العنوان من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة: الأصولي الفقيه.. الشيخ عبدالرزاق عفيفي
الكاتب المستشار عبدالله العقيل
تاريخ النشر السبت 19-أغسطس-2006
مشاهدات 32
نشر في العدد 1715
نشر في الصفحة 38

السبت 19-أغسطس-2006
هو الشيخ عبدالرزاق بن عفيفي بن عطية، ولد في بلدة «شنشور» التابعة لمركز «أشمون» في محافظة «المنوفية» بمصر سنة 1323هـ ـ 1904م.. درس المرحلة التعليمية الابتدائية ثم المرحلة الثانوية ثم القسم العالي في الجامع الأزهر، حيث حصل على الشهادة العالمية سنة 1351هـ، ثم درس مرحلة التخصص في شعبة الفقه وأصوله، ونال شهادة التخصص وكان رئيساً لجماعة أنصار السنة المحمدية بعد رحيل مؤسسها الشيخ محمد حامد الفقي، وكان من أبرز كتّاب مجلتها «الهدي النبوي» التي صدر أول عدد منها في شهر ربيع الآخر سنة 1356هـ، عيَّن مدرساً بالمعاهد العلمية التابعة للأزهر.
مسيرته العلمية والعملية انتُدب للتدريس بالمملكة العربية السعودية بترشيح من الشيخ محمد بن مانع، فعمل مدرساً في وزارة المعارف السعودية سنة 1368هـ ـ 1949م، ثم عيّن مدرساً بمدرسة دار التوحيد بالطائف، ثم بمعهد عنيزة بالقصيم سنة 1370هـ ثم في الرياض للتدريس بالمعاهد العلمية، ثم نقل للتدريس بكلية الشريعة، وكلية اللغة العربية، ثم كان مديراً للمعهد العالي للقضاء سنة 1385هـ، ثم نقل إلى الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد سنة 1391هـ ـ وعين نائباً لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، كما كان عضواً في هيئة كبار العلماء، وساهم في وضع المناهج. وقد تولى الإشراف العلمي على عدد من الرسائل العلمية العالية كالماجستير والدكتوراه، وكانت له حلقات علمية في تفسير كتاب الله، يلقيها في مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم في الرياض، وقد انتفع بعلمه خلق كثير، وتخرج على يديه الكثير من العلماء.
عني بعلوم اللغة والتفسير والأصول والعقائد والسنة والفقه حتى إنه إذا تحدث في علم من هذه العلوم، ظن السامع أنه تخصصه الذي شغل فيه كامل وقته، وقد كانت له عناية خاصة بدراسة أحوال الفرق.
صفاته: كان الشيخ عبدالرزاق عفيفي ـ يرحمه الله ـ غني النفس، بعيداً عن حب الظهور، وكان ينفق راتبه أول كل شهر على الفقراء من المسلمين، ولقد أسكن في بيته رجلاً منهم لمدة خمسة وعشرين عاماً دون أن يتقاضى منه أجراً. وكان له أيام الملك عبدالعزيز درس كل يوم أربعاء، ويحضره الملك عبدالعزيز نفسه. وعلى الرغم من كبر سن الشيخ عفيفي، فقد كان منظماً في عمله، محافظاً على وقته بين الدرس والتدريس، وكان قوي الحافظة والملاحظة، محكم الرأي، مناظراً قوي الحجة، واسع الصدر، حسن المناقشة، زاهداً في متاع الدنيا، فكان ممن طال عمره وحسن عمله، وكان يرى أن لا ضرورة للتأليف في زماننا هذا إلا للضرورة القصوى، لأن العمل في نشر المؤلفات القديمة بإتقان وعناية، يغني عن هذا التخبط الذي نراه.
ابتلاؤه: وقد ابتلاه الله ببلايا عظيمة، فكان صابراً محتسباً، من ذلك أن ولده أحمد مات في حرب رمضان ضد العدو الصهيوني، ثم مات ولده عبدالرحمن في حادث سيارة بالسعودية، ثم مات ولده عبدالله، كل ذلك والشيخ صابر محتسب، ولقد أصيب بمرض لازمه أكثر من ربع قرن، واشتد به المرض في السنوات الأخيرة من عمره، ولم يمنعه ذلك من ممارسة عمله، وانتقاله إلى مقر عمله ومكتبه في دار الإفتاء والبحوث، بل والصلاة مع الجماعة في المساجد.
ولقد وصفه من عايشه وخالطه بأنه موسوعي المعرفة، متنوع المدارك، متفنن في سائر العلوم، محارب للبدع والخرافات.
تتلمذ على يديه الكثير من طلبة العلم الذين صاروا من كبار العلماء والقضاة والمستشارين والدكاترة والمدرسين، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: ـ الشيخ عبدالله الجبرين. ـ الشيخ عبدالله البسام. ـ الشيخ عبدالله بن قعود. ـ الشيخ صالح الفوزان. ـ الشيخ عبدالله بن منيع. ـ الشيخ عبدالله الغديان. ـ الشيخ محمد بن جبير. ـ الشيخ عبدالله التركي. ـ الشيخ صالح الحصين. ـ الشيخ راشد بن خنين. ـ الشيخ صالح سعود آل علي. ـ الشيخ صالح عبدالرحمن الأطرم.
وغيرهم كثيرون ممن لا يحصون من العلماء والمشايخ.
أهم مؤلفاته
ـ الإحكام في أصول الأحكام للآمدي «تعليق».
ـ عقيدة أهل السنة والفرقة الناجية لابن تيمية «تعليق».
ـ مذكرة التوحيد.
ـ رسائل ودراسات في منهج أهل السنة.
ـ شبهات حول السُّنة.
ـ تفسير الجلالين «تعليق».
بالإضافة للكثير من الكتب والرسائل التي أشرف عليها، أو قدمها، أو علق عليها. وكان أحب الكتب إليه كتاب «المستصفى» للغزالي، وكتاب «الموافقات» للشاطبي، وكتاب «القاموس المحيط» للفيروزابادي.
قالوا عنه يقول عنه الشيخ الألباني: «إن الشيخ عبدالرزاق عفيفي من أفاضل العلماء، ومن القلائل الذين نرى منهم سمت أهل العلم وأدبهم، ولطفهم وأناتهم، وفقههم. وقد التقيته غير مرة في مواسم الحج، وكنت أستمع ـ أحياناً ـ إلى إجاباته العلمية على استفتاءات الحجاج المتنوعة، وكانت محكمة تدل على فقه دقيق، واتباع ظاهر لمنهج السلف».
ويقول د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي: «لقد عرفت الشيخ عبدالرزاق عفيفي منذ نحو ثمانية وأربعين عاماً، وتوطدت صلتي به في أثناء طلب العلم والدراسة في كلية الشريعة في الرياض، ثم في المعهد العالي للقضاء، ثم في حلقات المساجد والمحاضرات في الجامعات، ومناقشة الرسائل الجامعية، وازدادت معرفتي به حينما لازمته فترة إعداد بحثي في الماجستير حيث كان مشرفاً عليه، فكان نعم الموجه والناصح يبذل وقته وجهده، ويحرص على إفادة طالب العلم.
ولا أبالغ إذا قلت: إن غالب منسوبي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من طلابه، أو طلاب طلابه، بل إن هذا الوصف ينطبق على غالب العلماء في المملكة العربية السعودية سواء أكانوا في القضاء أم التدريس أم الإفتاء والدعوة، لقد عاصر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية منذ سنواتها الأولى، واستمر عطاؤه لها إلى أن توفاه الله، وكان من أبرز الذين أفادوا الجامعة في كلياتها ومعاهدها، واستمر عطاؤه في تلك الكليات والمعاهد بعد وفاة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، ثم في مجال الإفتاء والدعوة في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وكان فيها من المقربين لسماحة والدنا وشيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز ــ رحمه الله ــ في نشر العلم، والدعوة إلى الله، والدفاع عن دينه. إن فضيلة الشيخ عبدالرزاق عفيفي يتصف بصفات يندر أن تجتمع في شخص، غزارة العلم، ورجاحة العقل، والزهد في الدنيا ومظاهرها، وحب الخير للآخرين، وبذل جاهه وماله في ذلك، ولقد امتاز عن غالب زملائه وأقرانه الذين درسوا في الأزهر وفي غيره من المؤسسات العلمية، بشدة متابعته لسلف الأمة الصالح، وتركيزه في آرائه وتدريسه على العقيدة الإسلامية الصافية المرتبطة بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم).
وكان يقوّم كل بحث أو رأي في ضوء الأسس والأصول الصحيحة التي التزمها السلف الصالح والأئمة الكبار، حينما واجهوا الفلسفات المادية، والاختلافات في الأصول والفروع».
ويقول الدكتور صالح آل علي: «كان الشيخ عبدالرزاق عفيفي من ضمن مجموعة العلماء الذين عملوا في دار التوحيد، كما كان من أوائل من جاء للتدريس في المعاهد العلمية، وكان مع الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية آنذاك، ومع الشيخ عبداللطيف ابن إبراهيم خير معين على السير بهذه المعاهد والكليات من بعد ذلك، نحو تحقيق الرسالة المنوطة بها، لقد كان ذا باع طويل في علوم الشريعة، وله القدح المعلّى في التفسير وعلوم القرآن، وقل أن يوجد له نظير في التوحيد وعلم العقائد والمذاهب والملل والنحل، أما في علم أصول الفقه فهو علم من أعلامه، له في ميدانه اليد الطولى، أما الفقه فإليه فيه المنتهى، وقد شرفتُ أن أكون أحد تلاميذه، في كلية الشريعة، ثم في المعهد العالي للقضاء، وخبرته من قرب، ورأيت فيه ما كنت أقرأ عن علماء السلف من العلم الجمّ، والفقه في الدين، والتحلي بمبادئ هذا الدين، من تواضع، وتقى، وزهد، وورع، وصبر، وحب لهذه الأمة، وحرص على أن تظل كما هو مؤمّل منها، منارة هدي، ومصدر إشعاع، وموئل عز للإسلام والمسلمين».
ويقول الشيخ عبدالله الجبرين: «إن الشيخ عبدالرزاق عفيفي عطية من علماء الأزهر الشريف قديماً، أدرك الشيخ محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا، ونحوهما، وكانت دراسته في العلوم الشرعية كالحديث واللغة والتفسير والأحكام، حتى تفوّق على زملائه وبعض مشايخه، وكان من زملائه الشيخ عبدالله ابن يابس، وكان بينهما من المحبة والصحبة وقوة الأخوة ما لا يوجد مثله إلا نادراً، فكان زواجهما متقارباً في مصر من زوجتين صالحتين كالأختين، واستمر الودّ بينهما متصلاً حتى الوفاة.
أما علم الشيخ عبدالرزاق عفيفي فهو بحر لا ساحل له في أغلب العلوم التي يتناولها بالبحث والشرح.
ويضيف الشيخ عبدالله: لقد عرفته لأول مرة في العام 1374هـ كان يزور بعض المشايخ كالشيخ عبدالعزيز محمد الشتري، ونقرأ عليه في المجلس حديثاً من صحيح البخاري، فيشرحه شرحاً موسعاً، بحيث يستغرق شرح الحديث الواحد أكثر الجلسة. وعرفته في أحد الأعوام يفسر سورة «سبأ» في مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم، فكان يبقى في تفسير الآيتين نحو ساعة أو أكثر، ويستنبط من الآيات فوائد وأحكاماً وأقوالاً وترجيحات يظهر منها عظمة القرآن الكريم وما فيها من الاحتمالات والفوائد، مما يدل على توسع الشيخ، وسعة اطلاعه، وكثرة معلوماته.
أما أخلاقه فقد عُرف عنه لين الجانب، وطلاقة الوجه، وحسن الملاحظة، فهو أمام الزوار والتلاميذ يظهر دائماً الفرح والسرور والانبساط في الكلام، والإجابة عن الأسئلة، دون غضب أو ملل أو تبرم أو رد شديد للسائل، فجليسه يلقى منه كل المؤانسة والتبسم بحيث لا يمل».
ويقول الدكتور صالح الأطرم: «صفات الشيخ عبدالرزاق عفيفي صفات العلماء الأفذاذ الذين مضوا وسجَّل لهم التاريخ ما يبقى من المحاسن إلى يوم القيامة، والشيخ عبدالرزاق جمع العلم والعقل، وقد اشتهر بحبه للنفع، وبذله للنصح، فهو المستشار الناصح لكل من استشاره من مسؤول أو من سائر الأفراد، وكان ثاقب النظر، عارفاً بطلابه واتجاهاتهم، من يصلح للقضاء أو للتدريس في حقول التعليم أو الوظائف الإدارية، وكان حريصاً على تأهيل من يتولون المسؤوليات من قضاء وتدريس وأعمال إدارية، وكان سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم يعتمد رأيه في المناهج وفي الكتب المقررة».
كانت أول معرفتي به سنة 1375هـ عن طريق الشيخ مناع القطان الذي كان من تلامذته، ومن قريته في مصر، فقد التقيناه في موسم الحج لذلك العام، وكنت مع زملائي مدرسي مدرسة النجاح الأهلية في الزبير في بعثة الحج، ولقد أثنى الشيخ مناع على أستاذه الثناء العاطر، وذكر الكثير من مواقفه في نصرة الحق وأهله، والتزامه المنهج السلفي المستقى من الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة. ثم تكررت اللقاءات معه كلما قدمت من الكويت لزيارة الرياض، سواء في منزله أو منزل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، أو منزل الشيخ عبدالعزيز بن باز، أو في مكتبه في الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، أو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وهيئة كبار العلماء، أو في مواسم الحج بمكة المكرمة. وكنت أوصي ابني الكبير مصطفى ـ الذي يدرس بجامعة الرياض ـ بزيارة الشيخ والتردد عليه وإبلاغه سلامي وتحياتي، وكان الشيخ يحمّله السلام إليَّ، ويدعو لي بالخير ويقول له: «إن أباك على ثغرة من ثغور الإسلام». وحين استقر بي المقام بالرياض ومكة المكرمة، كنت أحرص على زيارته والاستفادة من علمه وتوجيهاته، فقد كان بركة من بركات العصر في العلم والصلاح والتقوى والزهد والصبر والقناعة.
وكنت أسمع منه الثناء الحسن على الدعاة بمصر، وثباتهم على الحق، وعدم الركون إلى الظالمين من الطغاة، وكان يحب الشيخ مناع القطان ويثني عليه ويعلم صلتي به.
وفاته كانت وفاته يوم الخميس 25/3/1415هـ ـ 1/9/1994م، وقد صُلي عليه بعد صلاة الجمعة في الجامع الكبير بمدينة الرياض، وأمّ المصلين سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، ودُفن في مقابر الرياض.
رحم الله أستاذنا الشيخ رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، والحمد لله رب العالمين
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالكتَّاب الدنيويون.. وشيطنة الإسلام! (3 – 4) العدو الأخضر
نشر في العدد 2122
38
الأربعاء 01-أغسطس-2018

الإفراط والتشدد في القضايا الفرعية.. عبث لا يحقق مقاصد الدين
نشر في العدد 1764
75
السبت 11-أغسطس-2007

