهي عنها حتى مع من يشك المرء فيهم حتى ينبذ إليهم على سواء.
٥- أن من اعتاد تلك الخيانة لا يتوقف عند حد، فلا يقف عند حدود الخوف من الله ولا رسوله، فضلًا عن المؤمنين وعموم الناس أجمعين.
٦- أن الله تعالى يمكن من الخائنين ولا يفلتهم.
تلك أهم معالم وملامح الخيانة والخائنين وتجري عليهم سنة الله تعالى... ومن أهم ملامح تلك السنة فيهم: أن الله لا يهدي كيدهم ويلخص ذلك بيقين قول الله تعالى: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ (يوسف: 52)
يقول صاحب «التحرير والتنوير»: ومعنى «لا يهدي كيد الخائنين» لا ينفذه ولا يسدده، فأطلقت الهداية التي هي الإرشاد إلى الطريق الموصلة على تيسير الوصول، وأطلق نفيها على نفي ذلك التيسير، أي: إن سنة الله في الكون جرت على أن فنون الباطل وإن راجت أوائلها لا تلبث أن تتقشع، كما قال الله تعالى في موطن آخر: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ (الأنبياء: 18) (التحرير والتنوير ۱۲ / ۲۹۳، وتفسير العلامة الشيخ الشعراوي ١٦٣٥).
وعندما نتتبع الآيات الكريمة التي وردت فيها تلك السنة الماضية والقانون الحاكم من قوانين الله تعالى في الخلق، نلحظ أن الآيات بعدها مبشرة مطمئنة بأن عاقبة الخيانة للمخون منسية له ألم الخيانة ومرارتها، وشدتها وقساوتها.
لقد تعرض يوسف عليه السلام لخديعة غير متوقعة وخيانة مؤكدة، فناله من التمكين ما ناله، وذلك ما سجله القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ (يوسف)
والعجيب في الآيات الكريمة أنها واردة في سياق خيانة شخصية، وهي خيانة امرأة العزيز، واللفظ أعم من الخيانة المتبادرة إلى الذهن، بدليل جعل القرآن الكريم منها سنة من سنن الله تعالى ومبدأ من مبادئ القرآن الكريم، في صورة قاعدية مبدئية سننية ثابتة: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ (يوسف: 52)
كما يلفت النظر أن الآيات متعلقة بالتمكين بعد تلك الخيانة، فورد فيها: «استخلصه لنفسي» وتلك نعمة بعد نقمة وعطاء بعد بلاء وشدة يعقبها رخاء، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، كما ورد في الآيات الكريمة بعد تلك الخيانة قوله تعالى: ﴿ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ (يوسف)
فهناك تمكين ولا يكون ذلك إلا بعد ابتلاء، كما هي سنة الله تعالى في التمكين، والخيانة نوع من هذا الابتلاء، وهناك تبشير برحمة الله تعالى المضافة إلى ناء العظمة في «برحمتنا» وهناك وعد كريم بأن الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون.
فهل في الآيات الكريمة ملامسة لواقعنا الذي نعيشه، وتبشير بمستقبلنا الذي ننتظره، ونتطلع إليه، وطمأنة على مضي سنن الله في الخلق لا تتخلف ولا تتأجل ولا تتبدل ولا تتحول، وبيان يقول: إن عين الله راقبة وقدرته ماضية، وسنته لا تتخلف، وهو تعالى للخائنين بالمرصاد، وللمهضومين ناصر ومعين، يمكنهم بعد ابتلاء، ويكرمهم بعد امتهان، ويعطيهم بعد حرمان، ويعزهم بعد هوان، ويجعل منهم أئمة ودعاة وقادة، إن سنن الله في الخائنين ماضية دائرة ما دارت على الأرض حياة وأحياء، وتلك خصيصة من خصائص السنن الربانية وصفة من صفاتها.. والله وحده خير مسؤول ومأمول.