; غاية العبادة | مجلة المجتمع

العنوان غاية العبادة

الكاتب عبد الله السبت

تاريخ النشر الثلاثاء 04-نوفمبر-1975

مشاهدات 54

نشر في العدد 273

نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 04-نوفمبر-1975

غاية العبادة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.. أما بعد

فقد أرسل الله سبحانه الرسل جميعًا ليعلموا الناس عبادته وحده سبحانه والتحذير من الإشراك به، ومسألة تصحيح العقيدة وبناؤها البناء السليم من أهم واجبات الدعاة اليوم، ولن يصلح حال الأمة مهما كثرت جوانب العبادة فيها ما لم تكن قد أصلحت اعتقادها بالله عز وجل. 

ومن قضايا العقيدة التي حرفها الناس وشوهوا معناها قضية العبادة، أيعبد الله خوفًا وطمعًا وحبًّا؟ أم نعبده هكذا لا خوفًا من ناره ولا رجاء جنته؟ وبلغ الأمر بهم أن جعلوا الساعي للجنة تاجرًا حقيرًا والهارب من النار عبدًا ذليلًا، وضربوا عرض الحائط بحديث الرسول-صلى الله عليه وسلم- «عجبًا للجنة كيف نام طالبها وعجبًا للنار كيف نام هاربها».

فنصيحة للمقبلين على الإسلام، وحتى لا تخدعهم العبارات الفارغة، إذ أن دعاة هذا القول ينسبون باطلهم إلى علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- وهو منهم ومما قالوه برىء. فحتى يظهر الحق ويعتقد الناشئة العقيدة السليمة نبين أمر هذه المسألة وقبل ذلك نود توضيح الآتي:

1- أرشدنا الله سبحانه عند الاختلاف في قضية من القضايا بالرجوع إلى كتابه وسنة نبيه-صلى الله عليه وسلم- وليس إرجاعها لأقوال الرجال.

2- إن مسائل العقيدة يحتاج فيها لاستقلال رأى ودراسة من الكتاب والسنة دون تقليد لأحد.

3- إن مسائل العقيدة تثبت بالنصوص ولا تثبت بأقوال الرجال.

ونسوق الآن القضية وهي: هل المسلم يعبد الله هكذا؟ أم أنه يعبده حبًّا له ورجاء بما عنده وخوفًا من ناره؟ فأقول: من المعلوم والمتفق عليه بين جميع عقلاء المسلمين والذي أمر الله به أن الخلاف إذا وقع فإنه يلزم الرجوع إلى الكتاب والسنة، ولما كانت هذه القضية من أخطر قضايا الاعتقاد فلا شك أن الله سبحانه قد فصلها خير تفصيل في كتابه وأن الرسول-صلى الله عليه وسلم- بينها خير بيان حيث إن مهمته الأولى-صلى الله عليه وسلم- تعليمنا: ألَّا نعبد إلا الله وحده وألّا نعبده إلا بما شرع، فتعالَ معنا أخي المسلم لنقرأ الآيات من كتاب رب العالمين وهي تصف حال أولياء الله، قال تعالى بعد أن ذكر حال الأنبياء والرسل أنه أنعم عليهم واستجاب لهم قال ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا (الأنبياء: 90) من عذابه، وهذا أيضًا حال عباد الرحمن. اقرأ كيف أن الله سبحانه أثنى عليهم بأحسن أعمالهم ومنها استعاذتهم به من النار ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ.. الآية (الفرقان: 63) الى أن قال ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا،إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (الفرقان: 65-66).

وقد أخبر تعالى في آية أخرى أن عباده المؤمنين يتوسلون إليه بإيمانهم به سبحانه أن يقيهم عذاب النار ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (آل عمران: 16).

وهناك أيضًا ما قاله الحق تبارك وتعالى عن عباده الصالحين ووصف حالهم بقوله ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (آل عمران: 190) إلى أن قال ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (آل عمران: 191) ثم قال سبحانه ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (آل عمران: 194) ثم بين أنه استجاب لهم سبحانه ومعلوم أن الموعود على ألسنة الرسل إنما هو الجنة.

تلك هي الآيات وهي قليل من كثير، وليس هناك آية في كتاب الله تقول إن العبادة ليست للجنة ولا للنار: بمعنى أن العبادة هكذا- بلا معنى وبلا هدف- بل كلها تشير إلى أن العبادة الحق هي التي يتوفر فيها حب الله وخوف منه ورجاء بما عنده. فإذا نقص شيء من هذا فهي عبادة مردودة. فالذي يقول إني أعبد الله لا خوفًا منه ولا رجاء عنده فهو مخالف لصريح القرآن ومبتدع في الدين.

ونقول لمروجي هذه البدعة والمدعين أنهم أحسن عبادة لله من رسله: ألديكم تعليل يوضح السبب الذي من أجله ذكر الله سبحانه الجنة وما فيها من نعيم بآيات واضحة وأكثر منها حتى لا تكاد تخلو منها آية؟ وكذلك الأمر بالنسبة للنار، أقول لهؤلاء: ألديكم تعليل لذلك؟ أم أنكم ستقولون كما قال الذين قبلكم إنها أمور وهمية القصد منها تربية العامة؟ وإذا كان الأمر كما تقولون أليس الأولى أن تكون آيات القرآن داعية لهذا الأمر الذي تزعمون؟

وأحب لمن خدع بهذه المقالة ومروجيها أن يسأل نفسه لماذا قال الله تعالى ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ (يونس: 25) أليس في هذا حث من الله لنا لإجابة الدعوة؟ اللهم إنا نؤمن بجنتك ونارك فقنا عذاب نارك وأدخلنا جنتك.

وانظر أيها العبد الصالح أحوال عباد الله الصالحين قال الله عنهم: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا، أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (الإسراء: 56-57). 

فتأمل رحمك الله بين هذا الثناء من الله عليهم لأنهم جمعوا بين الحب والخوف والرجاء وبين من قال لا أخاف ولا أرجو ﴿سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (النور: 16).

وقارن قولهم بهذا الدعاء للرسول-صلى الله عليه وسلم- «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».

وقارن أيها المنصف بين أحوال الأنبياء وبين أحوال أصحاب الوجد والهيام ووصفهم لاتجاههم هذا بأنه الحب الواجب.. وكذلك ما نسبوه زورًا وبهتانًا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بتقسيم العبادة إلى عبادة الأحرار والتجار والعبيد فكل هذا مخالف للحق.

وإنما روج المبتدعة لهذا ليبعدوا الناس عن الطريق والجادة المستقيمة، وذلك أن الناس إذا لم يخافوا من النار فإنهم لن يرتدعوا عن المعصية وإذا لم يرجوا الجنة فلن يعملوا صالحًا، وعند ذلك تكثر الرذيلة وتقل الفضيلة ويترك العمل بالدين وراجع لمعرفة أحوالهم طبقات الشعراني تجد عجبًا.

وكنا نظن أن هذه الأفكار والانحرافات لن تنطلي على الشباب ولكن للأسف الشديد رأينا بعض الشباب في أمريكا من العاملين للإسلام المندفعين لذلك ذكروا في نشرة دورية يصدرونها هذا الموضوع تحت عنوان «الحب الواجب»، وسبب انجراف الشباب لمثل هذه النزعة هو مطالعتهم الكتب التي حوت الغث والسمين، وقلة بضاعتهم في الشريعة والعقيدة الصحيحة جعلتهم لا يميزون، الأمر الذي يجعلنا نكرر القول إن واجب المربين تحذير الشباب من الكتب الخليطة وتعريفهم على الكتب النقية، والله غالب على أمره.

الرابط المختصر :