العنوان صور من الحياة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 07-مايو-1974
مشاهدات 43
نشر في العدد 199
نشر في الصفحة 41
الثلاثاء 07-مايو-1974
المطر يهطل بغزارة، والرياح تطرق أبواب الدور طرق المنبه لقدرة الله، والجدة بيدها ملقط تقلب به بعض حبات «الكستناء» فوق جمرات تركزت على«منقل» نحاسي متوهج، وبزاويته دله القهوة العربية تنتظر من يشربها، أربعة أطفال من ذكور وإناث ملتفين حول الجدة يتوسلون إليها بسرد قصة من أقاصيصها الحلوة التي تعودوا أن يسمعوها وترقبوها بشغف، وهنا تسأل الجدة: هل أنهيتم يا أولادي من وظائفكم وحفظ دروسكم؟ وهل أديتم صلاة العشاء؟ ويجيبونها بصوت واحد: نعم نعم كلنا انتهينا وكتبنا وحفظنا وصلينا!! وتبدأ الجدة وتدق ساعة الصمت مع بريق لعيون الأطفال إلى فم جدتهم، وطبعًا لابد من مقدمة لقصتها باستفسارها عن القصة السابقة، وماذا تعلم منها الأولاد؟ والجواب لكل متسابق منهم: أن الكذب حرام يا جدتي وأن ما أصاب الراعي هو لأنه كذب فعصى الله، وأكل الذئب غنمه، وكرهه الناس وابتعدوا عنه ، وتشجعهم الجدة بألفاظها المرغبة: الله يرضى عليكم يا أولادي ويوفقكم لطاعته، وهداه واليوم سأذكر لكم قصة الجماعة التي آمنت بربها، فقاتلهم أهل الشر والكفر، ثم نصرهم الله- تعالى- وثبتهم بقوله الثابت!! كان يا مكان في قديم الزمان... وتنتهي الجدة وتقاطعها إحدى البنات لتسألها: من علمك هذه الحكايات يا جدتـي وخاصة إنني أسمع أكثرها من معلمتي وأنا أعرف أنك لم تذهبي إلى مدرسة؟
وتجيبها الجدة: إنها من والدي- رحمه الله- ، كان تقيًا ورعًا قارئًا للقرآن وتفسيره، يجلس بيننا كل مساء مثلكم يا أولادي ويحدثنا عن الإسلام وعن القرآن وعن محمد- صلى عليه وسلم-، ويقطع كلام الجدة مفتاح باب الدار مع طريقة رقيقة عليه إنذارًا بقدوم الوالد، ويهرع الأولاد مهللين؛ لاستقبال أعز مخلوق لديهم، وتترك الزوجة جالسة بالقرب من« حماتها» حياكة الصوف التي بيديها لتقوم فتستقبل الزوج بما هيأت له من عشاء، ويدخل الزوج بانحناءة على أمه« الجدة العجوز» فيقبل يدها ليأخذ منها كلمة« الله يرضى عليك ياولدي» ويلتف الأولاد حول والدهم بالمداعبة تارة والابتسامة أخرى وأخذ الأغراض منها وإعطائها لوالدتهم، ويجلس هو إلى جوار أمه العجوز بعد أن خلع ملابس العمل ليضع يديه فوق الجمرات المشتعلة مستدفئًا بحرارتها وقد طلب من الأولاد الذهاب إلى النوم بعد أن قبل رأس كل ولد وأعطاه نصيبه من الحلوى، ثم نظر إلى وجه أمه ويعطيها قلبه بكل حرف تتكلم، وبعد أن طمأنها عن نفسه وعن عمله، يسألها عن حالها وكيف زوجته معها؟ عندها وفي هذه اللحظات حان للأم العجوز أن ترضي الله، تبدأ بالمدح والثناء لتقول: إنك يا ولدي من أسعد الناس بهذه الزوجة، إنها مستورة في بيتها، لا تعرف الخروج إلا ما ندر، تخدمني وتطيعني باحترام، همها إرضاؤك وإسعادك، غايتها نظافة بيتها وأولادها محافظة على صلاتها وطاعة ربها راضية بقضاء الله، ويا ولدي إن رضائي عليك جمعك بهذه الزوجة الصالحة، ويفرح الزوج بما يسمع من أمه، فيقول : الله يديمك يا أمي، أملي أن تكوني أنت في راحة، وتدخل الزوجة بطبق الطعام وفيه ما لذ وطاب لتضعه بين يدي الزوج ووالدته، ثم تأخذ الخبز لتقلبه على الجمرات حتى يسخن، وتعطي العجوز، لتقول: سم بالله يا أمي، وتجيبها العجوز: باسم الله الرحمن الرحيم، الله يرضى عليك يابنتي وعلى زوجك، ويعقبها الولد وزوجه بذكر اسم الله ويأكلون من طيبات ما رزقهم الله متبادلين أجمل الأحاديث.
هذه هي أمسية العائلة المسلمة، هي الألفة والمحبة والتضامن، كم عبرة وعبرة نأخذ من عرض هذه الصورة، فيها احترام الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، وفيها حسن التربية للأولاد وتنشئتهم على الدين القويم دين الإسلام مع الترغيب والتشجيع، كما فيها التوكل على الله والرضا بما أنعم وفيها أيضًا سعي الرجل على أهل بيته معتمدًا على الله كاسبًا رضاء أمه، وفيها الكلام المرغب للزوج في زوجته من تعداد المحاسن لزيادة الألفة والمحبة إلى غير ذلك من العبر.
هذا هو الإسلام يا أخواتي، هذا هو التكاتف والمحبة وهنا يتجلى رضاء الله، حبذا لو تستفيد كل زوجة من صورتنا فتعرف قدر والدة زوجها؛ لتكسب منها الرضاء حتى تخيلم السعادة على البيت المسلم، وحبذا لو تستفيد كل والدة زوج فترغب ولدها في زوجه، وحبذا أيضًا لو يستفيد كل زوج فيعرف قدر أمه ليحترمها فتحترمها بالتالي زوجته وأولاده.
عندها تتوقف المشاجرات ما بين «الكنة وحماتها» وعندها فقط يشعر كل زوج بالسعادة في حياته، إنه الإسلام يا إخواني، إنها تقوى الله، وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل