العنوان طريق المستقبل (131)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 26-ديسمبر-1972
مشاهدات 18
نشر في العدد 131
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 26-ديسمبر-1972
طريق المستقبل
كلمة للمستقبل
مسؤوليتنا نحو الإنسانية
حين سقطنا وزحزحنا عن مكان قيادة العالم اختلت موازين كثيرة، كانت صمام الأمن لحركة الإنسان والتقدم العاقل.
كان الوفاء خلة إنسانية مقرونة بظاهرة الفروسية التي أشعناها في البشرية، فلما سقطنا سقطت من ورائنا البشرية في متاهات الخداع والتضليل والمراوغة. وكان الكرم قد أصبح كذلك خله إنسانية، فلما سقطنا، أصبح البخل حكمة والشح نظاماً والتقتير كياسة.
وكانت الرحمة قد أصبحت قاعدة إنسانية منتشرة، على تفاوت بالطبع في درجات الانتشار... نعم الرحمة التي علمناها للإنسانية في حروبنا التي لا يسمح فيها بقتل الطفل، أو الشيخ، أو المرأة، أو انتهاك حرمة، أو تمثيل، أو ما إلى ذلك، وعلمناها إياها أخلاقنا الإسلامية الراقية متمثلة في كل معاملاتنا، فلما سقطنا سقطت هذه القيمة الإنسانية من كتاب البشرية.
وبنا.. بنا نحن المسلمين أصحاب الحضارة الإسلامية التي كانت مهيمنة على روح العصر، بنا وبحضارتنا انتشرت خلة التسامح، وفي مجتمعاتنا الإسلامية كان التسامح ظاهرة شاذة لم تعهدها البشرية في تاريخها.
إن الناس يحترمون بعضهم انطلاقًا من إنسانيتهم، من جوهرهم الواحد، دون نظر إلى الدين أو اللون أو الجنس .. ففي الدين "لكم دينكم ولي دين» وفي اللون والجنس ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ﴾ (الحجرات: 13)، «كلكم لآدم وآدم من تراب»، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: 70)
نعم: بني آدم الجنس والأصل، وليس «بني آدم» المتمايز باللون أو الجنس أو الأرض.
فلما هبطنا استشرت الأحقاد بين الأديان، بل بين الطوائف، وأصبح الحقد لأجل الدين واللون والجنس سمة من سمات الحضارة الحديثة.
وفي ظل الحضارة الإسلامية ارتفع شأن العقل، بعد أن كان عضوًا مهملًا، وطاقة مجهدة مكدودة.
وانفتح بسبب احترامنا للعقل باب التقدم البشري على مصراعيه، فلما سقطنا، تخبط العقل البشري وأصبح المعروف في ذهن بعض أفراده منكرًا والمنكر معروفًا، وفسد حس البشرية، فأصبحت تتعاطى الشذوذ، شذوذ الطعام والشراب والجنس والملبس والعادات، تتعاطى هذا كله تحت شعار من الشعارات الساذجة.
إننا مسئولون عن سقوط الحضارة البشرية، ولن نستطيع النهوض من كبواتنا إلا إذا أحسسنا بكنه رسالتنا، بحقيقتنا، بقضايا وجودنا، ساعتها سنتخطى المشكلات الصغيرة، وسنتقدم كقادة حضارة في مجال السباق العالمي.
الخطر.. من هنا
الفوارق شاسعة جدًا في عالمنا بين شعوب وشعوب، هذه حقيقة لا مجال للجدل فيها.
إن أمريكا، وألمانيا، واليابان، وبعض الدول الأخرى تعيش في مستوى مختلف بالتأكيد عن المستوى الذي تعيش فيه دول جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية وكثرة من دول الشرق والشعوب التي حباها الله بالرخاء قلة لا يزيد عدد سكانها عن ۳۰۰ مليون نسمة، بينما يعيش ۱۹۱٥ مليونًا من البشر في فقر مدقع لا يكادون يجدون ما يكفيهم للغذاء اليومي، بالإضافة إلى أكثر من ٦٠٠ مليون يعيشون في ظروف الفقر المتوسط، وبإيجاز: تشكل نسبة الشعوب الفقيرة في العالم أكثر من ۷۰٪ من تعداد السكان.
أما الطريق التي يمكن أن يتوازن بها العالم، لقد كان هذا أحد الأسئلة التي طرحت نفسها مع مطلع العصر الحديث، ولقد ظهرت في الطريق عدة إجابات متناقضة.
فبعض الدول رأت أن اللحاق بالدول الغنية يرتكز في انتهاج طريقة العمل والعلم والسير في طريق البناء الذاتي، وقد وصلت هذه الدول إلى مستوى معقول من التقدم، ولم تدفع ثمن التقدم غاليًا من كيانها وتاريخها.
وبعض الدول الأخرى قد رأت الذوبان في الأسس التي قامت عليها استراتيجية الدول المتقدمة، فذابت شخصيتها ولم تفعل شيئًا، وذلك كتركيا وبعض بلاد العرب.
وبعض المفكرين قد رأوا أن سبيل التقدم هو الحقد على الأغنياء، الحقد على المتقدمين محاولة تدميرهم.
الشعارات.. وانطلقت من عيون هؤلاء ومسالكهم شرارات السحق للقيم الإنسانية، ودفع العالم كله ثمن فوضاهم وأحقادهم ومجونهم غاليًا.
إننا -نحن العرب- ملزمون بالبحث عن طريق لتحقيق التقدم ، وأمامنا تجربة الحاضر الأسيف، وأمامنا التجارب الأخرى التي تخبطنا في ضبابها ردحًا من الزمان.
لكن المهم، المهم ألا نفقد في الطريق ذاتنا ولا رسالتنا والمهم كذلك ألا نمتلئ بالحقد وألا نشيعه في الأرض فالحاقد لا يبني، ولا يستطيع بالتالي أن ينشر البناء، وحسبه أن يدمر نفسه، ويدمر من ينساق لأحقاده المظلمة.
ملاحظة!
الوسائل التعليمية
• المعمل شرط ضروري لتدريس مادة العلوم، هل تحتاج هذه البديهية إلى ذكاء كبير، واتخاذ قرار من مسؤول أو غير مسؤول، وما لم يتوفر المعمل، فإن القاصر العقل هو وحده الذي يسمح بدراسة مادة العلوم، أعني مادة الإنشاء ..
• والمحاصيل والحقول الزراعية قد لا تكون مهمة لطالب الفلسفة، لكن طالب كلية الزراعة، لا يمكن أن يتعلم ويفهم ما لم توفر له الحقول والنباتات وما إلى ذلك، وغير واع ذلك الذي يحكم على طالب الزراعة أن يعيش في دائرة الكتب وحدها، أو في مدرج الجامعة.
• والأمر نفسه بالنسبة لمادة التربية الإسلامية، أليس من خداع النفس كذلك أن نقول للتلميذ ما لا نفعله نحن؟ وأليس من خداع النفس أن نحثه على الصلاة ولا نبنى مسجدًا في مدرسته، بينما هو غير قادر على أداء صلاة الظهر مثلا في وقتها الحاضر بحكم وقت المدرسة اليومي الذي لا يسمح بأداء الصلاة في البيت، وبحكم المدرسة التي لا تهيء له مكانًا للصلاة.
• ومدرسة التربية الإسلامية: لماذا نترك هذه المدرسة تدرس الدين، بينما يمثل مظهرها إساءة موجهة إلى الدين، وماذا تفعل هذه المدرسة حين تدرس آيات الله وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام في الاحتشام؟ ألا يمكن أن تضحك التلميذات منها؟ وكذلك مدرس الدين الذي لا ينم سلوكه عن وجود عقيدة تعيش في أعماقه، فلا غيرة على الإسلام، ولا محافظة على الصلاة ، ولا نشاطًا إسلاميًا.
••
إن العقل الذي لا يسيغ تدريس العلوم بدون معمل، ولا تدريس الزراعة دون تجارب زراعية، هذا العقل نفسه أن كنا نريد أن نحترمه هو الذي لا يسيغ تدريس الدين بمعلم أو معلمة غير متدين أو متدينة، وهو الذي لا يسيغ كذلك خلو المدارس التي تدرس الدين من مسجد يتعلم التلميذ فيه الصلاة.
شيء من .. الحياء
المرأة التي نشرت الفوضى الخلقية طيلة ربع قرن، وساهمت في تكوين جيلًا من الضائعين والضائعات، وحاربت قوانين الإسلام بحرارة الحاقد الجحود.
بالكتاب، بالمقال الصحافي، بالقصة المختلقة، المشكلة المفتعلة المزورة، بالمحاضرات، بالجمعيات النسائية السافرة، بكل هذا وغيره شنت المرأة على الإسلام حربًا غريبة، على إعطاء الرجل حق القوامة، على الميراث الإسلامي، على الاحتشام الإسلامي، على الترابط الأسري الذي دعا إليه الإسلام.
على كل ذلك، وعلى غيره من قوانين الإسلام، كانت المرأة تعلن حربها في كل المجالات بأسلوب غريب.
وكانت آخر جولاتها مقالة نشرتها هجومًا على ظاهرة الاحتشام التي سادت بين طالبات الجامعات في مصر، کرد فعل للفوضى الخلقية التي جرت الهزيمة على الأمة العربية والإسلامية.
•• •
ولم يكن أسلوبها في نشر المقال غريبًا، ولم تكن حربها على الإسلام طيلة هذه السنوات شيئًا مستغربًا، فهي تنتمي إلى مدرسة ظهرت مع بداية الخمسينات وتشكلت ملامحها التي كان أبرزها إعلان الحرب على الإسلام في كل الميادين، لكن الشيء الغريب حقًا أن تعلن المرأة مع كل هذا أنها صديقة للإسلام، أنها داعية للفضيلة، بل داعية الزي المحتشم، ولم يكن باقيًا إلا أن تعلن أنها محامية الإسلام الأولى في مصر!
إن هذا التراجع في رأينا لا يعكس صدقًا واقعيًا، وإنما يعكس القيمة الحقيقية لدعاة العبث والانحلال في عالمنا العربي.
إنهم انهزاميون، لكنهم لا يتحملون أدنى اختبار!!..
إنهم كإسرائيل لا يتقدمون إلا عند ضمان عدم وجود أية قوة مضادة، أما حين يحسون بأية مقاومة كما حدث فعلًا لهذه المرأة، فإنهم سرعان ما يضربون بمبادئهم التي يرتزقون من ورائها عرض الحائط!
لقد آن لأمتنا أن تعرف هؤلاء على حقيقتهم، أما تلك المرأة، فنحن نقول لها يا أمرأة شيئا من الحياء!
مطلوب مؤلف لهذا الكتاب
في مجتمع كالكويت يتمتع أفراده إلى حد كبير بمستوى معقول من المعيشة: ما هي أسباب الجريمة؟ ... هل للغني جرائمه الخاصة؟ ربما، وهل يمكن أن تكون الجرائم التي تظهر في مجتمع الكويت جرائم غنى وترف؟... الحق أن هذا صحيح إلى حد كبير، فالخمر والفوضى الجنسية وفوض الترف، هذه كلها مسؤولة إلى حد كبير عن جرائم المجتمع الكويتي.
لكن مع ذلك ثمة جرائم على مستوى الطبقات الدنيا والتي تعيش وسط هذا المجتمع شبه معزولة عن مستوى الثراء فيه.
فهل يمكن أن تكون مشاعر هذه الطبقة هي المسؤولة عن هذه الجرائم، وبتحديد آخر: هل ثمة عامل آخر مؤثر في نوعية هذه الجرائم؟ وربما كان ذلك أيضًا باعثًا من بواعث الجريمة، لكن موضوع الجريمة في مجتمع كالكويت يحتاج إلى دراسة ميدانية يمكن أن يتألف منها كتاب جديد وطريف.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل