العنوان علمانية فرنسا مزيد من السقوط
الكاتب شعبان عبد الرحمن
تاريخ النشر السبت 28-فبراير-2004
مشاهدات 15
نشر في العدد 1590
نشر في الصفحة 17
السبت 28-فبراير-2004
يتدحرج النظام العلماني الفرنسي رويدًا رويدًا نحو مربع العنصرية ومصادمة حقوق الإنسان، وهو ما يجعل الدولة الفرنسية تتقهقر في سلم الاحترام لدى الرأي العام وبخاصة الرأي العام الإسلامي الشعبي بالطبع، فما اكتسبته فرنسا لدى الرأي العام خلال فترة ليست بالقصيرة، فقدته في زمن قياسي على محك التعامل العملي في قضايا الحريات.
ولا شك أن التشدد حيال منع الحجاب الإسلامي في المدارس والجامعات يظل شاهدًا مهمًا على ما نقول، لكن شاهدًا جديدًا طرأ على الساحة الفرنسية، يتمثل في منع الكوميدي الفرنسي الشهير ديودونيه من إقامة حفلاته، وإغلاق شتى أبواب المسارح والصالات في وجهه، حتى اضطر يوم الجمعة ٢٠ فبراير إلى إقامة حفلته في الشارع.
السلطات تقول: إن سبب المنع «أمني» أو «خوفًا على حياة الفنان والمشاهدين، وهي حجة على شاكلة الأكلشيهات الأمنية الجاهزة، التي تسوقها الأنظمة الدكتاتورية».
والحقيقة أن المنع جاء تحالفًا من السلطات الفرنسية مع اللوبي الصهيوني، الذي شن حملة دعائية واسعة النطاق في باريس ضد ديودونيه، واتهمته بالعداء لـ«السامية» على إثر انتقاداته العلنية لسياسة الإرهابي شارون ثم تشبيهه -في برنامج تلفازي- ممارسات حكومة الكيان الصهيوني على الفلسطينيين بالممارسات النازية.
وهكذا اختارت الحكومة الفرنسية المربع الصهيوني، وداست على قيم الحرية التي طالما تفاخرت بها وصادمت بذلك الرأي العام الفرنسي نفسه، والرأي العام الأوروبي عامة الذي يعتبر «إسرائيل» المهدد الأول للسلام في العالم.
والمؤكد أن السلطات الفرنسية لم تنس بعد نتائج الاستطلاع الذي نظمه الاتحاد الأوروبي في نوفمبر الماضي، وأثبت أن (٦٠%) من الأوروبيين يرون في إسرائيل المهدد الأول للسلام العالمي.
سقوط الدولة الفرنسية في اختبار الحريات مع أحد أبنائها وهو فنان عبر عن رأيه، وليست له مواقف سياسية ولا فكرية ولا انتماءات أيديولوجية، وسقوطها من قبل في نفس الاختبار مع المفكر المسلم رجاء جارودي، ومع كتب الدكتور يوسف القرضاوي، ثم في قضية الحجاب، هذه السقطات تنبئ عن مكنون العلمانية الفرنسية المصاب بالعفن الذي تفوح منه مع كل محك روائح العنصرية الكريهة.
فالعلمانية التي تضيق بـ (1500) تلميذة محجبة (إجمالي التلميذات المحجبات في فرنسا) في عموم المدارس الفرنسية، أو تضيق برأي ممثل كوميدي، أو كتاب لمفكر أو داعية، هي علمانية هشة عفنة لا تقل هشاشة عن علمانية تركيا المصابة بنفس الداء ضد الحجاب مرة أخرى تكشف العلمانية كنظرية وتطبيق عن حقيقتها، ويقدم معتنقوها بأنفسهم للعالم أدلة كذب ما تروج له من مبادئ براقة.