; غمز للدين... مع خوف في التعبير | مجلة المجتمع

العنوان غمز للدين... مع خوف في التعبير

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 29-أغسطس-1972

مشاهدات 23

نشر في العدد 115

نشر في الصفحة 5

الثلاثاء 29-أغسطس-1972

في الملحق الأدبي لمجلة الرائد «أصوات أدبية» الذي لم يذكر له تاريخ أو رقم عدد مظاهرة حشد لها كل ما يمكن حشده من الشباب الرافض في بلاد العرب، فجاءت وكأنها هتافات جمع مراهق متوتر ثائر يهتف ضد القيم الموروثة من حضارة الأجداد، مهما كان نوع هذه الحضارة وهذا التراث شعرًا كان أو خلقًا أو حتى دينًا.. جمع يرجم بالحجارة معربدا متمردا.. وكأنه يتحدى كل شيء يتوهم أنه يكبله ويقيده ويمنعه من الانطلاق إلى أبعاد لا يفصح عن ماهيتها؛ فهو فقط يريد أن ينطلق وينطلق مسرعًا يكسر كل شيء في طريقه يبعثر كل انتظام من حوله يصرخ في كل الوجوه.... لا أريدكم... أنتم ماض متخلف.
فلتذهبوا إلى الجحيــم... لكنه هو .. أين يريد أن يذهب..؟ ماذا يريد أن يصنع... إلى أي هدف يسعى..؟ لا يعرف!..
هذا الحشد من الكُتّاب أو من يسمون أنفسهم شعراء.. يريدون أن يركبوا قطاراتهـم جميعًا ويسافروا ... ينطلقوا بعيدًا جدًّا عن كل ما يحيط بهم. وأن ينعتقوا من قيود افترضوا أنها تكبلهم من الداخل وأن يتحرروا من إسار معتقدات لم يستطيعوا اقتلاع جذورها من حياتهم...
إنهم يرون أمة رثة الحال ممزقة في أسمالها أضناها الذل وحطمها الضعف فيعتقدون أن هذا الذل جاءها من ماضيها .. فييثورون على هذا الماضي.. ويكفرون بكل معطياته.
أو هم أناس يرون -فى معزل بين النكسات والنكبات- أن القيم والأخلاق وتصور الإنسان للإله والكون والحياة أشياء متطورة متغيرة متبدلة مع الزمن كتبدل وسائل الحياة وأدوات العيش.. فمن كان يؤمن بالله وهو يسكن خيمة أو كوخًا أو وهو يرعى الغنم في الصحراء لا بد وأن يؤمن بغيره وهو يرفل في نعيم القصور ويستمتع بخدمة الآلة ويشاهد القمر الصناعي والصاروخ ويضع أعلامه فوق سطح القمر.
وهكذا رأوا أن استعمال الملعقة بدل اليد في تناول الطعام تطور يجب أن يواكبه تطور في القيم بحيث ينظر إلى العفة والطهارة على أنها رذيلة بعد أن كانت فضيلة.
ولكنهم لوجودهم في مجتمع لا يتقبل منهم هذه الأفكار ولا يحترمهم بهذه المعتقدات أغرقوا في امتطاء الغموض والرمز... واصطنعوا لأنفسهم ثقافة غريبة ممزوجة بتفاهات المكتبات الغربية والشرقية.. مقلدين لفلسفات قاصرة عاجزة لها أهلها في أرضهم.. ومحاولة الظهور بمعرفة أسماء لها رنين العملة الجديدة الزائفة.. مستعملين في كل ذلك لغة لا هي بالعربية.. ولا هي بغير العربية يمزجون فيها اللون بالطعم بالرائحة... ويعتقدون أن الهذيان لغة تفاهم.. وأن التعمية والإبهام بضاعة يتباهى بها... فيبذرون الحروف والكلمات بعشوائية ذاهلة كأنهم الدجالون يطلقون تعاويذهم بهمهمات شيطانية لا يدركها قائلوها أنفسهم..
ومع أن الإنسان لا يجد في كثير من الأحيان كبير عناء في تبين ما تنطوي عليه تعاويذهم من رفض للقيم الإسلامية وطعن في حضارة المسلمين وهدم لجهاد أبطالهم، إلا أن ذلك كله لم يأت في هذا الملحق صريحًا بل مغلفًا بالرمز والغموض.
وللقارئ الآن أن يسمع نماذج من هتافات هذه المظاهرة المحشودة لتكريس هذا التجديد الشامل لكل شيء بهذه البضاعة المزجاة..
هذا شعر نجد فيه إلى أي حد يحقر صاحبه فيه التراث يقول:
وكنت أحس سقوط السنين.. في القاع كان سقوط السنين.. تقيأت طين الأمومة.. وعاقرت كل الوجوه الدميمة.. وفي الذهن صاح القطار: تعالوا نضاجع آباءنا.. ونلبس بقيا التراث نعالا.. نلمعه حين يأتي الخليفة.. يقول: السقيفة هذا المساء «لعلها سقيفة بني ساعدة حيث انتخب الخليفة أبو بكر» سينخرها الجوع.. حتى السقيفة؟!.. سينخرها الجوع هذا المساء» الصفحة 53، 54.
ويظل الشاعر يدعو إلى السفر .. والابتعاد عن ماضي أمته والتراث ويكرر تحقيره للتراث وإحراق السقيفة يقول:
«أتدرين أن القطار الذى يأتي هذا المساء... سيحمل تاریخ أجدادنا» 
أتدرين أن الوجوه التي لا نراها.. تحب الخفاء.. أتدرين أن التراث.. لبسناه نعلا.. أتدرين أني على نصف عمرك.. أعيش لأن الهوى يشتهيك .. أتدرين حتى السقيفة سينخرها الجوع هذا المساء .. أتدرين .. فلتخنق الببغاء» الصفحة ٥٥، ٥٦.
وهذا شاعر آخر يأخذ الناس من الماضي إلى الآتي يريد أن يقطع جذور الآتي من الماضي. يقول: 
«هارب من قفص.. غض بأوراق انتصارات القدامى.. جرف التاريخ فيها ذاته... مسح الإعصار عنها حبرها، استهلكها العجز.. غناءً وكلامًا .. فاستحالت عملة باطلة.. تزجى لمعدومين - أمواتًا - ومدفونين أيقاظًا، ومكفوفين تحت الشمس، أحلاما وأوهاما» ص 119.
وفي تشجيع على السفر والاغتراب للابتعاد عن قيمنا ومعتقداتنا نلمح فيه عدم الإيمان بالبعث بعد الموت، يقول الشاعر نفسه في صفحة ۱۲۱ «تعالي .. فإن الطريق طويل كتاريخ شمس کبدء قمر يراه الملول سحابة صيف تمر. وظلاً ليعبر للمنتظر .. وإني أراه بلا آخر .. وامتدادًا لنا .. والوعود .. نتاجات خوف من السرمدي .. وإنا إذا ما عبرنا فلسنا نعود».
ولأمر ما نجد يسارية طاغية على جل شعراء الملحق الأدبي هذا، حتى إن التصريح بشيوعية بعضهم يأتي بكل صلف وعنجهية حتى لكأن الملحق صادر في موسكو أو بكين . ففي ترجمة للشاعر حنا أبو حنا الذي يعيش في فلسطين المحتلة يقول المترجم عنه صفحة ٦٢: «ويكبر الطفل وتوشح بوشاح الكفاح، ويضع قدمه على طريق منظم للنضال يعتنقه بإيمان الشباب واندفاعه ويراه في تنظيم «عصبة التحرير الوطني» الجناح العربي للحزب الشيوعي الفلسطيني».
وهكذا يُعلَّم أبناؤنا في الملحق الأدبي لمجلة جمعية المعلمين أن الكفاح والنضال في الحزب الشيوعي الفلسطيني في إسرائيل المعروفة مواقفه من الكفاح والنضال الحقيقيين.
وأكثر من هذا حماسًا نجده في كلمة عن شاعر عراقي شيوعي مُتوفٍ هو ناظم حكمت يقول الكاتب ممجدًا لموسكو :
«ومانطيقيين الثوريين من العراق وغيره يجوبون شوارع موسكو في بلد الحرية والاشتراكية» أما الاشتراكية فلهم وأما الحرية... فأين هي؟ في أحكام الإعدام الجماعية؟ أم في السجون والتعذيب!؟ ويقول الكاتب عن هذا الشاعر ممجدا له و لشجاعته: «وببساطة وشجاعة وصدق أكد ناظم حکمت شيوعيته فكرًا وحسًّا فحُكم عليه بالسجن مجددًا»، وهكذا يكون تمجيد الشيوعيين في ملحق لمجلة المعلمين.
بينما تجد دیدن شعرائها الهجوم على الخليفة رمز الحاكم المسلم في كل قصيدة واعتباره الظالم المستبد القاهر لرعيته بسلطانه وجبروته.
ففي صفحة ٢٢ يقول أحد شعراء الملحق: «حاصرت سيف الخليفة في غمده.. حاصرتني الخيول.. وأفصحت عن رغبتي في الدخول.. «كانت الخيل والسيف والليل حلمًا».. وباض الخليفة في جنده.
بعد هذه النظرة إلى هذا الملحق الأدبي الصادر عن جمعية المعلمين في الكويت نحب أن نقول إن هذه الظاهرة تستحق الانتباه واليقظة من أبناء هذا البلد وغيره حتى لا يتسرب إلى أذهانهم روح الشك في معتقداتهم من خلال الدعوة المدعاة إلى التجديد والابتكار والثورة على القديم. 
فكل أدب منبت الأصل غير راسخ الجذور في حضارة أمتنا وعقيدتها أو غير وطيد الصلة بلغتها العريقة هو أدب مرفوض وفكر مستورد مطرود مقضي عليه بالموت والفناء إن كتب لأمتنا الاستقلال والحياة. 
 

الرابط المختصر :