; بلا حدود .. ضابط روسي في جحيم جروزني (١ من 2) | مجلة المجتمع

العنوان بلا حدود .. ضابط روسي في جحيم جروزني (١ من 2)

الكاتب أحمد منصور

تاريخ النشر الثلاثاء 28-مارس-1995

مشاهدات 23

نشر في العدد 1143

نشر في الصفحة 33

الثلاثاء 28-مارس-1995

الانتصار الذى أعلنه الروس على المقاتلين الشيشان لم يكن سوى انتصار مزيف بكل المقاييس، ولم يكن هذا رأي كافة المراقبين فحسب، وإنما هذا ما جاء على لسان كثير من المسئولين الروس أنفسهم، ولم يكن دخول الجنود السوفيت إلى جروزني إلا دخولًا إلى المحرقة وإلى الجحيم، وذلك حسب اعتراف أقر به أحد الضباط الروس الذين دخلوا إلى جروزني، وكان من المقاتلين الروس السابقين في أفغانستان، وقد وصف المراقبون تقرير الضابط الروسي الذي نشرته مجلة «تايم» الأمريكية مؤخرًا وترجمته «القبس» بأنه أجرأ تقرير يكتب من أرض المعركة حتى الآن.. يقول الضابط الروسي:

 أضاعت المباني المشتعلة الطريق أمام موكبنا الذي يتألف من ثلاث ناقلات مدرعة للجنود أثناء دخولنا إلى الشوارع الضيقة الخالية من المارة في وسط جروزني في إحدى الليالي شديدة الظلام، وكانت مهمتنا تتمثل في اختراق الكتيبة الآلية التي تدافع عن القصر الرئاسي ضد الهجوم الروسي على العاصمة الشيشانية، التي لم يسبق لنا الدخول إليها. 

كانت الطريق مليئة بالدبابات الروسية المعطوبة، وعندما سمعت صوت انفجار اعتقدت أنه كمين قد نصب لنا، فأغمضت عيني كما أفعل دائمًا عندما أرى طفلًا في عيادة الأسنان، على أمل أن يقع الانفجار وأموت دون أن أرى شيئًا.. لكن مررنا بسلام ولم نر أثرًا للكتيبة الآلية.

وكثيرًا ما تعرضت لإطلاق النار أثناء السنتين اللتين خدمتهما في أفغانستان كملازم في الفرقة رقم ۱۰۳ المنقولة جوًا والتي كان يقودها وزير الدفاع الحالي بافيل جراتشيف، لكن الوضع المرعب في شوارع جروزني يختلف عن كل التجارب التي مررت بها في أفغانستان، ولم يكن لدى قائد عربتنا خريطة للمدينة، ولم تكن لديه أية فكرة عن الجهة التي كان يقصدها، ولم يكن قادرًا حتى على إجراء اتصالات لاسلكية مع القوات الأخرى، واعترف بأنه قد تم اختياره عشوائيًّا مع قوات من وحدات أخرى وطلب إليهم التقدم باتجاه المدينة.

وعندما سرحت من الخدمة العسكرية في عام ١٩٩٢ كنت أعرف أن الجيش الروسي لم يكن سوى نسخة من الجيش السوفيتي، لكنى كنت أمل أن أكون على خطأ، فبالرغم من الهزيمة التي لحقت بنا في أفغانستان، إلا أننا اكتسبنا خبرات قتالية كبيرة أثناء السنوات التسع من الحرب.. ومع انتهاء الحرب في عام ۱۹۸۹، كان ثمة عدد كافٍ من الضباط ربما واحد من بين كل خمسة ضباط - ممن خدموا في أفغانستان، وتعلموا فنون حرب العصابات، ومن المؤكد أن هؤلاء المخضرمين الذي يطلق عليهم اسم «الأفغان» والذين يتولى الكثيرون منهم قيادة عملية جروزني الآن، لم ينسوا شيئًا مما تعلموه، وبعد أن قضيت أسبوعين مع الوحدات التي أرسلت إلى شيشانيا، لم تعد لدى أي أوهام.

لقد بدأت الحرب في شيشانيا في الوقت نفسه تقريبًا من شهر ديسمبر، الذي بدأت فيه الحرب الأفغانية قبل خمسة عشر عامًا، لكن هذا هو الشيء المشترك الوحيد بين الحربين، ففي أفغانستان استطاعت مجموعة صغيرة من القوات الخاصة من جهاز المخابرات السوفيتية كي. جي. بي والاستخبارات العسكرية وبمساعدة عدة وحدات من قوات المظليين احتلال العاصمة كابول خلال يوم واحد وبخسائر قليلة، أما في حرب الشيشان، فقد بدا أن قادتنا قد تناسوا هذا الدرس تمامًا عندما أخذوا بملاحقة الزعيم الشيشاني جوهر دوداييف، لقد كان يتعين عليهم استخدام قوات النخبة بدلًا من القوات التي تفتقر للخبرة والتدريب الكافيين.

في أفغانستان، لم يتم أبدًا إرسال مجندين يؤدون الخدمة الإلزامية إلى الجبهة مباشرة، فقد كانوا يخضعون لفترة تدريب وإعداد لمدة شهرين في مخيمات خاصة أقيمت في مناطق مختلفة من الاتحاد السوفيتي (السابق) حيث كانوا يوضعون في ظروف مناخية وتضاريسية تشبه تلك التي سيواجهونها في أفغانستان، أما في الشيشان، فقد ألتقيت بالعديد من الشباب الصغار الذين تم إرسالهم إلى ميدان القتال بعد استدعائهم لأداء الخدمة العسكرية مباشرة، فقد تم إرسال أحد الألوية التي وصلت لتوها من سيبيريا، إلى مدينة جروزني ليلًا دون أن تكون لأفرادها أية معرفة بالمدينة، وكان الضباب كثيفًا ولم يكن باستطاعتك أن ترى المسافة عشر خطوات أمامك.

 وأخبرني قائد اللواء المدرع أنه كان ينبغي تدريب جنوده على القتال، خاصة وأنهم التحقوا بالخدمة قبل أيام فقط من إرسال اللواء إلى أرض المعركة في جروزني، وأضاف يقول: ربما لا تصدقني إذا قلت لك أنه كان لدي بعض الضباط غير الجاهزين للخدمة، والذين درسوا لمدة ستة أشهر، لكنهم لا يعرفون شيئًا عن الدبابة، حتى إنني علمتهم كيفية إدارة برج الدبابة.

وكان من المفترض بهذا اللواء المدرع، وفقًا للخطط التي وضعتها القيادة العسكرية، أن يكون من أوائل القوات التي تقتحم جروزني وفعلًا، هذا ما كان فبعد عشر ساعات من القتال المرير، لم يتبق من دبابات اللواء سوى عشرين دبابة دخلت إلى جروزني..

الرابط المختصر :