العنوان شهر على عملية «غصن الزيتون» الأسباب.. الأهداف.. التحديات.. السيناريوهات
الكاتب د. سعيد الحاج
تاريخ النشر الخميس 01-مارس-2018
مشاهدات 13
نشر في العدد 2117
نشر في الصفحة 38
الخميس 01-مارس-2018
حكومات العدالة والتنمية المتلاحقة تبنت سياسة متدرجة فيما يتعلق بالحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية لأكراد تركيا
الفصائل الكردية السورية شعرت بفرصة تاريخية لإقامة كيان سياسي لها تحلم به منذ قرن مضى
تركيا وضعت «غصن الزيتون» تحت باب الدفاع عن النفس المنصوص عليه بالمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة
تركيا حرصت على مشاركة مجموعات من الجيش السوري الحر في العملية كقوة محلية تساهم في مشروعيتها
السوري
في العشرين من يناير الماضي، أعلنت تركيا عن إطلاقها لعملية أسمتها «غصن الزيتون» في عفرين شمال غرب سورية، لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب (YPG).
وإلى حد بعيد، يمكن اعتبار العملية مرحلة ثانية أو لاحقة على عملية “درع الفرات” التي نفذتها تركيا بين أغسطس 2016 ومارس 2017م في مواجهة “تنظيم الدولة” (داعش) والمنظمات الانفصالية الكردية في الشمال السوري.
الأسباب والأهداف:
ثمة مسألة كردية في تركيا منذ تأسيس الجمهورية في عام 1923م ترتبط بشكل أو بآخر بالمسألة الكردية في المنطقة على امتداد ثلاث دول أخرى، هي سورية والعراق وإيران، وقد تبنت حكومات حزب العدالة والتنمية المتلاحقة منذ عام 2002م سياسة متدرجة في حلحلتها، بما يتعلق بالحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية لأكراد تركيا مقابل تخلي حزب العمال الكردستاني عن حربه ضد الدولة، وعن فكرة الانفصال عنها، وعن سلاحه، وقد مضت الإصلاحات في طريقها المرجو، وصولاً لمرحلة التفاوض المباشر مع الحزب وزعيمه السجين في تركيا منذ عام 1999م «عبدالله أوجلان»، إلا أن تطورات الأزمة السورية قلبت الطاولة على أنقرة.
شعرت الفصائل الكردية السورية بفرصة تاريخية لإقامة كيان سياسي لها تحلم به منذ قرن مضى، وعلى وقع ذلك تراجع العمال الكردستاني عن الهدنة مع أنقرة، واستأنف عملياته العسكرية في يوليو 2015م، ومنذ ذلك الحين تعمل تركيا على محاولة منع تأسيس دويلة أو ممر يحكمه حزب الاتحاد الديمقراطي (الامتداد السوري للعمال الكردستاني) على حدودها الجنوبية، وتبدو تلك أولوياتها الكبرى في سورية.
مع عملية «درع الفرات»، منعت أنقرة التواصل الجغرافي بين «الكانتونات» التي يسيطر عليها الحزب في الشرق (الجزيرة وعين العرب) والغرب (عفرين)، لكن ذلك لم يمنع استمرار المشروع والدعم الأمريكي له، الأمر الذي تطلب تدخلاً ثانياً من تركيا، خصوصاً بعد إعلان التحالف الدولي لمحاربة «داعش» عن نيته إنشاء قوة حرس حدود قوامها 30 ألف مقاتل معظمها من المقاتلين الأكراد.
تشكل عفرين خزاناً بشرياً للعمال الكردستاني وعملياته ضد تركيا، كما أن قربها من الحدود يساهم في تهريب المقاتلين والسلاح نحوها، إضافة لكونها الجزء الأقرب من البحر المتوسط الذي يحلم الحزب بالوصول إليه، وانطلاق بعض المقاتلين منها عبر المتوسط إلى الداخل التركي، فاتخذ صانع القرار التركي قراره أخيراً بإيقاف كل ذلك.
أعلنت تركيا عن هدف العملية الأكبر، وهو إنهاء سيطرة وحدات الحماية على عفرين وإخراجها من هناك تماماً، وقد وضعت ذلك في سياق الحفاظ على وحدة الأراضي السورية (منع «الفدرلة») ومواجهة خطر «الإرهاب» وتحرير مواطني المنطقة من قبضتهم، وكان ذلك أحد مسوغات إطلاق اسم «غصن الزيتون» على العملية، إضافة لاشتهار المنطقة بأشجار الزيتون.
بيد أن الأيام اللاحقة على بدء العملية تضمنت تصريحات أوحت بأهداف أخرى، فرعية أو مرحلية أو إضافية، تريدها أنقرة؛ مثل إنشاء حزام آمن على الحدود السورية - التركية في منطقة عفرين بعمق 20 - 30 كلم، وفق ما ورد على لسان رئيس الوزراء «بن علي يلدريم»، ويمكن إضافة هدف ثالث ورد في تصريحات الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، وهو تهيئة الأرضية والأرض، بعد خروج أو إخراج وحدات الحماية، لعودة جزء مهم من اللاجئين السوريين على الأراضي التركية.
التحديات:
ثمة تحديات تواجه أي عمل عسكري تنفذه أي دولة خارج حدودها، يتعلق في المقام الأول بمدى مشروعية ذلك العمل وتسويغه دولياً، ولذلك وضعت تركيا عملية «غصن الزيتون» تحت باب الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، إضافة لقرارات مجلس الأمن التي تحمل الأرقام (1624) لعام 2005، و(2170) لعام 2014، و(2178) لعام 2014م المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وهي تقريباً نفس المسوغات التي قدمتها تركيا في عملية «درع الفرات» سابقاً لبناء شبكة أمان سياسية وقانونية لعمليتها العسكرية خارج الحدود، لكن عملية «غصن الزيتون» تبدو مختلفة نوعاً ما، الأمر الذي تطلب إجراءات إضافية لحماية العملية وتسويغها.
فمن ذلك تحصين الجبهة الداخلية خلف العملية، إن كان على المستوى الشعبي أو النخبوي/ المدني أو الحزبي، خصوصاً أحزاب المعارضة التي حرص رئيس الوزراء «بن علي يلدريم» على لقائها ووضعها في صورة التطورات وضمان دعمها للعملية منذ اليوم الأول لبدء التحرك العسكري.
ومن الإجراءات التي حرصت عليها أنقرة ضماناً لسير العملية وفق المخطط لها الاتصالات المستمرة التي تجريها القيادة التركية مع الدول المؤثرة والأطراف ذات العلاقة، خصوصاً روسيا التي يبدو أن التفاهم معها سبق بدء العملية، حيث سحبت شرطتها العسكرية من عفرين ولم تعارض استخدام المقاتلات التركية الأجواء السورية التي تسيطر عليها، كما أن تركيا حرصت على مشاركة مجموعات من الجيش السوري الحر في العملية كقوة محلية تساهم في مشروعيتها وتنفي فكرة الاحتلال والاعتداء على الأراضي السورية، فضلاً عن تأكيدها المتكرر على عدم طمعها في الأرض وعدم نيتها البقاء فيها بعد دحر وحدات الحماية.
التحديات الماثلة أمام عملية «غصن الزيتون» تختلف عن مثيلاتها في «درع الفرات» بما يلي:
أولاً: مواجهتها في المقام الأول لوحدات حماية الشعب وليس «داعش»، وهي التي لا تتفق معظم الأطراف، خصوصاً واشنطن وموسكو، مع أنقرة على تصنيفها في قوائم الإرهاب.
ثانياً: التضاريس الجبلية في عفرين التي تصعّب المهمة على المقاتلات والفرق المدرعة على حد سواء، إضافة لأجواء الطقس غير المناسبة لا سيما في بدايات العملية.
ثالثاً: أعداد وتسليح مقاتلي وحدات الحماية، في ظل تقارير عن تسلمهم أسلحة نوعية مثل مضادات الطيران ومضادات الدروع، وهي -الأخيرة- التي استخدموها ضد دبابة تركية في الأسبوع الثالث للعملية.
رابعاً: المواقف الدولية غير المساندة لأنقرة في عمليتها، وفي مقدمة تلك المواقف النظام السوري وفرنسا والولايات المتحدة، إضافة لغموض الموقف الإيراني الذي تحول لاحقاً لرفض صريح على لسان الرئيس «حسن روحاني»، فضلاً عن عدم صراحة الموقف الروسي في تأييدها.
سيناريوهات المستقبل:
بعد شهر من إطلاقها، وبالنظر لكل ما سبق، وبالوضع بعين الاعتبار دوافع تركيا وطبيعة العملية ومواقف مختلف الأطراف، يمكننا رصد أربعة سيناريوهات رئيسة محتملة لعملية «غصن الزيتون»:
الأول: عملية واسعة لسيطرة تركية شاملة على كامل منطقة عفرين، بما يشمل مركز المدينة والمناطق الآهلة بالسكان واستسلام وحدات الحماية وخروجها من عفرين، وهو السيناريو الذي تفضله أنقرة بالتأكيد، لكنه الأصعب والأطول زمناً والأعلى كلفة عسكرياً واقتصادياً وبشرياً.
الثاني: عملية محدودة تكتفي بتأمين الحدود وحصار مسلحي وحدات الحماية في قلب مدينة عفرين وإنشاء منطقة آمنة بعمق 20 - 30 كلم من الحدود التركية، وهو سيناريو يحقق الحد الأدنى من الأهداف التركية مع تجنب حالة استنزاف طويلة الأمد وخسائر كبيرة في صفوف الجنود والمسلحين والمدنيين، وقد تكون حالة مؤقتة يمكن البناء عليها لاحقاً.
الثالث: استدراج تركيا لحرب استنزاف مستدامة في عفرين دون القدرة على القضاء على مسلحي وحدات الحماية، وزيادة الضغوط الدولية عليها مع الضحايا المدنيين المحتملين في المناطق كثيفة السكان، وهو ما يبدو أن الوحدات قد بنت إستراتيجيتها عليه.
الرابع: إبرام الوحدات صفقة مع النظام في دمشق لتسلم عفرين وتجنب المواجهة الشاملة مع تركيا، وهو احتمال يبقى قائماً في ظل تعارض المصالح بين مختلف الأطراف في عفرين، فرغم تفهم روسيا لدوافع تركيا وعدم عمل إيران علناً على إفشالها، فإن الطرفين -ومعهما النظام- غير معنيَّيْن بنصر تركي ناجز في عفرين، ولا يريان مصلحة لهما في سيطرة أنقرة ومجموعات الجيش الحر على المنطقة، كما أن الوحدات لو خيرت بين تركيا والنظام لاختارت الأخير، وهي المتهمة دائماً بالتنسيق معه وعدم مواجهته منذ بدء الثورة في عام 2011م.
بالنسبة لأنقرة، فإنها قد تقبل نظرياً سيطرة النظام على عفرين إذا كان ذلك على أساس إنهاء سيطرة الوحدات وضمان أمن الحدود والأراضي التركية، لكنها سترفض وتقاوم أي دخول لقوات النظام أو أي مجموعات موالية له إن كان لدعم الوحدات ضد قواتها، كما حصل في نهاية الشهر الأول من العملية، فقد صدرت أنباء من مصادر كردية حول اتفاق لدخول قوات موالية للنظام إلى عفرين «للمساعدة في رد العدوان التركي»، الأمر الذي استدعى تحذيراً تركياً مدفعياً للرتل المتوجه من حلب إلى عفرين وإجباره على العودة أدراجه، فضلاً عن جهد دبلوماسي تركي مع موسكو وطهران للتأكيد على رفض دخول أي قوات يمكن أن تعقّد العملية وتزيد من تحدياتها بالوقوف إلى جانب الوحدات.
في الختام، إذا ما قدر لعملية «غصن الزيتون» أن تستمر وفق ما هو مخطط لها، فإنها ما زالت في البدايات التمهيدية لها، وما زالت الفصول الأهم قادمة، لكن ذلك لا ينفي أبداً إمكانية حصول متغيرات مهمة تؤثر في مسار العملية ومصيرها، وفي مقدمة ذلك مواقف بعض الأطراف الفاعلة -خصوصاً روسيا وبدرجة أقل إيران- وسيناريو الصفقة الذي سيبقى احتمالاً قائماً رغم كل شيء.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل