; طريقنا إلى نظرية متميزة في الاقتصاد الإسلامي | مجلة المجتمع

العنوان طريقنا إلى نظرية متميزة في الاقتصاد الإسلامي

الكاتب الدكتور أحمد النجار

تاريخ النشر الثلاثاء 20-أبريل-1976

مشاهدات 14

نشر في العدد 296

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 20-أبريل-1976

إن قيمة أعمال مبدأ المشاركة قد يتضح لنا إذا ما تبينا أن العلاقة بين التعامل بسعر الفائدة والتعامل بمبدأ المشاركة تشبه إلى حد كبير العلاقة بين الوهم والحقيقة، أو بين الخيال والواقع. 
فالمؤسسة المالية التي تقرض بالفائدة ليس ضروريًا أن يقابل الائتمان الذي تمنحه سلعًا منظورة أو خدمات مرئية كما أن المعالجة المحاسبية لهذا الأمر تتم قيودًا على ورق بينما الأمر خلاف ذلك عندما تسير الأمور بمبدأ المشاركة، فالمؤسسة تمول ليشتري طالب التمويل ما يلزمه لتمويل مشروعه وينفق إنفاقًا حقيقيًا لتشغيل مشروعه، وهو يقدم جهده والمؤسسة تقدم خبرتها وإمكاناتها في صورة يمثل فيها التعاون ضرورة الطرفين، حيث المصلحة مشتركة، وحيث النتيجة مؤثرة على الطرف الأول بمثل ما هي مؤثرة على الطرف الثاني. 
وقد سبق أن كتبت في أفضلية مبدأ المشاركة، وأستأذنكم في هذا المقام أن أجمل بعض دواعي تفضيل هذا المبدأ والتي يمكن تلخيص أهمها في:
1- مشاركة مؤسسة التمويل للمقترضين في نشاطهم الإنتاجي، مدعاة لأن تجند المؤسسة خبرتها الفنية في البحث عن أفضل مجالات الاستثمار والبحث عن أرشد الأساليب، وبذلك يتعاون رأس المال وخبرة العمل في التنمية الاقتصادية ويتفق هذا تمامًا مع التوجيهات الإسلامية من حيث الحفاظ على رأس مال المجتمع، وحسن استخدامه فمؤسسة التمويل إذ تشارك بخبرتها وعملها تحفظ ثروة المجتمع من التعرض لأي تبديد، نتيجة عدم توافر الخبرة لدى مقترض لا تتوافر لديه المتطلبات العلمية، والإمكانات الفنية، التي تحميه في ممارسة عمله. كما أن مشاركة مؤسسة التمويل بخبرتها أيضًا فيها رعاية وحماية للمقترض من مخاطر كان من الممكن أن يقع فيها لولا مشاركة المؤسسة له. 
وفي هذا الأسلوب الإسلامي ضمان لنجاح المشروعات المقترض من أجلها من ناحية، وأداء لحق واجب للمجتمع الإسلامي من ناحية أخرى، ومزاوجة بين العلم والجهد من ناحية ثالثة.
2- صاحب المال الذي يودع ماله في مؤسسة مالية توظف أموالها على أساس المشاركة سوف يحصل على الربح العادل الذي يتكافأ مع الدور الفعلي الذي أداه ماله في التنمية الاقتصادية، وفي ذلك تشجيع للمسلمين على إيداع أموالهم لدى هذه المؤسسات، ومداومة استثمارها بواسطتها، وفيه كذلك ربط بين أصحاب المال المسلمين وبين عملية تكوين رأس المال (الإضافات أو القيمة المضافة) كركن أساسي في تدعيم اقتصاديات المجتمع الإسلامي، ومدعاة إلى إقبال المسلمين على مداومة استثمار ما لديهم من أموال، بدلًا من الاكتناز الذي تتحول به الأموال إلى رأس مال آسن، يحرم معه اقتصاد العالم الإسلامي من هذه الأموال، وفي ذلك تطبيق التوجيهات الإسلامية. 
3- في تطبيق مبدأ المشاركة تحرير للفرد من نزعة السلبية التي يتسم بها المودع الذي يودع ماله انتظارًا للفائدة، ومن الأمور التي تستلفت النظر أن الذين ابتدعوا الفائدة، واجتهدوا في تأكيد سريانها في معاملات الدول الإسلامية، لم يكونوا عابثين أو غافلين وهم يفعلون ذلك، ولكنهم كانوا يريدون بقصد وعن عمد استلال جانب الإيجابية تدريجيًا من نفوس المسلمين، فاتخذوا الفائدة سلاحًا يعينهم على ذلك مستفيدين من نزعة النفس الإنسانية إلى حب الراحة، وكذلك استهدفوا أيضًا أن يهدموا ركنًا من أركان الدين بوضع الأساليب التي تعوق المسلمين عن أداء الزكاة، ذلك أن الذي يقبل أن يستقصي فائدة وهي محرمة، سوف لا يقدم على أداء الزكاة المفروضة، إذ كيف يتسنى له أن يخرج الزكاة (وهي تطهير) من مصدر تكتنفه الشبهة إن لم يكن التحريم كما أن حرصه على ماله (وأحضرت الأنفس الشح..) سوف يجعله مترددًا في إخراج الزكاة من رأس المال حتى لا تأكله الصدقة. 
4- عدم اعتماد مؤسسة التمويل على الفرق بين سعر الفائدة الدائنة والمدينة، مدعاة لتنشيط عمليات التنمية في المجتمع، إذ ليس أمام المؤسسة وهي تعمل بالمشاركة غير تجنيد كل طاقاتها وإمكاناتها الفنية في استخدام الأموال التي لديها في مشروعات.
5- يكفل نظام المشاركة النهوض باقتصاديات المجتمعات الإسلامية، وذلك لأن مؤسسات التمويل حين تعمل بالمشاركة لن تنظر إلى الفائدة على أنها المؤشر الأساسي لتحديد الكفاية الحدية لرأس المال ولتوجيه الاستثمارات دائمًا، وإنما سوف يكون مؤشرها الأساسي هو الربح الحلال بجانب الاعتبارات الاجتماعية الأخرى المرتبطة ارتباطًا وثيقًا به وبالاقتصاد، مثل العمالة واحتياجات المجتمع ورفاهيته.
 6- في التزام مؤسسات التمويل بمبدأ المشاركة تمكين لها من القدرة على التكيف والتلاؤم المستمر مع التغيرات الهيكلية للاقتصاد بطريقة عضوية، كما يصبح كل من المؤسسة والمقترض قادرين على مواجهة الأزمات بصلابة، قادرين كذلك على عدم التأثر بها. 
7- في المشاركة عدالة في توزيع العائد بما يسهم في عدم تراكم الثروة تراكمًا مخلًا. كما يحاول دون إهدار الطاقات البشرية الإنتاجية من ناحية أخرى. 
فإذا أضفنا إلى كل ما تقدم الحرص على تغليب المصلحة العامة عند المشاركة، وهو أمر غير وارد في حساب المؤسسة المالية التي تقرض بالربا، استطعنا أن ندرك حكمة التشريع عندما شن على الربا حربًا لا هوادة فيها وحذر من مغبته، وآذن المتعاملين به بحرب من الله ورسوله.
وهنا نعود إلى الحديث الذي أوردناه في صدر هذا البحث، لنقول إن الدعوى بأن هذا الشكل أو ذاك يمثل ضرورة لا محيص عنها في تسيير عجلة الحياة الاقتصادية، إنما تأتي من أننا قد روضنا لنتحرك في دائرة الفكر الذي فرضه علينا النفوذ التغريبي الخطير، وذلك بعينه هو الذي يفتح لنا الطريق لنطرح أمام مؤتمركم الموقر خطة عمل للمناقشة كوسيلة من وسائل الاتفاق على ما ينبغي أن نضطلع به، وأن نقوم بإنجازه، مستشعرين مسؤولية الحساب أمام الله والأمة الإسلامية. 
وأريد أن أقدم لمقترحاتي حول خطة العمل بعدد من الحقائق التي نقف إزاءها والتي يتحتم علينا أن نواجه بعضها وأن نضع البعض الآخر منها في اعتبارنا، وتتلخص أهم هذه الحقائق فيما يلي:
● إن الغرب والشرق يطرح علينا نظريات وأفكارًا وفروضًا ونحن نحاول في إطار من الأسر الفكري أن نؤمن بهذه النظريات والفروض، وكأنها علم مقرر أو حقائق ثابتة.
● إن أمورًا كثيرة قد جرى طرحها وفهمها من خلال مقاييس الغرب، وللغرب مقاييسه ولنا مقاييسنا المختلفة.
● إن التاريخ لأي أمة هو وحدة كاملة متصلة الحلقات، وكذلك يمثل تاريخ فكرها وحدة لها ذاتيتها وكيانها ومزاجها النفسي والاجتماعي.
● إن من أبرز قواعد المقاييس التي ينبغي بل يتحتم أن نأخذ بها الترابط والتكامل بين القيم كوحدات تنتمي إلى أصل واحد، وأن الإنسان المسلم يعيش في دائرتين متصلتين دائرة معنوية ودائرة مادية. وإنه كإنسان يؤمن برسالة لا بد أن يمثل تعانق الروح والمادة والقلب والعقل، فرسالة الإسلام ليست روحية صرفه أو مادية صرفه وإنما هي رسالة إنسانية في المقام الأول. 
● إن القيم الأخلاقية في الإسلام ثابتة ثبوت الإنسان نفسه، وليست خاضعة للتطور المطلق الذي ينادي به المفكر الغربي. 
● إن الإسلام لا يعادي جديدًا إلا إذا كان ضلالًا، ولا يصد عن تطور إلا إذا كان انحدارًا، وإن مزية الإسلام بين المذاهب والأديان أنه لا يقف في طريق رأي صالح ولا يحول بينه وبين التجارب تنبذ منه ما لا سبيل إلى قبوله وتبقي منه ما هو صالح للإبقاء.
● إنه ما من تحريم قط ورد في الإسلام إلا وهو مشفوع بحدود تقيم الفاصل بينه وبين الكسب الحلال.
● إن الإسلام لا يمنع قط معاملة بين الناس تنفعهم وتخلو من الضرر بهم والعين على فريق منهم، وأساس التحريم كله في الإسلام أن يكون في العمل المحرم ضرر أو إجحاف أو حطة في العقل والخلق. 
● إن أصحاب المذاهب الاقتصادية المعاصرة يطرحون قضية خاطئة حين يظنون أنهم قد أحاطوا بحكمة التشريع عامة في جميع العصور لأنهم يقيمون ظنهم على أساس من فترات الزمن يمكن أن تستوعب هذه الحكمة وتفرغ منها على نحو لا يقبل المراجعة والتعديل، بينما نرى أن قواعد الحضارة التي يتعللون بها تتطلب اليوم من نظم الاقتصاد ما لم تكن تتطلبه قبل خمسين عاما، وسوف تتطلب بعد خمسين عامًا ما لم تتطلبه اليوم. 
● إن الدين يتسع لأحداث الزمن فلا يتصدى لها في مجراها، ولا يمنعها أن تذهب إلى مداها وأن تضطرب اضطرابها لمستقر لها تمحصه الأيام.. ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ (الرعد: 17)
ولما كان للإسلام- وهو طريق حياتنا- نظريته الاجتماعية، ونظريته السياسية، وقيمه التي تشكل في مجموعها كلًا متكاملًا، فإنه لا بد أن تكون له كذلك نظريته الاقتصادية.
ولما كانت الأمة الإسلامية أو المجتمعات الإسلامية تجد نفسها اليوم وسط مجتمعات دولية بنظريات متعددة تبدو راسخة القدم، ونظرًا لأن الاقتصاد يمثل بعدًا من الأبعاد الهامة، إلى حد أن بعض المجتمعات تعتبره القوة الدينامية في تحريك المجتمع، فقد آن الأوان لكي نعمل على اكتشاف النظرية الاقتصادية في الإسلام وتخريجها ومنهجتها وفقًا لمعطيات العلم الحديث في التحليل والتقنين. ولو أننا اتفقنا على هذه المقدمة فإن جوهر القضية التي ينبغي طرحها هو كيف يمكننا أن نصل إلى هذه الغاية؟
إن مؤتمرنا هذا هو بداية ولا شك… وهو بداية قيمة، ولكنني لست أحسب أن اجتماعنا لمدة أيام نناقش فيها رأيا أو عدة آراء طريقة كافية أو مدة مناسبة لنصل إلى الغاية التي نرجوها. 
والاقتراح الذي أدعو حضراتكم إلى التفكير فيه والتوصية به يتمثل في أن يقرر المؤتمر تكوين أمانة تتفرغ عنه تكون بمثابة لجنة خبراء مصغرة من الذين مارسوا الكتابة في موضوعات الاقتصاد الإسلامي أو تدريسه بالجامعات لكي تقوم هذه اللجنة بتحديد المفاهيم التي يمكن الانطلاق منها، ولتحديد عناصر المنهج الإسلامي في الاقتصاد تحديدًا علميا، وتقوم في نفس الوقت بتوزيع أدوار البحث والعمل في إنجاز هذه العناصر على القادرين على ذلك، ثم تتم الدعوة بعد ذلك إلى ملتقى عام يناقش فيه الإنتاج بعد إعداده، وقد يحتاج ذلك جهدًا ووقتًا وتكلفة، ولكن ذلك لا ينبغي أن يفت في عضدنا أو يصرفنا عن أن نقوم بذلك الواجب الذي يرتقي إلى مرتبة التكليف المحتم. 
هذا من الناحية النظرية وأما من الناحية العملية، وهي التي تمثل جانب المشاهدات التي دعمت النظريات الأجنبية وساندتها، وأضفت عليها الصبغة التجريبية التي يعدونها إحدى قواعد العلم الحديث، فإنني أدعو حضراتكم إلى التفكير في التوصية بمناشدة الدول الإسلامية بعمل نماذج محلية لمؤسسات مالية إسلامية تلتزم في نظمها وطريقة عملها بأصول التشريح الإسلامي لتكون هذه النماذج مجال التجريب لما يتفق عليه من نظريات أو بدائل إسلامية، ولتكون دعامات البنك الإسلامي الدولي الذي وقعت اتفاقية إنشائه في أغسطس ١٩٧٤م رجب ١٣٩٤ه‍ واختيرت المملكة العربية السعودية مقرًا رئيسيًا له. 
ومن حسن الحظ أن النماذج التي أدعو إلى التوصية لها قد حققت نجاحات أكيدة في عدد من الأقطار الإسلامية، وحتى لا يطول بنا الاستطراد فإنني أضع بين يديكم إلحاقا بالبحث دراسة منفصلة سبقت مناقشتها في مؤتمرات سابقة عن الناحية العملية لإقامة نظام البنك الإسلامي. 
وأرجو في ختام هذا الحديث ألا أكون قد أطلت عليكم، وفقني الله وإياكم إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 (دكتور أحمد النجار)

الرابط المختصر :