العنوان شعب العراق بين ظلم الطاغية وتأمر الغرب
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 10-سبتمبر-1996
مشاهدات 23
نشر في العدد 1216
نشر في الصفحة 9
الثلاثاء 10-سبتمبر-1996
تكاد تكون أرواح المدنيين العراقيين وأعراضهم وأرزاقهم أقل الأمور أهمية لجميع الأطراف في مواقفها من عدوان قوات النظام العراقي على كردستان العراق ثم الهجمات الأمريكية الغامضة على الجنوب. فالطاغية المتحكم بمصير الشعب العراقي ينفذ عدوانًا آخر على شعبه ويضرب أربيل ومدنا كردية أخرى بالمدفعية ويطلق النار على مواطنيها في الشوارع ضاربًا عرض الحائط بما تسميه الأمم المتحدة مناطق «آمنة» للعراقيين في الشمال. والولايات المتحدة ترد بهجمات صاروخية على مواقع الدفاع الجوي العراقي في الجنوب في خطوة لا علاقة لها من الناحية العسكرية بما يحدث في الشمال، وتدعى أنها لقنت الطاغية العراقي درسًا، ومتى كان صدام حسين يستفيد من الدروس؟
أما فرنسا فقد تحفظت على الرد الأمريكي، لأن باريس لديها دائمًا شيء تخالف فيه الأمريكان، وروسيا تقول إنها غاضبة من العمليات الأمريكية لأن يلتسين يحب أن يقول لشعبه أنه ليس تابعًا لواشنطن، كذلك فإن لباريس وموسكو مصالح مالية وتجارية كبيرة مع الطاغية العراقي عطلتها الإجراءات الأمريكية.
أما تركيا فقد عارضت الضربات لأنها تريد النفط من صدام حسين لأن مصالحها اقتضت ذلك، وبعض الحكومات العربية تحفظت على الرد الأمريكي من باب نفي التبعية للإدارة الأمريكية، أما الجامعة العربية فاستيقظت من سباتها لتستنكر الاعتداء على سيادة دولة عربية ونحن لا ندري هل سحق النظام العراقي لشعبه جزء من هذه السيادة؟
لقد حددت مصالح الحكومات في العالم مواقفها من التطور الأخير في المواجهة الأمريكية مع النظام العراقي، أما الشعب العراقي بغالبيته المسحوقة تحت نير هذا النظام فلا يبدو أنه جزء من المعادلة. إن الإجراءات العسكرية الأمريكية والتي اقتصرت حتى نهاية الأسبوع الماضي على ضربات صاروخية غامضة الأهداف لا يمكن أن تفسر على أنها خطوة لإضعاف حكم صدام حسين، فتدمير عدد من منصات الصواريخ العتيقة وقتل بعض طواقمها لن يضير الطاغية الذي أرسل مليون إنسان من شعبه إلى محرقة الحروب دون أن ترمش له عين أو يرف له جفن. وصدام حسين معروف بشغفه بهذا النوع من المواجهات المحدودة التي يجد فيها نفسه المريضة المحبة لاصطناع البطولات الفارغة على جثث الجنود العراقيين وحطام معداتهم، وقد أصبح حديث العالم والخبر الرئيسي الأول في وسائل الإعلام. وأصبح من العسير الآن إقناع أحد في المنطقة. ولاسيما في دول الخليج - بحسن النوايا الأمريكية في شأن العراق وعلاقة نظامه المتسلط بحالة الأمن في الخليج، فالمصداقية الأمريكية تتآكل سريعًا منذ حرب تحرير الكويت وما تلاها من ابتزاز مستمر، والمواطن الخليجي لا يفهم كيف يكون ضرب أربيل من قبل الحرس الجمهوري العراقي جريمة من وجهة النظر الأمريكي في حين أن ذبح الجيش الصهيوني لمائة إنسان بريء في قانا بجنوب لبنان خطأ غير مقصود وكيف يتم ضرب صدام حسين؛ لأنه هاجم الأكراد في الشمال فيما يشن الاتراك حرب إبادة على الأكراد منذ سنوات دون أن تحرك أمريكا ساكنًا أو تصدر حتى بيان شجب أو إدانة فالولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بمبدأ سيئ الذكر هنري كيسنجر الذي قال: إن على واشنطن أن لا تحل أزمات العالم، بل أن تديرها لصالحها، والأزمة العظمى التي أحدثها الطاغية المجرم في بغداد لم تزل تلقي ثمارًا كثيرة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
وقد يكون لأحداث العدوان الصدامي على الشمال تفسيرات أخرى تكشفها الأحداث قريبًا، وقد يكون لحماس الرئيس كلينتون لإطلاق صواريخ نحو أهداف في العراق علاقة بموقفه الانتخابي الحساس، كما أشار إلى ذلك كثير من المراقبين الغربيين عمومًا، والأمريكيون على وجه الخصوص، لكن بعد انجلاء غبار هذه الأزمة سيبقى المواطن البريء في العراق يعاني فجور النظام وبؤسه، وستبقى دول المنطقة وشعوبها تدور في حلقة مفرغة من التوتر والاضطراب أحدثناها نحن بضعفنا وتفرقنا وغياب قيم الإسلام وعقيدته عن دفة السياسة وقراراتها التي أذكاها وسعر أوارها التسلط الغربي والصهيوني وفرضها على بلادنا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل