; شهادات من المغرب في حق الإمام يوسف القرضاوي يرحمه الله | مجلة المجتمع

العنوان شهادات من المغرب في حق الإمام يوسف القرضاوي يرحمه الله

الكاتب عبدالغني بلوط

تاريخ النشر السبت 01-أكتوبر-2022

مشاهدات 5

نشر في العدد 2172

نشر في الصفحة 44

السبت 01-أكتوبر-2022

عبدالإله بن كيران: كان أستاذنا في الوسطية والاعتدال:

(الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رئيس الحكومة المغربية الأسبق، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح)

ماذا عساني أن أقول عن الشيخ يوسف القرضاوي، رحمة الله، الذي قدم خدمات جليلة للأمة الإسلامية في كل الميادين والمجالات، معرفتي به الشخصية تعود إلى حوالي 40 عامًا، وهو بالنسبة إلينا أستاذ لجيل بكامله والمرجع الأول للحركة الإسلامية التي عشتها، وكانت أفكاره بردًا وسلامًا على الحركة الإسلامية منذ كتاباته الأولى، وإني قد لا أذكر كل كتبه، ولكني قرأته معظمها وتأثرت به، وقد كنت صاحب مكتبة وكان أكثر الكتب طلبًا كتبه، رحمه الله.

وقد ساهم إلى جانب آخرين في نشر ثقافة الصحوة الإسلامية، خصوصًا أفكاره وآراءه وقوته في الخطابة وحجيته وصدقه، وكتبه المشهورة التي كانت تتقبل بقبول حسن، ومن بينها "الحلال والحرام في الإسلام"، وأخص بالذكر كتابه "الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف". 

وكان واحدًا من كبار أساتذتنا في الوسطية والاعتدال، وسباقًا إلى الدعوة إليها، كما الدعوة إلى الاندماج في المجتمع والتفاعل معه إيجابيًا وحسن الظن بالناس بخلاف بعض الاجتهادات التي ترى الانعزال عن المجتمع أو الموقف السلبي منه، وأيضًا دعوته إلى الابتعاد عن التطرف والسرية والتشدد، والمشاركة في الحياة السياسية.

والرجل، رحمه الله، وعلى مدى خمسين سنة تقريبًا التي عشتها في الحركة الإسلامية، كان هو الأستاذ الأول سواء تعلق الأمر بفكر الصحوة أو بفقه الدين، أو بفقه الوسطية والاعتدال، وكذلك زرته في قطر أكثر من مرة، وهو قريب مني، أخ كبير صديق عزيز كما أسلفت.

نحن متأثرون بوفاته، لكنه قام بواجبه على أحسن الوجوه، وأدى دوره كما يجب، وبه وبمثله تعتز الأمة وتفتخر، ونسأل الله تعالى أن يبعث في الأمة من يقوم بهذا الدور في المستقبل، وأن يرحمه ويغفر له.

محمد الحمداوي: كانت حياته متطابقة مع مسار الصحوة:

(مفكر مغربي، برلماني سابق، رئيس سابق لحركة التوحيد والإصلاح)

في الحقيقة، وفاة الشيخ يوسف القرضاوي، رحمه الله تعالى، في سن حوالي 100 عام هجري، توحي بالبحث في تاريخ الصحوة الإسلامية المعاصر، وعن محطات التطابق بين حياته ومسار الصحوة الإسلامية في المائة سنة الأخيرة.

لقد انخرط منذ شبابه في الصحوة الإسلامية أيام كانت في بدايتها وتشق طريقها في مسار إثبات الذات والرد على الشبهات، ثم جاءت مرحلة صعبة فيها استهداف ومحاولة استئصال لهذه الصحوة الإسلامية، وكان من ضمن من عانوا وصمدوا وثبتوا في هذه المرحلة استعدادًا لما بعدها من المراحل.

ثم جاءت مرحلة الصعود والنمو والانتشار، وكان الشيخ القرضاوي في قلب وصلب هذه الحركة، وهذه الصحوة الإسلامية التي عرفت فيما بعد السبعينيات توسعًا وانتشارًا، وتجديدًا في الفكر، وعطاء وتدافعًا في كل الميادين، ميادين الإصلاح وميادين المدافعة، وقد كتب الله للشيخ، رحمه الله، أن يكون حاضرًا في أكثر من ميدان ومن مجال من مجالات التدافع الحضاري، فكان في المجال المعرفي، والأدبي، والدعوي، والشرعي، والفكري، والحركي والتنظيمي، والإعلامي، والتأليف والتوجيه والإرشاد، هذه كلها يمكن أن نلاحظ هذا المنحنى الذي عرفتها الصحوة الإسلامية منذ بداية صعودها إلى أوج عطائها، نجد أنها شكلت نوعًا من التطابق مع الشيخ القرضاوي.

وحينما وصلت الصحوة الإسلامية لأوج عطائها كان كذلك الشيخ القرضاوي في قلب هذا الأوج، واحتاجت الصحوة الإسلامية آنذاك مجهودًا للترشيد، ومجهودًا لقيادة التوجيه والإرشاد على الوسطية والاعتدال والحكمة، وكان حاضرًا بمقالاته وكتاباته ومحاضراته، بتأطيره العام الذي استفاد منه أبناء الصحوة الإسلامية وجمهورها بشكل عام، وفي الوقت الذي اضطر أن تتقلص بعض عطاءاته بسبب المرض والسن، عرفت الصحوة الإسلامية نوعًا من البطء في النمو، وتراجعًا في الامتداد والتوسع والانتشار. 

واليوم بعد وفاة الشيخ القرضاوي، رحمه الله، نلاحظ بشكل واضح أن الصحوة الإسلامية تعيش حالة من القلق والتوتر ومن الحوار الداخلي، ومن التلاقح والتدافع الداخلي بين الأفكار والخيارات، والبحث عن أفكار جديدة لانطلاقة جديدة.

لا شك أن البعض يطرح السؤال: من يخلف الشيخ يوسف القرضاوي كشخص؟ ولكن السؤال ربما سيكون من باب أولى حول المرتكزات والمحركات، في جولة جديدة من التدافع، تأخذ وتستفيد من منهاج وعطاءات ونموذج الشيخ القرضاوي وغيره من مشايخ الصحوة الإسلامية، ولكي تستخرج وتبلور هذه المرحلة الجديدة بمحركات جديدة وبأفكار رافعة تعطي للصحوة الإسلامية استمرارها وتبني على ما تم إنجازه في مرحة الشيخ القرضاوي، وتنطلق إلى آفاق جديدة بأفكار جديدة تضمن الاستمرارية لهذه الصحوة الإسلامية وتضمن الحضور في منحنى الترافع والتدافع الحضاري بين الأمم.

د. سعد الدين العثماني: كان عَلَم الوسطية والتجديد:

(قيادي إسلامي مغربي، رئيس الوزراء المغربي السابق، أمين عام حزب العدالة والتنمية سابقًا)

إن فقدان د. يوسف القرضاوي، رحمة الله عليه، خسارة كبيرة للدعوة الإسلامية ولمحبيه وتلامذته، وللأمة الإسلامية، فهو من أعلام الوسطية وخير من عرف بها وبيَّنها ودعا إليها. 

كانت مؤلفاته ودروسه منارات لملايين المسلمين عبر العالم الإسلامي، نفع الله بها البلاد والعباد، فهو لم يترك مجالًا في الثقافة الإسلامية إلا وكتب فيه مؤلفات أو مقالات، أو حاضر فيه، وناهزت مؤلفاته مائة وسبعين عنوانًا، طبعت باللغة العربية مرات كثيرة، وترجم أكثرها إلى اللغات الإسلامية والعالمية، وشغل الناس باجتهاداته وفتاواه ومبادراته.

اهتم كثيرًا بالعلوم المنهجية، وهي علوم الأصول (أصول الفقه، وأصول الحديث بالخصوص)، واهتم بالعلوم الإيمانية فحاضر فيها، وكتب "العبادة في الإسلام"، و"الإيمان والحياة"، وفيهما من الإشارات الربانية ما يرقي وينقي، وألَّف كثيرًا في ترشيد الصحوة الإسلامية ومعالجة تساؤلاتها في فترات الضيق والسعة.

وكان، رحمه الله، مهتمًا بتأسيس المؤسسات العلمائية التي تفيد الأمة وترشد مسيرتها. 

قد يختلف الناس مع د. القرضاوي في بعض اجتهاداته أو بعض مواقفه، لكنهم لن يختلفوا حول دوره في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال، وفي أنه كان حاضرًا حضورًا فاعلًا في مختلف قضايا الأمة، اتخذ فيها مواقف وأصدر فتاوى، وترك بصمات في مجالات شتى، وبقي صامدًا على العديد من الثغور إلى أن توفاه الله عن عمر يقارب المائة سنة. 

رحم الله الفقيد وغفر له، وتقبل منه علمه وعمله، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.

الرابط المختصر :