العنوان كرامات المجاهدين في أفغانستان
الكاتب د. عبد الله عزام
تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1982
مشاهدات 26
نشر في العدد 584
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 24-أغسطس-1982
المجاهدون الذين قهروا الروس وأغاظوا العلمانيين واليساريين.
كتبت بعض الأقلام العلمانية واليسارية مقالات حول كرامات المجاهدين في أفغانستان... منها يحوي التهكم والسخرية... ومنها من ينكر الكرامات مطلقًا... ومنها من يتحرج من تصديق هذه الكرامات... وقد أرسل إلينا بعض القراء يطلبون توضيحًا في هذه المسألة التي قد توقع أولئك بالمحظور الشرعي... وهو إنكار الغيبيات ورفض كل ما هو غير محسوس... وقد عرضت مجلة المجتمع هذه القضية على الدكتور عبد الله عزام الأستاذ في كلية الشريعة في الأردن والمنتدب للتدريس في الجامعات الباكستانية والقريب من الأحداث الأفغانية... فأجاب -أكرمه الله- بالآتي:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد،
- أولًا: فقبل كل شيء إن الذي كتب مقال عن الكرامات في أفغانستان وقد نشرت المجتمع طرفًا منها إنسان قد أمضى أكثر من ربع قرن يدرس في دين الله، يحمل العقيدة السلفية ولا يؤمن بالخرافات، يعيش من أجل محاربة البدع ولإقرار دين الله في الأرض، ومن أكثر الكتب التي تأثر بها هي كتب ابن تيمية وابن القيم، ولا يأخذ عقيدته من أوهام المبطلين ولا من رؤى الصالحين، إنما عقيدته من كتاب رب العالمين ومن سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ومن أعلام الفكر الإسلامي عبر التاريخ وخاصة الخط الذي نهجه الإمام أحمد بن حنبل وسلكه على هذا الطريق الواضح أصحاب الفكر الواضح والعقيدة السليمة الخالية من الأوهام والتهويمات والبدع والخرافات.
- لقد سلك كاتب المقال السابق في المجتمع منهج المحدثين وتقيد بألفاظ حدثني أحد المجاهدين، والحقيقة التي أعرفها أن الروايات بلغت حد التواتر بعد أن أمضيت أكثر من نصف عام اتصل بالمجاهدين واستمع إلى أخبارهم ومعاركهم، وليس الأمر قول واحد قد يكون الوهم يطرق إلى رؤيته أو مشاهدته بل إن هذه الحقيقة الكرامات قد كثر رواتها الصادقون.
- إن الرجال -من المجاهدين- الذين ينقل عنهم هذه الكرامات والبشائر أناس لا يزالون يخوضون غمار أشرس المعارك في العصر الحديث وهم موثوقون لدى الشعب الأفغاني كله، فمن ذا الذي لا يعرف: القاضي جلال الدين حقاني أشهر مجاهد أفغاني على الإطلاق، وهو ثقة ثبت، يعيش المعركة منذ أول يوم، وهو الآن لا يزال في أرض المعركة اسأل أي أفغاني عن القاضي جلال الدين حقاني لا يحتاج إلى لحظة واحدة من التفكير حتى ينهال عليه بالمدح والثناء والإطراء وجلال الدين حقاني هذا قائد جبهة كبيرة/ جنوب أفغانستان في منطقة بكيتا.
والرجل الثاني هو «مولوي أرسلا» الرجل الثاني في الجهاد الأفغاني وهو في أرض المعركة منذ اللحظة الأولى ومولوي أرسلا قائد جبهة كبيرة، وهو معروف بين الأفغانيين بثقته وصلابته وشجاعته وورعه وتعني «مولوي» أي عالم.
وقد سمعت من القاضي جلال الدين الكثير وكذلك سمعت من مولوي أرسلا، ولشدة رعبه في قلوب الجيش الروسي ولكثرة ما يلقيه اسمه في الجنود الحمر من الهلع هنالك محاضرات تعطى للجيش الروس عن أرسلا: بإنه يشبه أكلة لحوم البشر وليس إنسانًا عاديًا.
والرجل الثالث هو «عمر حنيف» وهو قائد منطقة أورغون وزرمة ولا زال على رأس الجبهة منذ دخول الجيش الروسي.
والرجل الرابع هو «القاضي ينك محمد» ممثل الاتحاد الإسلامي للمجاهدين الآن في أفغانستان في مكتب إسلام آباد وهو رجل بقى في المعركة مدة طويلة وهكذا دواليك، هذه توعية الرجال الذين يروون قصص الكرامات ومنهم أخذ الكاتب... فإن لم تكن هذه النماذج صادقة فليس في الأرض صادق قط.
- والذي أعلمه أن الكاتب لم يكن يقبل أية رواية لم يرها المجاهد بأم عينه حتى يكتب القصة بلفظ «حدثني».
- كل من درس السيرة النبوية وحياة الصحابة رضوان الله عليهم ودرس طرفًا من كتب السلف لا يتردد في قبول هذه القصص.
- إن الكرامات قد زادت في عهد التابعين عنها في عصر الصحابة فالعصور المتأخرة تزداد فيها الكرامات بسبب حاجة الناس لها لتثبيت إيمانهم.
يقول ابن تيمية في كتابه الفرقان: «: ومما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل فإذا احتاج إليها الضعيف الإيمان أو المحتاج أتاه منها ما يقوي إيمانه ويسد حاجته ويكون من هو أكمل ولاية لله منه مستغنيًا عن ذلك فلا يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها لا لبعض ولايته، ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة، بخلاف من يجري على يديه الخوارق لهدي الخلق وحاجتهم فهؤلاء أعظم درجة»([1]).
أورد هنا قصصًا أوردها ابن تيمية في كتابه «الفرقان» وقد اخترت هذا الكتاب لأنه لا يستطيع أحد أن يقدح في عقيدة ابن تيمية بأنه يعتريها اللبس والغش أو يتطرق إليها الخرافات والبدع.
- العلاء بن الحضرمي في فتح البحرين: دعا الله فمرت خيولهم على الماء ولم تبتل سروج خيولهم.
- أبو مسلم الخولاني: ألقاه الأسود العنسي في النار فوجدوه قائمًا يصلي في النار وصارت عليه بردًا وسلامًا، ومشى أبو مسلم الخولاني ومن معه من العسكر على نهر دجلة، ووضعت له الجارية السم في الطعام فلم يضره.
- عامر بن عبد القيس: كان يأخذ عطاءه ألفي درهم في كمه، وما يلقاه سائل في طريقه إلا أعطاه بغير عدد، ثم يجئ إلى بيته فلا يتغير عددها، ودعا الله تعالى أن يهون عليه الطهور في الشتاء فكان يؤتى بالماء وله بخار.
- الحسن البصري: تغيب عن الحجاج فدخل عليه جنود الحجاج ست مرات فلم یروه.
- صلة بن أشيم: مات فرسه في الغزو فدعا الله فأحيا له فرسه.
- سعيد بن المسيب: كان في أيام الحرة يسمع الأذان من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوقات الصلاة وكان المسجد قد خلا فلم يبق غيره.
- أويس القرني: لما مات وجدوا في ثيابه أكفانًا لم تكن معه من قبل.
- مطرف بن عبد الله الشخير: كان إذا دخل بيته سبحت معه أنيته.
- إبراهيم التيمي: كان يقيم الشهر والشهرين لا يأكل شيئًا وخرج يطلب طعامًا لأهله فلم يجد، فمر بسهل ترابه أحمر فأخذ من التراب ورجع ففتح الأكياس فإذا بها حنطة حمراء، فكان إذا زرع منها تخرج السنبلة من أصلها إلى فرعها حبًا متراكبًا.
10 كان عبد الواحد بن زيد: أصابه الفالج فسأل ربه أن يطلق أعضاءه في وقت الوضوء، فكان وقت الوضوء تطلق له أعضاؤه ثم تعود بعده.
11-شیخ الإسلام ابن تيمية: يحدث عن نفسه أنه كان يتفقد بعض الأسر الفقيرة فعندما ألقي في السجن كانت الأسر تقول إن ابن تيمية لا زال يأتيها ويتفقد، ويفسر ابن تيمه هذا -لعله من فعل إخواننا المؤمنين من الجن-.
كل هذه القصص السابقة أوردها ابن تيمية في كتابه([2] ) أما القصة الأخيرة فأوردها في الفتاوي في كلامه عن الجن.
والآن لنرجع إلى أفغانستان
فنقول: إن وقوف شعب أعزل مدة ثلاث سنوات أمام أعتى قوى الأرض وأشرس الجيوش المزودة بأحدث أسلحة توصل إليها العقل البشري، هذه وحدها:
أكبر كرامة وأعظم بشرى وأعزب خارقة للسنن في العصر الحديث، لقد حطم الجهاد الأفغاني كل المقاييس البشرية، وقلبت كل الموازين الإنسانية، إن كل ذي بصيرة يفكر مليًا في الجهاد الأفغاني ليرى يد الله تدير المعركة، ويدرك أن هذه الانتصارات التي يحققها هي علامات تأييد من رب العزة ويطمئن إلى مصداق الآية: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (سورة الأنفال: 10)، ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾(سورة آل عمران: 160).
وختامًا سواء صدق الناس أو كذبوا فأفغانستان حقائق أکبر من الخيال ووقائع أغرب من الأساطير وإن شاء الله -عما قريب- سيرى الناس نصر دين الله فيها ورفع راية شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فقال تعالى: ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (سورة الروم: 4,5).
فهل يستيقظ النائمون في العالم الإسلامي؟
وهل يفطن المتخمون إلى إخوانهم الجياع في ربی أفغانستان؟
وهل آن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم ويؤدوا جزء من واجبهم تجاه شعب مسلم يواجه الموت بصدور أبنائه، وقد قدم حتى الآن قرابة مليون شهيد، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (سورة ق: 37).
وختامًا أسوق بعض نصوص الفقهاء إلى المسلمين لعلهم يتذكرون ويدركون تقصيرهم خاصة أصحاب الملايين الذين يكدسون أموالهم والناس يموتون جوعًا.
يقول ابن عابدين([3] ) «مسلمة سبيت في المشرق وجب على أهل المغرب تخليصها من الأسر».
ويقول الإمام مالك عند آية ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر﴾(البقرة :177) «يجب على المسلمين فداء أسرهم وإن استغرق ذلك أموالهم».
ويقول ابن نجيم([4]) « «وإنقاذ الأسير وجوبه متجه على كل من أهل المشرق والمغرب ممن علم».
هذا في الأسير الواحد فكيف بشعب كامل تحاول روسيا ابتلاع أرضه؟ وأسر رجاله وسبي نسائه وانتهاك أعراضه، ونهب أمواله.
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص149 ابن تيمية، ([1] )
ابن تيمية، الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص.144 - 148، ([2])
رد المختار 3/242 ابن عابدين،([3] )
في البحر الرائق 5/72 ابن نجيم، ([4])