العنوان صراع القوى الأجنبية في منطقة الخليج
الكاتب الأستاذ حمود الراشد
تاريخ النشر الثلاثاء 10-أبريل-1973
مشاهدات 22
نشر في العدد 145
نشر في الصفحة 11

الثلاثاء 10-أبريل-1973
صراع القوى الأجنبية في منطقة الخليج
دعوة لوحدة خليجية حقيقية وقوية تحمي الخليج، وتحصنه ضد الطامعين
للأستاذ: حمود الراشد- الجامعة الأمريكية- بيروت.
بعد إخراج الخبراء السوفييت من مصر في الصيف الماضي كتبنا نتساءل: هل يصبح الخليج العربي منطقة الصراع الدولي المقبل؟ وانتهينا إلى أن المؤشرات العامة لمجرى الأحداث دوليًّا، وعربيًّا، وخليجيًّا تتجه نحو تأكيد ذلك.
وبقيت البحيرة الخليجية -بعد ذلك- مسرحًا لرياح ساخنة قادمة من جهات مختلفة، فالاتحاد السوفييتي عزز مركزه في العراق خاصة بعد زيارة الرئيس العراقي لموسكو، التي توجت ببيان ورد فيه أن البلدين «يؤيدان كفــــاح الشعب العربي في الخليج لمواجهة المؤامرات العدوانية الإمبريالية التي تستهدف حرية واستقلال الشعب العربي في الخليج»، كما أن قطع الأسطول السوفييتي تمخر عباب الخليج ما بين فترة وأخرى في زيارات ودية لميناء «أم قصر» العراقي، وتعزز المركز السوفييتي في اليمن الجنوبية بعد أن حسم الصراع الداخلي في الجبهة القومية بانتصار الجناح السوفييتي الذي يتزعمه عبد الفتاح إسماعيل، وامتد هذا «الانتصار» السوفييتي إلى صفوف الثوار في ظفار (الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي) حيث تكرس خط الولاء للدولة الشيوعية «الأم» أكثر مـــن أي وقت مضى، بالإضافة -طبعًا- إلى دخول المحور السوفييتي- الهندي كعامل مساعد وفعال لصالح السياسة السوفييتية في منطقة الخليج.
والولايات المتحدة -من جانبها- تزايدت اهتماماتها الخليجية سواء استجابة لصيحات الخطر من الخبراء الاقتصاديين الأمريكان الذين ينذرون -الآن- بدخول الولايات المتحدة إلى أزمة خطيرة بعد سنة ۱۹۸۰؛ بسبب الحاجة المتزايدة إلى الطاقة، أو انسجامًا مع لعبة القوى العالمية التي بدأت يومًا بعد يوم تتخذ ملامح جديدة على وجه الكرة الأرضية كلها، وتمثل النفوذ الأمريكي في الخليج الآن في عدة مستويات اقتصادية وسياسية وثقافية عسكرية كذلك، وهو 0000 معزز وقوي.
وإيران هي الأخرى؟؟ تعزز مركزها الخليجي مدفوعة بهواجس الإمبراطورية كسروية -التي استعادت قوتها من جديد- أو دافع تنفيذ لتطلعات أخرى تتلاقى مع تطلعاتها طبعًا وهي -على أية حال- دولة «خليجية» تملك علاقات جيدة مع أكثر من دولة عربية خليجية اقتصاديًا سياسيًا وعسكريًا، وجالياتها في الكويت والبحرين وقطر وساحل عمان جاليات ذات ثقل ملموس، و«تحريكها» ليس صعبًا في أي وقت يشاء التاج كسروي في طهران.
وحتى الآن لم تؤد هذه الرياح المتلاقية من كل جهة في أكثر من تيارات متلاطمة ...البحيرة الخليجية، وإن لم يؤد هذا التلاطم -حتى الآن على الأقل- إلى فيضان حقيقي، وهو التوقع غير المستبعد لمن يستقرئ «منابع» و«اتجاهات» تلك التيارات المتلاطمة.
ولكن ما هي احتمالات هذا «الفيضان» في ضوء الصورة الجديدة التي تتجلى يومًا بعد يوم؟
قبل أن ندخل في محاولة الإجابة على هذا السؤال يجدر بنا أن نلقي نظرة سريعة على واقع القوى المحلية وعلاقاتها من ضمن المنطقة، بحسب المصطلح السياسي المتداول فإن منطقة الخليج تتكون الآن من خمس دول ذات سيادة: الكويت، والبحرين، وقطر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، وثلاث من هذه الدول (البحرين، وقطر، ودولة الإمارات) لم تنل استقلالها إلا قبل حوالي سنة ونصف، في حين ظلت سلطنة عمان «مستقلة» وإن كانت لم تنضم للجامعة العربية والأمم المتحدة إلا بعد الإطاحة بالسلطان السابق، وفي حين نالت الكويت استقلالها في سنة ١٩٦١.
وتبقى بالإضافة إلى هذه الدول الخمس، ثلاث دول أخرى تصنف على أنها دول خليجية، وهي: إيران، والعراق، والمملكة العربية السعودية.
وإذا أعدنا للأذهان واقع الترابط الجغرافي الاستراتيجي بين مناطق الجزيرة العربية كلها؛ استطعنا أن نرى بوضوح من أين تدخل اليمن الجنوبية إلى الدنيا الخليجية، فالإقليم الجنوبي من سلطنة عمان (إقليم ظفار) له علاقة وثقى جغرافيًا وبشريًا -إلى حد كبير- ببلاد المهرة التي تمثل -الآن- الإقليم الشرقي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوبية) ومن ظفار يتحرك النشاط اليساري المسلح المدعوم من عدن، طارحًا شعاره الشهير «تحرير الخليج من عمان جنوبًا إلى الكويت شمالًا»
وتتطلع الخلايا الماركسية السرية في عموم الرقعة الخليجية إلى النظام ... على أنه النظام الرائد في الجزيرة العربية في تطبيق الماركسية اللينينية وفي إشغال «الثورة المستمرة».
ومن ضمن الرؤية الجغرافية الإستراتيجية أيضًا نستطيع أن نرى موقع المملكة العربية السعودية في منطقة الخليج، فالسعودية تملك شريطًا ساحليًا يطل على الخليج، ويمتد من المنطقة المحايدة الكويتية السعودية شمالًا إلى شبه جزيرة قطر جنوبًا، والسعودية لها دورها السياسي في الخليج؛ فهي دولة معادية تمامًا للشيوعية، وأكثر ما يزعج الاتحاد السوفييتي في الخليج هو الموقف السعودي المتشدد مع الشيوعية في الخليج والجزيرة العربية.
وهذا «الانزعاج» من السعودية هو الذي يفسر لماذا لا تبقى اليمن الجنوبية مسالمة حتى إذا سالمتها السعودية، وفي كلام آخر أن السعودية حتى إذا أرادت إبقاء حدودها مع اليمن الجنوبية هادئة فإن «طبيعة» النظام في اليمن الجنوبية تدفعه دفعًا إلى محاربة السعودية، وهذا أمر مقرر رسميًا في وثائق الجبهة القومية (انظر على سبيل المثال الباب السابع من برنامج التنظيم السياسي للجبهة القومية الذي أقره المؤتمر الخامس للجبهة في مارس ۱۹۷۲)
في ضوء هذه الصورة، ما هي طبيعة العلاقات الخليجية السوفيتية؟
تتراوح العلاقات الخليجية السوفيتية من التمثيل الدبلوماسي والتعامل التجاري والفني (الكويت وحدها تتبادل التمثيل الدبلوماسي مع موسكو) إلى العلاقات التجارية مع غياب التمثيل الدبلوماسي (البحرين ودولة الإمارات)، إلى ما يشبه الحرب «شبه المعلنة» كما هو الحال في سلطنة عمان التي تتهم السوفييت بالتدخل في شؤونها الداخلية عن طريق الثوار في ظفار، والاتحاد السوفييتي عمومًا ذو حظ سيء الطالع لدى جميع الدول الخليجية، سواء صدر هذا الموقف الخليجي عن هذا السبب، أو ذاك.
وبينما تتمرغ الولايات المتحدة في فائض «الكرم» الخليجي من كل مكان استثمارات، وعمليات نفط، وشركات، وسفارات، وقواعد عسكرية، وأسواق مفتوح على مصراعيها...إلخ.
يبدو الاتحاد السوفييتي أشبه بالمخنوق الباحث عن الأوكسجين الخليجي بأي ثمن كان، ومن هنا يأتي الإصرار السوفييتي الصبور الدءوب على طرق البوابة الخليجية الموصدة في وجهه، ويتراوح الطرق على البوابة الخليجية من الطرق المؤدب اللطيف عن طريق برقيات التهاني لشيــوخ الخليج بمناسبة أعياد الجلوس والاستقلال، وإذاعة البرامج الخاصة في الإذاعة السوفيتية (قدم راديو موسكو برنامجًا خاصًّا في الذكرى الأولى لاستقلال البحرين)، إلى الطرق العصبي العنيف عن طريق «الرفاق» في عدن وفي ظفار، أو الحلفاء الجدد.
ويتجه الاتحاد السوفييتي اتجاهًا أكثر توغلًا في المنطقة، وأبعد نظرًا للمستقبل، مستعينًا بثلاثة عوامل مساعدة:
١- المحور السوفييتي- الهندي: وقد تعزز هذا المحور بعد قيام دولة بنجلاديش وهو يؤثر في ميزان القوى في الخليج عن طريق:
• الجالية الهندية التي تمثل ثقلًا لا يستهان به من النواحي البشرية والاقتصادية، ورغم أن ثقل هذه الجالية ما يزال ثقلًا بشريًّا واقتصاديًّا؛ إلا أن «الإرادة» السوفييتية قادرة على تحويله إلى ثقل سياسي، أو «مبرر» لتحرك الهند في الخليج.
• العلاقات الهندية- الخليجية وهي علاقات قديمة ثقافية وسياسية وتجارية وفنية منذ أيام «الراج» والإمبراطورية البريطانية العظمى.
• الجالية البلوشية التي بدأت أهميتها تتنامى في الفترة الأخيرة بعد تبني السوفييت للمشكلة البلوشية، وهنا يتجلى -بوضوح- التعاون الهندي- العراقي (عدد كبير من البلوش يعملون في القوات المسلحة من جيش وشرطة في عمان وقطر).
٢- التفاهم السوفييتي- الإيراني: ورغم ما تناقلته وكالات الأنباء عن أن كوسيجين في زيارته الأخيرة لطهران أبدى للشاه الإيراني مخاوفه من ازدياد القوة الإيرانية المدعمة من الأمريكان، ورغم أن الشاه نقل للزعيم الروسي مخاوفه المقابلة من تزايد النفوذ السوفييتي في المحيط الهندي والخليج العربي، إلا أنَّ العلاقات السوفيتية- الإيرانية هي الآن أكثر من طيبة، ويبدو أنها لن تنحرف عن الخط «المتفاهم» على الأقل في السنوات القليلة المقبلة؛ إذ سيكتفي السوفييت بـ«التفرج» على صراع المحاور السوفييتية- الخليجية مع المحاور الأميركية- الخليجية من دون أن يكبدوا أنفسهم عناء الصدام المباشر مع الشاه الإيراني، الذي لا ينسى -بطبيعة الحال- حدوده الخطرة مع الدب الروسي، الصديق اللدود.
٣ـ تعزيز التعاون بين الحلفاء: ويتمثل هذا الاتجاه في تنامي العلاقات الهندية- العراقية (مشكلة بلوشتان أسهمت في توثيق هذه العلاقات)، كما أن اليمن الجنوبية تستعمل طيارين عراقيين- وسوفييت في سلاحها الجوي.
• الآن، ما هي أبعاد تحرك الدول الخليجية بين بعضها لمواجهة «التقدم» السوفيتي؟
حتى الآن، ما تزال الدول الخليجية الخمس موزعة الاتجاهات في تحديد سياستها الخارجية، وبعضها يحمل في بنيته الكثير من عوامل الضعف، وعلاقاتها مع بعضها البعض تتأرجح من التفاهم التام (الكويت والبحرين مثلًا) إلى الحساسيات التاريخية الموجعة بين بعضها، أضف إلى ذلك أن علاقاتها مع جيرانها «الكبار» تتأرجح بين «الحــب» و«البغض»، وبين «الطاعة» و«النفور»، وبين «الخوف» و«الرجاء». وليس أكثر مهزلة من الواقع الخليجي سوى الواقع العربي الكبير.
هذا التوزع المريع في البنية الداخلية وفي السياسة الخارجية يقلل كثيرًا من فرص نجاح أية محاولة حقيقية لمواجهة «التقدم» السوفييتي، أو -إذا حسنت النية- المخطط الأميركي الذي هو أكثر حظًّا من نده المخطط السوفييتي.
بعد هذه الجولة السريعة في رحاب العلاقات الخليجية- السوفيتية، نعود إلى موضوع البحث، عنوان المقال، ففي إطار واقع القوى المحلية والدولية يمكن أن تفهم الأحداث الأخيرة، ولنضع مسلسل الأحداث هكذا:
• 18- 3- 73 أدلى علي ناصر رئيس وزراء اليمن الجنوبية ووزير الدفاع بتصريح أكَّد فيه على ضرورة «التلاحم والوحدة بين حكومتي وشعبي العراق واليمن الديمقراطية، وعلى كل المستويات».
• 19- 3- 73 أدلى صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي والرجل القوي في العراق بتصريح ورد فيه أن معركة التحرير من الممكن أن تدور رحاها في أي مكان، في أرض صغيرة؛ في الخليج مثلًا.
• 20- 3- 73 وقع الاعتداء العراقي على مخفر الصامتة الكويتي، واحتلت القـــــــوات العراقية قسمًا من الأراضي الكويتية بعد أن قتلت ثلاثة من الشرطة، وجرحت أربعة آخرين.
• 21- 3- 73 غادر صدام حسين إلى موسكو في زيارة رسمية استمرت أربعة أيام، صدر بعدها بيان أكد على وثوق العلاقات السوفيتية- العراقية.
• 23- 3- 73 قامت طائرتان عسكريتان من اليمن الجنوبية بالإغارة على مركز الوديعة عند الحدود السعودية- اليمنية الجنوبية.
قد يبدو «الربط» بين تصريح علي ناصر وتصريح صدام حسين، أو «الربط» بين اعتداء العراق على الكويت، واعتداء اليمن الجنوبية على السعودية، نوعًا من المبالغة وإعطاء الأمور أكبر من حجمها الحقيقي، ولكن مهما جهدنا في أن نباعد بين التصريحين وبين الاعتداءين، فإن التصريحين -في التحليل النهائي- يمثلان نمط «التفكير السوفييتي» في منطقة الخليج والجزيرة العربية، كما أن الاعتداءين -في التحليل النهائي- يترجمان اتجاه السياسة السوفيتية في الخليج والجزيرة العربية عبر الرفاق والحلفاء، ومن السطحية «وأكثر مصائبنا من السطحية» أن نحاول تحليل الأحداث ومعالجتها بشكل جزئي انفرادي! (مع ملاحظة أننا لا نغفل الملابسات التاريخية في مشكلة الحدود السعودية- اليمنية أو الكويتية- العراقية، التي تبدو كأنها عامل مساعد أو مغذ ليس أكثر).
يبقى أخيرًا أن البحيرة الخليجية سوف لن تهدأ مياهها لأن «الخائضين» كثيرون، ومن كل الجهات: السوفييت، بخلاياهم المنظمة ورفاقهم وحلفائهم الحاكمين، والأمريكان باستثماراتهم وشركاتهم وسفاراتهم وقواعدهم وحلفائهم الحاكمين كذلك (قبل أيام قليلة نقلت صحيفة کیهان انترناشونال الإيرانية شبه الرسمية أن المخابرات الأميركية سوف تتفرغ الآن بعد اتفاقية السلام الفيتنامية للعمل في الشرق الأوسط والخليج. وفعلًا فقد تم تعيين ريتشارد هيلمز مدير الـi.A .C السابق سفيرًا للولايات المتحدة في طهران).
وعلى ذكر طهران فلسنا نغفل تعاظم القوى الإيرانية، ويكفي أن نذكر هنا ما تناقلته الصحافة الأمريكية قبل أيام فقط عن أكبر صفقة تاريخية عقدتها إيران مع أمريكا لشراء أسلحة بما قيمته ملياري دولار، أو ثلاثة مليارات بحسب مصادر مجلس الشيوخ الأمريكي.
ويبقى أن الدول الخليجية الخمس ما لم تتجاوز تناقضاتها -في الداخل ومع بعضها البعض- وتقيم كيانًا موحدًا، فإنها لن تستطيع بحالٍ أن تقف في وجه الطامعين في آبارها وأسواقها وأراضيها وبحارها، وليس هناك من طريق لتجنب الوقوع تحت طاحونة اللاعبين «الكبار» إلا قيام دولة خليجية واحدة من شمال الخليج إلى جنوبه (يبدو أن الاعتداء العراقي جاء لينبه البحرين وقطر أكثر من أي وقت مضى إلى جدية الأخطار التي تهدد دول الخليج، ولهذا جاء رد الفعل البحريني حاسمًا ومؤيدًا بدون تحفظ للكويت، وكذلك إلى حد ما رد الفعل القطري).
في النهاية، هذه حقائق قلناها بكل موضوعية من دون أن تعبر -بالضرورةـ عن موقف ذاتي كائنًا ما كان هذا الموقف.
ح. الراشد
الجامعة الأميركية في بيروت
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلمنطقة الخليج .. احتلت مكانة كبرى في العالم ...خاصة في الفترة الأخيرة...
نشر في العدد 131
27
الثلاثاء 26-ديسمبر-1972

ما هي الأخطار الحقيقية التي تواجه الخليج؟ وما هي الضمانات الحقيقية لتوفير الأمن فيه؟
نشر في العدد 398
14
الخميس 01-يونيو-1978

