العنوان صور من حضارتنا: الأبعاد الثلاثة: الفرد والمبدأ والزمن في الإسلام
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الاثنين 24-سبتمبر-1973
مشاهدات 15
نشر في العدد 169
نشر في الصفحة 23
الاثنين 24-سبتمبر-1973
صور من حضارتنا، الأبعاد الثلاثة: الفرد، والمبدأ، والزمن في الإسلام
كانت القسطنطينية مَحَط آمال الدولة الإسلامية منذ نشأتها الأولى لمحاولات وتكاثفت حتى أن «بسر بن أرطأة» سار على رأس أسطول بحري ضخم لغزوها سنة ٤٤ هجرية وأبلى مع جنده خير البلاء ولكنه لم يوفق، ثم أعاد الكرة «يزيد بن معاوية بن أبي سفيان» في عهد أبيه سنة ٥٢ هجرية ولكنه لم يفلح هو الآخر في فتحها، ثم حاول «معاوية» بنفسه وأعقبته أربع حملات أموية لذلك ولكن القوة البيزنطية كانت أضخم من أن تهزم وكانت النار الإغريقية من الأسباب الرئيسية في هزيمة المسلمين بالإضافة إلى مناعة الأسوار وارتفاع المدينة وشدة حرص الدولة البيزنطية عليها.
بقيت تلك الفكرة في أذهان المسلمين والفكرة في الإسلام جزء من الواقع الحركي، تبقى ما بقيت الحركة، وتحول إلى الواقع العملي عندما تكون المرحلة الزمنية قد واتت لذلك التحول، وخلال الزمن أو المرحلة تتجلى أهمية البعد الثالث وهو الفرد الذي آمن بالفكرة وعمل على تحويلها إلى واقع في زمن معين، مر على المسلمين ما يقارب ثمانية قرون وهم لا يزالون يفكرون بفتح القسطنطينية، وفي عام ١٤٥٣ م كان السلطان «محمد الثاني بن مراد» يعد العدة للفتح، الفتح الذي كان تاريخاً جديدًا في حضارة الإسلام: يتناقل الأتراك فيما بينهم أخبار وسير السلطان محمد الفاتح ويعتبرونه من أعمدة الخلافة العثمانية وفحول الرجال فقد تولى ولاية العهد وهو لا يزال في الثامنة عشرة من عمره وبدأ في الإعداد لفتح عاصمة بيزنطة وعمره لم يتجاوز الرابعة والعشرين، والذي أريده في هذه الصورة الساطعة من حضارتنا هو تبيان التناسق العجيب بين الأبعاد الثلاثة التي ذكرت، فلقد بقيت القوة العسكرية والإمكانيات المادية تنقص الجيش الإسلامي في عهوده الأولى، حتى تربع العثمانيون على عرش البلاد وأدالوا أوروبا لدولتهم ومعظم أجزاء آسيا وأجزاء من أفريقيا، ولقد وجد «محمد الفاتح» أن المَدَافع هي عماد الحرب - آنذاك ـ فعمد إلى استقدام الخبراء من شتى البلاد في فن المدافع الثقيلة، يقول «البارون كرادوف» في كتابه مفكرو الإسلام:
«إن هذا الفتح لم يقيض لمحمد الفاتح اتفاقاً، ولا تيسر لمجرد ضعف الدولة البيزنطية، بل كان هذا السلطان -يعني محمد الفاتح- يدبر التدابير اللازمة له من قبل، ويستخدم له كل ما كان في عصره من قوة العلم فقد كانت المدافع حينئذ حديثة العهـد بالإيجاد، فاعمل في تركيب أضخم المدافع التي يمكن تركيبها يومئذ و انتدب مهندسًا مجرياً ركب مدفعًا كان وزن الكرة التي يرمي بها ۲۰۰ كيلو جرام، وكان مدى مرماه أكثر من ميل وقيل أنه كان يلزم لهذا المدفع ۷۰۰ رجل ليتمكنوا من سحبه، وكان يلزم له نحو ساعتين من الزمن لحشوه، ولما زحف محمد الفاتح لفتح القسطنطينية كان تحت قيادته (٣٠٠٠٠٠) ثلاثمائة ألف مقاتل، ومعه مدفعية هائلة، وكان أسطوله المحاصر للبلدة من البحر (۱۲۰) سفينة حربية، وهو الذي - من قريته تصور سحب جانب من الأسطول من البر إلى الخليج، وأزلق على الأخشاب المطلية بالشحم (٧٠) سفينة أنزلها في البحر من جهة قاسم باشا» ().
إن تلك الاستعدادات العسكرية الضخمة بالإضافة إلى الإيمان المطلق بالفكرة ووجود الفرد الصالح لتطبيقها -إن تلك العوامل مجتمعة- كانت وراء فتح القسطنطينية وإنه لجدير بالذكر أن البابا قد أمر أوروبا أن تقيم صلوات الشكر لمدة ثلاثة أيام متتابعة لما جاءه نبأ وفاة «محمد الفاتح» وأعلن أن يوم وفاته هو عيد للمسيحيين في كل مكان - ().
وهكذا نطالب المسلمين الآن أن يتابعوا سيرة أجدادهم على ضــوء المنهاج القديم الصالح لكل زمان ومكان ألا وهو القرآن الكريم!!
أحمد محمد طمان
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
اليهود بين أمة الإسلام والأمم الأخرى (2) كيف عاش اليهود في ظل الأمة الإسلامية؟
نشر في العدد 2114
19
الجمعة 01-ديسمبر-2017