; صيام اللاعبين المسلمين في أوروبا.. بين الفتاوى والحملات المضادة !! | مجلة المجتمع

العنوان صيام اللاعبين المسلمين في أوروبا.. بين الفتاوى والحملات المضادة !!

الكاتب صلاح الصيفي

تاريخ النشر السبت 14-أغسطس-2010

مشاهدات 29

نشر في العدد 1915

نشر في الصفحة 16

السبت 14-أغسطس-2010

  • رئيس لجنة الفتوى بالأزهر: أرفضإفطار اللاعبين والفتوى بإباحته لم تطبق في مصر
  • د. حسام الدين عفانة: فتاوى إباحة الفطر تمييع للأحكام الشرعية وبإمكان اللاعب أن يشترط في العقد احترام شعائره الدينية
  • اللاعب بإمكانه أن يقضي الصيام في الفترات التي تتوقف فيها مباريات الدوري
  • لاعب إشبيلية عمر كانوتيه يثير الإعجاب بإصراره على الصيام واحتفاظه بكامل لياقته البدنية
  • الاتحاد الألماني لكرة القدم يستند لفتوى الأزهر ويجبر اللاعبين على الإفطار

في كل عام ومع حلول شهر رمضان الكريم في أوروبا تظهر على السطح مشكلة صيام لاعبي كرة القدم، وتظل تثير الجدل طوال شهر رمضان الكريم دون أن تجد لها حلًا، ويرحل الشهر ويتناسى الجميع المشكلة وأسبابها وأبعادها، ولا يبالي أحد بالبحث عن حل لها، فتعود لتثور مع أول مشكلة في العام الذي يليه وهكذا ..

ودائمًا تختلف الآراء حول جواز حصول لاعبي كرة القدم-وخاصة المحترفين منهم في الملاعب الأوروبية-على رخصة دينية للإفطار، وتعويض الصيام في أيام أخرى نظرًا لارتباطهم بمباريات وتدريبات تتطلب استعدادًا بدنيًا وذهنيًا كاملًا حتى يحافظوا على مراكزهم في التشكيلة الأساسية مع فرقهم، وبالتالي لا يتأثر مستقبلهم الكروي الذي أصبح وسيلة لكسب الرزق في زمن تحولت فيه «الساحرة المستديرة» لصناعة كبيرة تجني أموالًا طائلة، وليست مجرد لهو وتضييع وقت.

١٨ ساعة نهار

وفي هذا العام، يأتي شهر رمضان في فصل الصيف، حيث درجات الحرارة العالية وزيادة عدد ساعات الصيام، وطول فترة النهار في أوروبا التي تصل إلى ١٨ ساعة، وهذا ما أثار الجدل في ألمانيا حول صيام اللاعبين المسلمين، ومدى تأثير ذلك على المستوى الفني والبدني للاعبين، حيث أثار نادي «إف إس» في فرانكفورت (النادي الثاني لمدينة فرانكفورت) المشارك في دوري الدرجة الثانية الألماني لكرة القدم المناقشات حول صيام أو إفطار اللاعبين المسلمين المشاركين في مباريات الدوري الألماني؛ إذ وجه في أكتوبر من العام الماضي إنذارًا للاعبيه المسلمين، المالي «إسماعيل كوليبالي»، و«با سايكو كوجابي» (من جامبيا)، والمغربي «وليد مختاري» بسبب صيامهم شهر رمضان العام الماضي، حيث كانت تجري أيضًا مباريات الدوري، كما أضاف النادي شرطًا في التعاقد مع هؤلاء اللاعبين وأمثالهم يقضي بعدم السماح لهم بالصيام بدون موافقة صريحة من النادي وأثار هذا الشرط مناقشات على مستوى ألمانيا، وخاصة علي صفحات الصحف، كما تطلب ذلك تدخل رابطة الدوري والاتحاد الألماني لكرة القدم، ولهذا وقبل انطلاق الموسم الثامن والأربعين لبطولة الدوري الألماني في العشرين من أغسطس الجاري، أي خلال شهر رمضان، تم عقد اجتماع في مدينة فرانكفورت الأربعاء ٢٨يوليو ٢٠١٠م.

إجبار اللاعبين على الإفطار

وقد أسفر الاجتماع عن قرار من المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا بأحقية اللاعبين المسلمين في الإفطار خلال شهر رمضان لإطاعة أنديتهم بعد استشارة الأزهر الشريف في الأمر، وذكر المجلس المركزي المسلمي ألمانيا في بيان رسمي الأربعاء ۲۸ يوليو ۲۰۱۰م:«المسلمون المحترفون يمكن أن يصوموا في أيام معينة في رمضان حينما لا يكون هناك مباريات».

وأوضح المجلس أن الإيضاح الذي وصلهم من الأزهر الشريف يشير إلى أن اللاعب الذي يلعب في رمضان ويؤثر الصوم على أدائه مع ناديه، من حقه الإفطار إذا لم يكن لديه أي مصدر رزق آخر، حيث قال الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا«أيمن مزيك»: إن اللاعب المسلم يمكنه أن يقضي صيام رمضان في الفترات التي تتوقف فيها مباريات الدوري، ويؤدي بذلك واجبه تجاه ربه، ويؤكد احترامه لشهر رمضان.

وبرر«مزيك» ذلك بأن«عمل المسلم كمحترف في رياضة كرة القدم يضمن الأساس الضروري لحياته وحياة أسرته ولهذا تسري بالنسبة لصيامه في شهر رمضان التيسيرات والضرورات التي تسري بالنسبة لمهن أخرى تتطلب بذل جهد بدني ضخم». 

واستنادًا إلى فتوى الأزهر الشريف وقرار المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، أعلن الاتحاد الألماني لكرة القدم اتخاذ قرار يجبر اللاعبين المسلمين المنتسبين للأندية الألمانية على الإفطار في أيام المباريات التي ستُلعب في شهر رمضان ضمن البطولات التي ينظمها الاتحاد «البوندسليجا».

بيان للاتحاد الألماني

وعرض الموقع الرسمي للاتحاد الألماني بيانًا يرفض فيه صيام اللاعبين أثناء المباريات، وذكر البيان أن لاعبي كرة القدم المسلمين عليهم أداء واجباتهم وعملهم دون الشعور بالذنب أو التقصير في واجباتهم الدينية، حيث إن صحة الجسم تلعب دورًا داعمًا في الإسلام، وبما أن كرة القدم للمحترفين هي مهنة مثل باقي المهن تتطلب مجهودًا بدنيًا شاقًا؛ فإن اللاعبين لديهم رخصة للإفطار.

عزائم متفاوتة

وفي ظل هذا الجدل المثار، هناك من اللاعبين من يلتزم بقرار الاتحاد الألماني وهناك من يصرّ على صيام شهر رمضان حيث يرفض اللاعب النيجيري «عبد العزيز أنفوف» من فريق «أرمينيا بيلفيلد» الإفطار خلال شهر رمضان؛ لأنه يؤمن بأنه سيسجل الأهداف لفريقه بقوة إيمانه، ويختلف في ذلك مع زميله اللاعب الفرنسي المسلم الشهير«فرانك ريبيري»، الذي يفضل عدم الصيام أيام المباريات الرمضانية وتعويضها لاحقًا خلال فترة الاستراحة الشتوية للدوري.

لاعبو إسبانيا

ولم يكن شهر رمضان في إسبانيا أقل إثارة للجدل بعد فتوى الأزهر التي تجيز إفطار اللاعب في رمضان، فقد تناولت الصحف الإسبانية صيام عدد من النجوم المسلمين المؤثرين في أحد أكثر الدوريات إثارة ومشاهدة في العالم، حيث بدأت المشكلة العام الماضي بسبب إصرار بعض اللاعبين على الصيام خلال شهر رمضان رغم حاجة فرقهم لجهودهم في المباريات المهمة، خصوصًا مع انتشار اللاعبين المسلمين في الدوري الإسباني واضطرت الأندية إلى اللجوء للأطباء المتخصصين لتوفير الطعام المناسب للاعبين حتى لا يشعروا بالنقص أثناء المباريات. 

ويبرز من بين اللاعبين المسلمين الذين يحرصون على الصيام خلال الشهر الكريم المالي «فريدرك عمر كانوتيه» مهاجم إشبيلية الإسباني، وثلاثي ريال مدريد «كريم بنزيمة» و«لاسانا ديارا » و«محمد ديارا»، ومن برشلونة يبرز الثلاثي المسلم «سيدو كيتا» و«إيرك أبيدال» و«يحيى توريه» الذين تحرص أنديتهم على توفير برامج غذائية حتى يتسنى لهم المشاركة في المباريات دون الشعور بالجوع أو العطش.

وفي نادي إشبيلية الإسباني، يثير اللاعب«فريدريك عمر كانوتيه» دهشة أنصار الفريق، بسبب إصراره الكبير على صيام رمضان، واحتفاظه في الوقت نفسه بكامل لياقته البدنية في المباريات، ما جعل مسؤولي النادي يبعدون أنفسهم عن أي نقاش معه في مسألة قناعاته الدينية، كما قالت صحيفة «أ. ب. س» الإسبانية، ويُعرف عن«كانوتيه» أداؤه الصلاة في غرفة تبديل الملابس.

إغلاق الجدل

وبشكل نهائي، أغلق الجدل حول صوم«كانوتيه» بعد ندوة صحفية الموسم الماضي طرح خلالها صحفي إسباني عليه سؤالًا حول صيامه في أيام المباريات فرد«كانوتيه»: من لا يفهم تعاليم الإسلام لا يعلم أن الصيام يمنح القوة وليس الضعف، وهذا ما أكده اللاعب خلال مسيرته الاحترافية مع إشبيلية، فهو الهداف الأول للفريق طوال سنوات احترافه ومنافس دائم على ترتيب الهدافين في إسبانيا .

بينما في برشلونة وريال مدريد، أصبح اللاعبون المسلمون أعمدة أساسية، وهو الأمر الذي أثار جدلًا ليس بسب ديانتهم، ولكن حول صيامهم في رمضان، إذ يتساءل أنصار«البارشا» باستمرار: إن كان هؤلاء يقومون بالصيام أم لا. وحول ما إذا كان الصيام يؤثر على أدائهم في المباريات؟ وسبق أن دار الجدل حول«إريك أبيدال». أحد أبرز لاعبي الفريق، لأنه عادة ما يحمل مع أمتعته إلى ملعب«كامب نو» في برشلونة نسخة من القرآن الكريم، إضافة إلى ما يعرف عنه من التزام بتعاليم الإسلام من صلاة وصيام وقراءة القرآن، ما جعل الجماهير على موقع الفريق الإلكتروني تتساءل: إن كان صيامه سيؤثر على عطائه الكروي؟ بينما أعلن «يايا توري» (يحيى توري) منذ أول يوم لوصوله إلى برشلونة أنه مسلم، وشدد على أن تعاليم الإسلام بما فيها الصيام، لا تتعارض مطلقًا مع مسيرته الاحترافية.

اللاعبون في فرنسا

وفي كل عام يواجه اللاعبون المسلمون في فرنسا ضغوطات كبيرة في شهر رمضان، إذ رفضت العديد من الأندية الفرنسية في سنوات سابقة وخاصة في الدرجات السفلى مشاركة لاعبين صائمين في مباريات فرقها، معللة ذلك بالمصلحة العامة للنادي، وقامت بخصم نسب من رواتب اللاعبين الذين يغيبون عن المباريات لهذا السبب، بينما وجد لاعبون آخرون أنفسهم مضطرين لتجاوز الأزمة بالإفطار أيام المباريات فقط، وتعويض ذلك في أيام أخرى، فمن المعروف أن الدوري الفرنسي بدرجاته المختلفة يحوي المئات من اللاعبين المسلمين سواء من العرب أو الأفارقة، وتعتبر فرنسا من أكثر الدول الأوروبية جذبًا لهم.

اهتمام الاتحاد الدولي

من جانبه اهتم الاتحاد الدولي لكرة القدم«فيفا» بالمعضلة التي تثيرها الأندية الأوروبية من حين لآخر حول صيام اللاعبين المسلمين، حيث نشر الاتحاد الدولي لكرة القدم في عام ۲۰۰۱م دراسة لعضو اللجنة الطبية في«الفيفا» «عبد المجيد ياسين الزرقوني»، تتحدث عن الآثار المترتبة على لاعبي كرة القدم المسلمين من صيام رمضان.

وأظهرت الدراسة التي تعد الأولى في هذا المجال وأجراها«الزرقوني» على أسس تحليل علمي، أن صيام شهر رمضان يساعد في تنقية النفس وطول التأمل، كما أن آثار صيام رمضان ترتبط أيضًا بالصفات الروحية والقدرات المادية لكل لاعب.

كما وجدت الدراسة أن بعض اللاعبين الذين يصومون رمضان باستمرار تتكيف أجسامهم لأنهم اعتادوا على ذلك، ويتعين على الذين يعانون جراء الصوم العمل والتدرب بشكل فعّال قبل وبعد المباراة ليعتادوا على المحافظة على الطاقة والقوة وأضافت الدراسة: إن صوم رمضان لا يمنع الماء والطعام فقط، بل يمتنع الصائم في رمضان عن المنشطات أيضًا والمسكنات والمنبهات فضلًا عن السلوكيات الجسدية أو اللفظية السلبية.

آراء فقهية

وتعليقًا على فتوى إباحة الإفطار للاعبين، قال د. حسام الدين عفانة أستاذ الفقه والأصول في كلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس، والمشرف العام على شبكة«يسألونك» الإسلامية:«صدرت بعض الفتاوى المتساهلة في السماح بالفطر لأعذار غير معتبرة شرعًا، كإباحة الفطر في نهار رمضان للاعبي كرة القدم أثناء المباريات الرسمية، بحجة أن اللاعب المرتبط بعقد مع ناديه مثل الأجير الملزم بأداء عملٍ معين، وفي حال تأثر العمل بالصوم فإن له رخصة للإفطار.

وأقول: إن هذه الفتاوى ما هي إلا تمييع للأحكام الشرعية، فمتى كان اللعب من الأسباب المبيحة للفطر؟! ولعبة كرة القدم نوعٌ من اللهو والترفيه، واللهو ليس من أسباب الترخص بالفطر، حتى لو كانت المباريات رسمية، فإنها لا تخرج عن هذا الإطار، وأما عن ارتباط اللاعب بعقد مع النادي الذي يلعب معه، فهذا العقد ليس مبررًا للفطر، لأن بإمكان اللاعب أن يشترط في العقد احترام شعائره الدينية، وإذا ترتب على العقد الإخلال بالفرائض الدينية فيحرم على اللاعب أن يوقعه.

وأضاف: لا شك أن هذه الفتاوى لم تقم على أدلة معتبرة، ولا على فهمٍ صحيحٍ للأدلة ولا على فهم مقاصد الشارع الحكيم».

ومن جانبه، أكد د. عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، رفضه لفتوى إفطار اللاعبين قائلًا:«أنا لست موافقًا على فتوى إفطار اللاعبين في رمضان لأنه ليس بعمل شاق أو عمل مهم من أجل مصلحة الوطن، فالذي يباح له بالإفطار هم المرضى وأصحاب الأعمال الشاقة الذين ليس لهم حول ولا قوة..

يضيف د. عبد الحميد: وإذا كان الأمر ضروريًا يفضل أن يؤجل القائمون على المباراة لما بعد الإفطار، ليحسب لهم صيامهم الذي هو فرض على كل مسلم قادر، فالله سبحانه وتعالى أمر المسلمين جميعًا بصوم رمضان وعفا عن غير القادرين الذين ذكرهم في كتابه الكريم قائلًا: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ﴾(البقرة : ١٨٤). وأؤكد أن هذه الفتوى لم تطبق في مصر حتى الآن، ولم يتم تفعيلها من جانب الأزهر الشريف.

الرابط المختصر :