العنوان ضحايا الخمر والاغتصاب والسرقات والمغالطات حول تطبيق الشريعة الإسلامية
الكاتب المستشار سالم البهنساوي
تاريخ النشر الثلاثاء 13-أغسطس-1985
مشاهدات 13
نشر في العدد 729
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 13-أغسطس-1985
• تطبيق الشريعة لا يعني البدء بالحدود قبل توفير أسباب المعيشة والحياة الكريمة لأفراد المجتمع.
• من إصلاح الإسلام لنظام الجزية أن جعلها نظامًا اجتماعيًا تكفل لأصحابها الحصول على الإغاثة الاجتماعية من بيت مال المسلمين.
• الكاردينال إسطفانوس: إن تطبيق الشريعة الإسلامية ضروري للشخص والمجتمع حتى ينصلح حال الجميع، وليس في ذلك ما يمس حقوق المسيحيين.
كتب السيد ناجي علوش مقالًا بعنوان: «هل يعرف الذين يدعون لتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر ماذا يفعلون» ادعى فيه أن تطبيق الشريعة الإسلامية يعيد تطبيق نظام الملل، وسيفرض وجود ملتين مما يزكي ميزان الصراع وتفاقم المخططات الأمريكية الصهيونية، وسيزيد من تفاقم الصراع شعور المواطنين جميعًا بأن هناك ردة عن القوانين التي تعتبر المواطنين سواسية إلى قوانين تفرق بين الناس على أساس الملة.
والكاتب خرج عن العرف الذي يتبعه إخوانه المسيحيون؛ حيث لم يؤثر عنهم رفع رية الهجوم على التشريعات الإسلامية أو اعتبارها مطية للصراع الذي تسعى إليه المخططات الأمريكية الصهيونية.
والسبب في ذلك أن العلماء المسيحيين يعلمون تمامًا أن الشريعة الإسلامية تترك لهم الحرية الكاملة في عقائدهم وعباداتهم، وفي أمورهم الخاصة من زواج وطلاق، وهو ما يسمى بقوانين الأحوال الشخصية.
أما فيما يتعلق بالقوانين الأخرى وهي المدنية، والتجارية، والجنائية فإنه ليس هناك تعارض، وما ورد في القرآن الكريم، وما ورد في الكتاب المقدس عند النصارى في هذا الشأن، وبالتالي فسريان التشريع الإسلامي عليهم في هذه الأمور لا يصادم عقيدة لهم ولا شريعة؛ لهذا عارض الأستاذ سامي داوود أن يقتصر تطبيق القانون الجنائي على المسلمين فقط، ونشر في أغسطس سنة ١٩٧٦ ردًا على وزير العدل آنذاك أن تصريحه بأن تكون الحدود الشرعية قاصرة على المسلمين أمر يتنافى مع العدالة؛ لأنه بأي ضمير يحكم على المسلم إذا سرق بقطع اليد، بينما يحكم على المسيحي إذا سرق بالحبس بضعة أشهر، ثم قال الأستاذ سامي داوود إن القانون المدني قد تضمن مواد كثيرة تستند إلى الشريعة الإسلامية، وهو يطبق على المسلمين والمسيحيين، ولم يشك أحد من ذلك أو يجد في ذلك تفرقة بين المسلمين والمسيحيين.
كما أن الأنبا غريغوريوس ممثل الأقباط الأرثوذكس قد علق على ذلك بقوله: «إنه على الرغم من أن الديانة المسيحية ليس في نصوصها قطع يد السارق أو قتل القاتل، إلا أن المسيحيين لا يعارضون تطبيق حدود الشريعة الإسلامية في مصر.
كما أيد ذلك وكيل الطائفة الإنجيلية برسوم شحاته، وقال: إن تطبيق الشريعة الإسلامية يحقق العدالة والسلام في المجتمع، بل إن الكاردينال إسطفانوس ممثل الأقباط الكاثوليك قد كتب في فبراير سنة ١٩٧٧ أن تطبيق الشريعة الإسلامية ضروري للشخص والمجتمع حتى ينصلح حال الجميع، وليس في ذلك ما يمس حقوق المسيحيين.
ولكن السيد ناجي علوش تجاهل أقوال علمائه إن كان مازال على انتمائه لديانته، أما إذا كان قد اختار اللادينية منهجًا فإن أبسط القواعد الإنسانية تقضي باحترام رأي الأغلبية، وهو لا يجهل أنه في مجتمع أغلبيته قد ارتضت الشريعة الإسلامية دينًا وقانونًا، وشعب مصر الذي يتباكى عليه قد طالبت أغلبيته الساحقة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وترجم هذه الرغبة الدستور المصري فنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وضحايا الخمر واغتصاب الإناث والسرقات لا يجهلها من يكتبون، وليست خافية على أحد، ومن أبسط القواعد القانونية قاعدة إقليمية القوانين، ومن مقتضاها سريان قانون الدولة على جميع القاطنين بها، لا فرق بين الأكثرية والأقلية، وهذا ما هو سائد في جميع الدول المعاصرة، فلماذا يصبح صراعًا داميًا، إذا ما تعلق بسريان التشريع الإسلامي على المصريين وجميع القاطنين بمصر إعمالًا لنص الدستور المصري؟
إن القوانين التي يتمسك بها خصوم، الشريعة الإسلامية هي السبب الرئيسي في المشاكل الاجتماعية، بل والاقتصادية المستعصية، فتطبيق الشريعة لا يعني البدء بالحدود قبل توفير أسباب المعيشة والحياة الكريمة لأفراد المجتمع.
إن شيوع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في كثير من المجتمعات العربية اقترن بتطبيقها للقوانين الوافدة التي يستمسك بها هؤلاء، مع أنها لم تحقق للمجتمع الأمن أو الرخاء، ونضرب مثلًا بنص واحد من قانون العقوبات الذي يتمسك به هؤلاء هو نص المادة (269) من قانون العقوبات المصري الذي يعاقب على هتك العرض إذا تم قبل سن الثانية عشرة، ويجعل العقوبة هي الحبس؛ أي أنه إذا تمت هذه الجريمة مع فتى أو فتاة في سن الثامنة عشرة فصاعدًا فلا عقوبة، بل ولا جريمة طالما تم بالتراضي، وبهذا يعطي القانون شرعية للفواحش والزنا إذا تمت في هذا السن بالتراضي، وهذا القانون يسمح للجناة بالتهرب من العقوبة في حالات كثيرة سببها الثغرات التي به، من ذلك عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية ضد المرأة المتزوجة إذا زنت إلا بطلب من زوجها، وقد صرح لها القانون وحماها إذا كان زوجها هو الآخر قد زنا في بيت الزوجية.
• مغالطات حول الجزية وحقوق غير المسلمين:
أما ما يتردد على لسان بعض الكتاب من أن تطبيق الشريعة الإسلامية من شأنه أن يجعل النصارى مواطنين من الدرجة الثانية، ويميز بينهم وبين المسلمين في الحقوق، فإن هؤلاء لا يجهلون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عند إعلان تأسيس الحكومة الإسلامية بالمدينة تضمن هذا الإعلان التأكيد على أن اليهود بوصفهم من رعايا هذه الدولة، وكانوا أقلية- يعتبرون أمة مع المسلمين، فلم ينتقص من حقهم شيئًا، وهذا الإعلان يعرف باسم الصحيفة أو الوثيقة، وليس الجزية ظلمًا واضطهادًا كما يشيع بعض المستشرقين، ولم يبتدعها الإسلام، فهي نظام قائم قبل الإسلام، يقضي أن تدفع البلاد المغلوبة ضريبة إلى الغالب، فجاء الإسلام وأصلح من هذا النظام بأن أعفى هؤلاء من التجنيد في الجيش الإسلامي، ولكن إن دخل هؤلاء الجيش وقاتلوا مع المسلمين تسقط عنهم الجزية، كما فعل أبو عبيدة بن الجراح مع أهل فلسطين، ومعاوية مع أهل أرمينيا، ومن إصلاح الإسلام لنظام الجزية أن جعلها نظامًا اجتماعيًا تكفل لأصحابها الحصول على الإغاثة الاجتماعية من بيت مال المسلمين، وذلك على الرغم من أن قيمة الجزية ضئيلة فأكثرها دينارًا؛ بحديث معاذ وهو مبلغ ضئيل جدًا، وإن كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى غير محاربين ومن أهل الذمة فتحدد العلاقة معهم على النحو التالي:
1- لا يكرهون على ترك دينهم.
2- لهم الحق في ممارسة شعائرهم التعبدية؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «اتركوهم وما يدينون».
3- ليس للمسلم المتزوج من أهل الكتاب أن يمنع زوجته من شعائرها الدينية في الكنيسة أو المعبد.
4- أموالهم لها حرمة، ويصونها المسلمون، حتى لو كانت مهدرة في الإسلام كالخمر والخنزير، فمن أتلف لذمي شيئًا من ذلك التزم التعويض.
5- لهم الحرية في إبداء أقوالهم وآرائهم في حدود القانون الإسلامي، وهو قول الله -تعالى-: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾(سورة العنكبوت:46).
6- لهم الحرية في تطبيق شعائرهم في الأحوال الشخصية من زواج وطلاق ووصاية، أما التصرفات المدنية والتجارية والعقوبات فيخضعون لما يخضع له المسلمون وهو القانون الإسلامي، وهذا الذي شرعه الإسلام أصبح قانونًا دوليًا سمي بأعمال السيادة، وهو حق الدولة على المواطنين والمقيمين بها.
7- أباح الإسلام زيارة وعيادة مرضاهم، وتبادل المودة معهم فالموالاة الممنوعة هي مناصرتهم على المسلمين، وهذا يكون بمناصرة دولتهم على الدولة الإسلامية، ولا مجال لذلك في دائرة الوطن الواحد الذي يضم المسلمين وغيرهم.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل